سياسة أمريكية جديدة
نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرا عن برنامج تعتزم الإدارة الأمريكية تنفيذه من الآن وحتي نهاية العام, من أجل تخفيف الشعور المعادي لأمريكا في الشرق الأوسط. ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين أن هذا البرنامج سيخصص25 مليون دولار من أجل استقطاب وإعداد ناشطين سياسيين, وصحفيين, ونقابيين, وقادة منظمات أهلية, كما يشمل البرنامج توجيه مبلغ مليار دولار مقدم كمساعدة أجنبية من الولايات المتحدة إلي الشرق الأوسط, لتحقيق الهدف نفسه.
ومنذ فترة قصيرة وافق مجلس النواب الأمريكي علي تقوية ودعم البث الإذاعي والتليفزيوني الأمريكي الموجه إلي دول الشرق الأوسط والدول الإسلامية, وجاء في حيثيات المشروع أن الهدف هو خفض مشاعر العداء المتصاعدة تجاه الأمريكيين, وجاءت هذه الخطوة من خلال موافقة مجلس النواب الأمريكي علي إصدار قانون جديد باسم قانون تعزيز الحرية لعام2002, وقد خصص مبلغ135 مليون دولار بدءا من الشهر المقبل لتحسين صورة أمريكا لدي الشعوب العربية والإسلامية.. وأثناء مناقشة هذا القانون قال رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب هنري هايد: إن معظم وسائل الإعلام في الخارج تصور الولايات المتحدة علي أنها قوة شر وأنها وراء المؤامرات الخبيثة ضد العالم, وقد أظهرت استطلاعات للرأي أجرتها مؤسسة جالوب الأمريكية هذا العام في9 دول إسلامية أن53% من مواطنيها لديهم مشاعر معادية للولايات المتحدة, وقيل في الكونجرس الأمريكي: إن هذه الصورة لابد من مواجهتها بهجوم إعلامي ومعلوماتي مضاد, وتجنيد أقلام وأصوات ودعاة من داخل دول الشرق الأوسط, وكذلك البحث عن وسائل عبر محطات التليفزيون المحلية في الدول العربية والإسلامية, وزيادة مشاركة الدبلوماسيين الأمريكيين في الاتصالات والحوارات مع الجمهور العام في الدول العربية والإسلامية.
وتعليقا علي هذه السياسات والإجراءات كتب جاكسون ديل مقالا في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بعنوان قل للشعوب إنك تقف إلي جانبهم, قال فيه: إن خطط واشنطن لإصلاح برامجها للعلاقات العامة والدبلوماسية والشعبية ازدادت في إدارة بوش مع تزايد المشاعر المعادية لأمريكا في الدول العربية والإسلامية, وسوف يتم إنشاء مكتب للاتصالات الدولية لتنظيم وإنتاج وتوجيه الرسائل الإعلامية والسياسية الموجهة إلي الشعوب العربية والإسلامية, وابتكار أفكار جديدة تناسب هذه الشعوب, ولها قدرة علي الإقناع. كما قرر فريق العمل الخاص بهذه المهمة في مجلس العلاقات الخارجية أن تقوم الحكومة الأمريكية بنشر أفكارها وآرائها من خلال قنوات تليفزيونية مستقلة, ومتحدثين محليين من هذه الدول العربية والإسلامية نفسها.
وقال جاكسون ديل في مقاله إن أمريكا ليست في حاجة لإذاعات وقنوات تليفزيونية فضائية تستخدم التكنولوجيا العالية, والمهم أن تخاطب أمريكا الشعوب العربية والإسلامية مباشرة وتظهر بمظهر المساندة لحرية الشعوب, كما فعل بوش عندما قامت مظاهرات الطلبة في طهران في9 يوليو الماضي للإفراج عن المعتقلين السياسيين وإنهاء فساد الملالي. وقال بوش لهؤلاء المتظاهرين في كلمات بسيطة قوية: إن الولايات المتحدة معكم.. وقال لهم أيضا: إن شعب إيران يحتاج إلي الحريات وحقوق الإنسان والفرص المتكافئة التي يحصل عليها أمثالهم في العالم, ولكن الحكام وأسرهم يعوقون الإصلاح, ويستأثرون بالغنائم وحدهم. واختتم بوش حديثه إلي الشعب الإيراني بقوله: إذا سار الشعب الإيراني علي طريق الحرية والتسامح, فلن يجد صديقا أفضل من الولايات المتحدة!.
يقول جاكسون ديل: إن هذا هو الخطاب الأمريكي الصحيح الذي تظهر آثاره ونتائجه علي الفور, فقد كان رد الفعل علي هذا الخطاب في إيران قويا, واهتز حكام إيران, واضطروا إلي تنظيم مظاهرات تأييد لهم وإدانة للولايات المتحدة, واشتعل الخلاف بين التيار الإصلاحي والتيار المتشدد في مؤسسات الدولة, وفي ذلك فوز أكيد لأمريكا.. ولذلك يجب أن تطبق أمريكا مع إيران وغيرها السياسة التي طبقتها مع الاتحاد السوفيتي السابق, بالتعامل مع الشعوب, وتحريضها علي حكامها, وكلما انفعلت أنظمة الحكم وازدادت قوة في الدفاع عن نفسها, كان ذلك تعميقا لتأثير أمريكا وتقوية لمركزها في هذه البلاد. وهذه الاستراتيجية يمكن تطبيقها في الدول العربية والإسلامية.. في سوريا.. وتونس.. ومصر.. والسعودية.. وهي لا تحتاج إلي أجهزة أو طوابع بريد أو عربات نقل خاصة, فقط تحتاج إلي توصيل الرسائل الإعلامية التحريضية! ويكفي أن يوجه بوش ـ بترجمة عربية واضحة ـ دعوة إلي الشعوب العربية والإسلامية ليعملوا ضد حكوماتهم وسيجدون أن أفضل صديق لهم هو أمريكا..
هكذا يفكرون ويعملون في أمريكا.. وهم لا يخفون نياتهم.. استخدام الأموال.. تجنيد العملاء والأقلام والصحفيين والسياسيين.. توجيه رسائل تحريض للشعوب.. كل ذلك لتحقيق الهيمنة.. ولكي تفعل أمريكا ما تريد.. تحارب من تريد.. وتقتل من تريد.. ولا تجد من يعترض أو من يقول لها: كفي.. هنا شعوب تريد أن تعيش حرة مستقلة..
ماذا ستعمل الشعوب والدول العربية والإسلامية لحماية نفسها من هذا المخطط الجديد؟
هذا هو السؤال الأهم...