اختبار للنوايا
الصداقة الأمريكية للعرب التي تعتبر من الحقائق الثابتة بالنسبة للحكومات العربية.. يبدو أنها موضع نظر بالنسبة للشعوب العربية, ودائما نجد في الغرب من يقول الحقيقة, ويعبر عن الواقع دون تزييف, من هؤلاء روبرت فيسك الكاتب البريطاني في الإندبندنت الذي يكتب بموضوعية عن سوء التقدير في المواقف الأمريكية والبريطانية تجاه العرب وقضاياهم, وفي مقال له بعنوان بوش لايفعل شيئا لإيقاف الحرب الإسرائيلية اللا أخلاقية وإذا كان العرب يقولون إن الدماء العربية سالت علي الأرض بأسلحة إسرائيل بأكثر مما يمكن احتماله, فإن روبرت فيسك هو أيضا يقول ذلك.. فهو يشير الي وقائع العدوان الإسرائيلي في يونيو1982 حين قتل الإسرائيليون الاسري اللبنانيين والفلسطينيين ودفنوهم سرا, وقصفت الطائرات مستشفي ودمروه بما فيه من المرضي وقتل الإسرائيليون المعتقلين الفلسطينيين بعد ان عذبوهم, ثم قتلوا الذين تعاونوا معهم من العرب اخيرا!
يقول روبرت فيسك إن ما نشاهده في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو صراع ثوري يشبه بدرجة كبيرة حرب الاستقلال في الجزائر التي استمرت من عام1954 حتي عام1962, حيث لم يكن أمام الجزائريين لمقاومة الاحتلال سوي المقاومة المسلحة, ومارست قوات الاحتلال الفرنسية لقمع المقاومة التدمير والاغتيالات, والذبح الانتقامي, والمجازر, والابادة الجماعية.. وشارون يدرك جيدا أوجه الشبه بين المقاومة الجزائرية والمقاومة الفلسطينية, وهو الذي قال للرئيس الفرنسي جاك شيراك في العام الماضي ان الإسرائيليين مثلكم في الجزائر. ولكن الفارق الوحيد اننا لن نرحل. وهكذا ـ كما يقول روبرت فيسك ـ فإن شارون يدرك أنه يحارب حربا استعمارية للاستيلاء علي الاراضي العربية واقامة المزيد من المستعمرات لليهود وحدهم, بينما أصحاب الارض الخاضعون للاستعمار يقاومون, ويسميهم شارون إرهابيون, ومع ذلك لاشيء يثير القلق لدي الإسرائيليين مادامت الولايات المتحدة لن تفعل شيئا لإيقافهم عند حد, وتدعي الصحافة الأمريكية ان وزير الخارجية الأمريكية كولن باول وجه النقد إلي شارون عندما قابله أخيرا, ولم يحدث ان هاجم كولن باول ومساعدوه شارون أو قالوا له إن السياسة الإسرائيلية غير اخلاقية, ولا قالوا له إن قتل الفلسطينيين والاعتداءات علي حقوق الانسان موضع اعتراض من جانب الأمريكيين..
هذا ما قاله روبرت فيسك البريطاني عن موقف إسرائيل وأمريكا, وفي أمريكا أيضا كتب ديفيد مالوني رئيس اكاديمية السلام الدولية مقالا في صحيفة هيرالدتريبيون بعنوان في انتظار قيام أمريكا بوضع خطة قال فيه إن الادارة الأمريكية تعلن أنها مازالت ملتزمة بالعمل علي تحقيق تسوية من خلال المفاوضات, ومع ذلك فإن استراتيجية أمريكا غير واضحة حتي الآن, وهي تتحدث عن خطة سلام, بينما لاتبدو بادرة سلام علي مرمي البصر, ولاتفعل شيئا سوي السعي إلي إخماد العنف الفلسطيني, وتتغاضي عن تحدي شارون لدعوة بوش حين طالبه بالانسحاب من المناطق الفلسطينية حتي يمكن ايقاف التدهور في علاقات أمريكا بالعرب, وتغاضي بوش مرة أخري عن تحدي شارون له وتجاهله لمبادرة السلام العربية التي اقرتها الدول العربية بالإجماع في قمة بيروت, وهي مبادرة تمثل خطة واقعية جدا, وكذلك تغاضي بوش عن إهمال شارون لمبادرة بوش نفسه, التي اعلنها بعد طول بحث وتفكير, بمثل ما تغاضي عن قيام شارون بفرض الحصار علي عرفات واغتيال شخصيات فلسطينية بحجة انهم خططوا لعمليات إرهابية دون أن يكون هناك أي دليل علي ذلك. ومن الطبيعي أن يثير كل ذلك الغضب في العالم العربي والإسلامي, بل والغضب لدي أصدقاء أمريكا واصدقاء إسرائيل أيضا في دول العالم الأخري, الذين رأوا ان هذه السياسات سوف تأتي بنتائج عكسية علي المدي البعيد, وحتي التغطية علي ما جري في مخيم جنين لن يخفف الغضب, ولا كلمات شيمون بيريز الناعمة, وفي الوقت نفسه لن ينسي العرب مواقف أمريكا في مجلس الأمن, وإعاقتها بعثة تقصي الحقائق عن الحرب الإسرائيلية في مخيم جنين.
ان الانتقادات كثيرة في الصحافة الأمريكية والبريطانية, بأكثر واشد مما هي في الصحافة العربية, مما يعني أن المسألة ليست مسألة أن العرب يكرهون أمريكا وإسرائيل, فهذا فهم يبعد القضية عن وضعها الصحيح, وهو ان العرب يريدون صداقة أمريكا ولكنها لاتسلك معهم مسلك الأصدقاء, وتقف ضدهم في قضاياهم الجوهرية التي تحدد مصيرهم ومستقبلهم.. والعرب يريدون السلام مع إسرائيل, ولكن إسرائيل لاتريد السلام, وتريد الاستيلاء علي مزيد من الأرض العربية والسيطرة علي المنطقة.
هذه هي المسألة بكل وضوح!