أين الأصوات العربية

في كل يوم تقريبا تنشر الصحف الأمريكية والبريطانية والفرنسية الكبري مقالات بأقلام رؤساء وزارات ووزراء حاليين وسابقين وشخصيات عامة وقادة سياسيين‏,‏ يطرح كل منهم فيها رؤيته لحل أزمة الشرق الأوسط‏,‏ وفي هذه الساحة العالمية المفتوحة نادرا ما يظهر صوت عربي بين حين وآخر من عدد محدود من الكتاب الأمريكيين من أصل عربي‏.‏

وعلي سبيل المثال فقد توالت في الشهور الأخيرة في أكبر الصحف البريطانية مثل التايمز والاندبذنت والتلجراف‏,‏ وأكبر الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وواشنطن تايمز‏,‏ وأكبر الصحف الفرنسية مثل الفيجارو والموند‏,‏ وغيرها مقالات بأقلام رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون‏,‏ ورئيس الوزراء السابق باراك‏,‏ ورئيس الوزراء الأسبق نيتانياهو‏,‏ وعدد كبير من الوزراء والاسماء الإسرائيلية المعروفة‏...‏ مقالات تدور كلها حول ترسيخ النظرية الإسرائيلية عن الأمن وكراهية الفلسطينيين وإلصاق تهمة الإرهاب بهم جميعا واستعداء الرأي العام العالمي علي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات‏,‏ وتأكيد الانطباع عنه علي أنه إرهابي لا يقل خطورة عن بن لادن‏...‏ وأمثال هذه الاكاذيب والمغالطات تملأ صفحات الصحف العالمية‏,‏ وهذه الصحف تبدو ساحة مفتوحة‏,‏ يكتب فيها رئيس الوزراء البريطاني ووزيرا الخارجية الحالي والسابق‏,‏ ويكتب فيها كيسنجر‏,‏ كما يكتب رامسفيلد وكوندوليزا رايس وأولبرايت وعشرات من الاسماء المعروفة‏.‏

قيمة هذه المقالات أنها قوة ضاربة لها تأثير كبير مباشر في تكوين الرأي العام الأمريكي والأوروبي‏,‏ بينما يتصايح المفكرون والسياسيون العرب في الصحف والفضائيات العربية‏,‏ ويكتفون بشعارات عن التكامل الإعلامي‏,‏ وتنظيم حملات للعلاقات العامة لتوضيح وجهات النظر العربية‏,‏ ويعلنون عن إنشاء شبكة تليفزيون تنطق باللغات الحية‏,‏ وصحف بكل اللغات‏,‏ ووفود عربية تسافر إلي انحاء العالم للالتفاء بالشخصيات المؤثرة في الفكر‏,‏ وفي القرار‏..‏ الكلام كثير‏...‏ والتصريحات كثيرة‏...‏ والفعل غائب‏...‏ وإرادة الفعل ذاتها غير موجودة‏.‏

وفي آخر لقاءات وزراء الإعلام العرب اتفق الجميع علي ترتيبات‏,‏ ومشروعات كثيرة‏,‏ وذهبت القرارات إلي النسيان كسابقاتها‏...‏ واتفقوا علي تناسي الخلافات العربية‏,‏ والالتفاف صفا واحدا للدفاع عن الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب الابادة‏,‏ والدفاع عن شعب العراق وحقه في الحياة بعد‏12‏ عاما من العقاب‏,‏ والدفاع عن حق سوريا في الجولان وحق لبنان في مزارع شبعا علي أساس ان هذه الحقوق المهددة بالضياع من الذئاب في غابة النظام العالمي الجديد‏...‏ هذه الحقوق المهددة بالضياع‏..‏ والمستقبل المهدد‏....‏ أولي بالرعاية والاهتمام من الصفائر والخلافات التي ينشغل بها الإعلام في بعض البلاد العربية‏...‏ ومع ذلك فلا تزال هناك وسائل إعلام عربية تعمل علي أن تفرق العرب‏,‏ وإثارة النزاعات والمشكلات والحساسيات فيما بينهم في محاولة لشغل الرأي العام عن قضاياه الرئيسية‏.‏

وكمثال لما اريد أن اقوله المقال الذي كتبه أخيرا ايهود باراك في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بعنوان لا للإصلاح السريع ركز فيه علي عدة نقاط‏:‏ عدم الاستعجال في حل الأزمة في الأراضي الفلسطينية‏,‏ وعدم الضغط علي إسرائيل واعطائها الفرصة الكاملة لتهيئة الارض للحل الذي تريده‏,‏ ويضع باراك شروط الحل واولها اعادة تنظيم اجهزة الأمن الفلسطينية لضمان أمن إسرائيل‏,‏ وإصلاح اجهزة السلطة الفلسطينية لكي تتعاون مع إسرائيل وتنصاع لمطالبها ومطامعها‏,‏ وعقد مؤتمر دولي‏(‏ مدريد ــ‏2)‏ ولن يتحقق كل ذلك إلا بعد ازاحة عرفات‏,‏ وباراك يدعو الادارة الامريكية إلي عدم التحرك الآن لأن الحل في هذا الوقت مكافأة للإرهاب الفلسطيني‏,‏ وطبعا لم يقل أن عدم تحرك أمريكا للقيام بمسئوليتها مكافأة للإرهاب الإسرائيلي‏!‏ وأكثر من ذلك فإن باراك يري ان دخول السعودية كطرف في جهود الحل انتصار لإسرائيل أما المبادرة السعودية ذاتها فيقول أنها متطرفة لأنها تدعو إلي حدود‏67‏ وليس إلي حدود آمنة‏,‏ ومعترف بها‏,‏ ولم تذكر صراحة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية‏,‏ كما لم تعلن عن أن حق العودة مقصور علي العودة إلي الدولة الفلسطينية‏,‏ وليس إلي الأراضي التي ستدخل في حدود دولة إسرائيل‏,‏ وينتهي إلي أن المبادرة العربية تهدد أمن ومستقبل إسرائيل‏,‏ ويجب علي أمريكا إحباطها لأنها تهديد للاساس الاخلاقي والاستراتيجي لحرب أمريكا علي الإرهاب‏,‏ ثم يكرر أن الحل الذي كان مطروحا علي عرفات في كامب ديفيد هو الاساس الوحيد الذي يتفق مع مبدأ الرئيس بوش بعدم مكافأة الإرهاب‏...‏

ليس باراك وحده‏....‏ هناك عشرات المقالات التي تسمم عقول الأمريكيين والأوروبيين‏...‏ أين هي الاصوات العربية للرد‏..‏ وكيف يكون للباطل هذه الاصوات الكثيرة‏,‏ ولا يكون للحق صوت علي الإطلاق؟‏!.

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف