مصداقية الإدارة الأمريكية
مازال الأمريكيون يتساءلون في الاعلام ومراكز الدراسات: لماذا يكرهنا العالم.. لماذا يكرهنا الأوروبيون.. ولماذا يكرهنا العرب؟
ومايهمنا في الموضوع ـ طبعا ـ هو مايتعلق بالعرب. وإذا كان من بين الباحثين والسياسيين الأمريكيين من يلمس نزعة كراهيته علي الجانب العربي, فعليهم أن يبحثوا عن الأسباب الحقيقية لذلك, لأن المفروض أن تكون روح الثقة والصداقة هي الغالبة في العلاقات, وان يكون الشعور بالامتنان من جانب العرب لمساعدات الولايات لبعض بلادهم هو الشعور الغالب, فلماذا تبدو في الأفق مشاعر الضيق بين الناس العاديين في الشارع العربي, وليس بين الحكومات والقيادات.
والحقيقة أن العلاقات بين الولايات المتحدة والعرب علاقات معقدة, وفيها تناقضات يصعب علي العقل العربي فهمها ـ فالعرب يشعرون بالصداقة الحقيقية مع الشعب الأمريكي, والعلاقات الانسانية والثقافية والاجتماعية علي مستوي الشعوب لاتشوبها شائبة, بل إن العرب يحبون الشعب الأمريكي ويرون فيه البساطة والتلقائية في أسلوب الحياة, ويلمسون الصراحة والتعبير عن المواقف بصدق ودون التفاف.. علي المستوي الشعبي ليست هناك مشكلات بين العرب والامريكيين.. وعلي المستوي الحكومي هناك تفاهم وتنسيق وعلاقات متشابكة وتعاون يصل إلي حدود بعيدة.. أين المشكلة إذن؟
المشكلة في العلاقة بين الإدارة الأمريكية والشعوب العربية, فهناك إحساس يتعمق يوما بعد يوم أن الإدارة الأمريكية تعمل ضد مصالح العرب, وتتجاهل حقوقهم, وتحرض علي قتلهم كما يفعل شارون الآن بالفلسطينيين, وكما تتوالي التهديدات بضرب العراق, وما يصدر من الإدارة الأمريكية من إنذارات لدول عربية أخري, فيبدو الأمر وكأن العالم العربي سوف يكون الهدف للتدخل الأمريكي وربما للاعتداء من جانب أمريكا في اطار حملة عسكرية بدأتها تحت شعار غير محدد هو محاربة الإرهاب.. وأصبح مفهوم الإرهاب الغامض قابلا لأن يندرج تحته أي جماعة وأي شعب دولة, فروسيا تعتبر حربها في الشيشان حربا ضد الإرهاب, والصين تعتبر قمع المسلمين ضربا للارهاب, والهند تعتبر المسلمين في كشمير ارهابيين, والولايات المتحدة واسرائيل متفقتان علي اعتبار الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال إرهابيين وهكذا أعطت أمريكا لكل دولة في العالم الذريعة والحجة لتصفية حساباتها القديمة وحل مشكلاتها مع جيرانها والمختلفين معها باعتبارهم ارهابيين.. وأمريكا نفسها حركت قواتها العسكرية ليس إلي أفغانستان فقط ولكن إلي أندونيسيا, وجورجيا, وتظهر نياتاها لتوسيع نطاق الحرب علي الإرهاب وتعلن أن العالم كله سوف يكون ساحة مفتوحة لهذه الحرب, كما أعلن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
وفي مبادرة الرئيس بوش حديث عن دولة فلسطينية ورفض صريح لمحاولة شارون الادعاء بأن الضفة أرض متنازع عليها وليست أرضا تحت الاحتلال, وحدد بوش موقفه صراحة ـ مثل الدول الاوروبية وبقية دول العالم ـ أعلن صراحة أن الضفة أرض واقعة تحت الاحتلال الفاسد وحذر من أن اسرائيل إذا لم تعمل علي إنهاء الاحتلال فسوف تفقد هويتها وديمقراطيتها وألمح إلي ماهو أبعد من ذلك, وهو أن اسرائيل تجازف في هذه الحالة بفقدان المساندة والصداقة الأمريكية, وهذا الجانب من المبادرة طيب ويستحق التقدير, ولكن في الوقت نفسها يبدو الرئيس الأمريكي مؤيدا علي طول الخط لشارون في سياسته القائمة علي أن وقف العنف الفلسطيني لايتم إلا بالوسائل العسكرية, دون بحث عن الوسيلة الصحيحة وهي إعطاء الفلسطينيين حقوقهم, والادارة الأمريكية تؤكد منذ عشرات السنين اعترافها بحقوق الفلسطينيين, فلماذا لاتنحاز إلي الحق وتفعل العكس فتنحاز إلي الباطل, والادارة الأمريكية تري كيف يسقط الفلسطينيون قتلي بالمئات منذ21 شهرا وحتي الآن برصاص وصواريخ الجيش الإسرائيلي, وتري وتعلم ماوصلت إليه حياة الفلسطينيين من بؤس, وتعلم أن شارون يحتجز مليار دولار هي أموال الفلسطينيين كوسيلة للضغط عليهم بحرب التجويع مع الحرب العسكرية, فهل يمكن أن تشعر الشعوب العربية بالحب لهذه الادارة الأمريكية التي يعبر سلوكها عن أنها لاتحب الشعوب العربية ولاتضع أرواحهم وحقوقهم ومصالحهم وحريتهم ضمن اهتماماتها.. والإدارة الأمريكية وهي الحليف الاستراتيجي لإسرائيل لم تسأل اسرائيل حتي الآن عن أهدافها وخطتها ومشروعها للسلام, والإدارة الأمريكية تعلن أن الفلسطينيين لايستحقون شيئا من حقوقهم لأن ذلك سيعتبر مكافأة للارهاب بينما هي تكافيء الإرهاب الاسرائيلي كل يوم وبقوة, وهي تطالب الفلسطينيين ببناء مؤسسات ديمقراطية وتترك شارون في الوقت نفسه يحتل ويخرب الاراضي التي يمكن ان يقيم عليها الفلسطينيون هذه المؤسسات واعتقال آلاف ممن يفترض مشاركتهم في هذه العملية الديمقراطية, وكما يقول هنري سيجمان في هيرالد تريبيون فإن بوش دعم شارون في استمرار حصار وضرب الفلسطينيين إلي أن يتموا الاصلاحات المطلوبة منهم, وقد فهم شارون أن خطاب بوش مساندة أمريكية للفتح الذي سعي شارون للايقاع بالفلسطينيين فيه, وهو استغلال رد الفعل الفلسطيني علي المذابح الاسرائيلية للادعاء بأنهم لايصلحون كشركاء في السلام.. واستمرت الادارة الأمريكية في تبني خطة شارون بالخلط بين الإرهاب وحق الشعوب في مكافحة الاحتلال. وطالب بوش الفلسطينيين بالتوقف عن المقاومة وكأنه يريد توفير المناخ المناسب لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي(!)
ولو تأملت الإدارة الأمريكية مواقفها بروح الانصات والعدالة فسوف تجد الإجابة واضحة علي السؤال الذي تطرحه: لماذا يكرهوننا؟