الدور الأمريكى الجديد

من الطبيعي أن يشعر الرأي العام بالصدمة من التصريحات الأخيرة التي ادلي بها الرئيس بوش‏,‏ وهدد بعقوبات اقتصادية‏,‏ وباللجوء إلي الخيار العسكري إذا لم يغير الشعب الفلسطيني قياداته ويختار قيادات جديدة وفقا للمواصفات الأمريكية‏.‏

وقبل ذلك كان بيان الرئيس بوش صدمة قوية‏,‏ إذ جاءت خطة بوش لتحقيق السلام في الشرق الأوسط مؤيدة ومرددة لكل ما يسعي إليه شارون‏...‏ من اعتبار مقاومة الفلسطينين للاحتلال إرهابا ورفض الاعتراف بالسبب للجوء الفلسطينيين إلي تفجير انفسهم‏,‏ والقاء المسئولية علي عرفات‏,‏ واعتباره هو أيضا مع كل منظمات مقاومة الاحتلال ضمن قوائم الإرهاب التي يضيف إليها الرئيس بوش كل من يعارض السياسات الأمريكية القائمة علي فرض الارادة الامريكية بالقوة‏.‏


ومنذ‏11‏ سبتمبر وبوش يعمل علي توسيع دور أمريكا في العالم‏,‏ كما قالت واشنطن بوست وقد اعلن أخيرا ان الولايات المتحدة سوف تقوم بعمليات وقائية ضد اعدائها الارهابيين وضد النظم التي تساندهم‏,‏ باستخدام التفوق العسكري الأمريكي‏,‏ وبناء تحالفات مع القوي العظمي لحل الصراعات الاقليمية‏,‏ وقال ان أمريكا سوف تعمل علي دعم التحديث والتسامح وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي والمناطق التي تفتقد الحرية‏!.‏

وقد علقت واشنطن بوست علي ذلك بأن بوش الذي كان يعلن اثناء حملته الانتخابية أن يكون اقتراب أمريكا من العالم أكثر تواضعا اصبح الآن يتحدث عن فرض ما تريده أمريكا‏,‏ ويري أن الحقيقة الأخلاقية واحدة في كل ثقافة بمعني أن الثقافة والقيم الأمريكية هي التي يجب تسود العالم كله‏,‏ ولا مكان لثقافة أو قيم اخري‏,‏ وهذا الفكر المعادي لتعدد الثقافات والقيم هو الذي يحكم أمريكا الآن‏.‏


وتقول واشنطن بوست إن بوش عندما تحدث أخيرا عن نقل المعركة إلي العدو فسره المراقبون علي أنه اعداد لحملة عسكرية محتملة ضد العراق بعد أن وضعها في قائمة محور الشر التي تضم الدول التي لا يمكن لأمريكا احتواؤها‏,‏ وقد سبق أن أعلن أن أمريكا سوف تغير شعوب الدول الاسلامية لأنها ــ وفق قوله ـ تريد وتستحق الحريات نفسها‏,‏ والفرص مثل أي شعب آخر‏,‏ ومعني ذلك وضع بوش في أولويات جدول اعمال الادارة الأمريكية فرض حرية القول‏,‏ والانتخابات‏,‏ وحقوق المرأة‏,‏ والإصلاح الاقتصادي علي الحكومات التي تحتاج الي سماع ذلك‏.‏

وبذلك نفهم الدور الأمريكي الجديد في أزمة الشرق الأوسط‏,‏ لم يعد دور الشريك‏...‏ ولا دور الوسيط‏....‏ ولكنه أصبح طرفا في النزاع‏...‏ اصبح طرفا ضد طرف‏..‏ وخطته تتلخص في فرض التغيير بالقوة‏...‏ بالتهديد أولا ثم باستعمال القوة اذا لزم‏...‏ والتغيير ليس تغيير شخص أو بضعة أشخاص‏,‏ ولكن ابعاده أوسع واعمق‏,‏ كما تتضح في بيان بوش‏..‏ فهو تغييرفي بنية وفكر وقيم المجتمع الفلسطيني‏.‏


وأن كان موضوع إزاحة عرفات هو الذي يأخذ مساحة أكبر من الاهتمام‏,‏ ويدور حوله الشد والجذب‏,‏ وتظهر الخلافات حوله في أوروبا والعالم العربي وداخل الشعب الفلسطيني‏,‏ وهذا هو المقصود‏,‏ كي يتم اختزال مشروع بوش في هذه النقطة‏,‏ ويبتعد الجدل عن بقية النقاط‏,‏ وهي لا تقل خطورة عن موضوع ازاحة عرفات أو بقائه‏...‏ ويبدو أن هذا التكتيك الأمريكي سوف ينجح‏,‏ لأن الحديث يدور بتركيز شديد حول الشعب الفلسطيني أو حق أمريكا في اختيار القيادة الفلسطينية‏,‏ دون بقية القضايا‏...‏ مثل كيف يقبل الفلسطينيون اقامة دولتهم علي‏42%‏ من الضفة ولا يغير من ذلك أنها ستكون دولة مؤقتة‏,‏ لأن كل ما هو مؤقت تجعله إسرائيل دائما بالدعم الأمريكي‏...‏ وقائمة المطالب الأمريكية من الفلسطينيين تحتاج إلي عشرات السنين لإعداد دستور‏,‏ وانتخاب مجلس تشريعي له سلطات كاملة‏,‏ واختيار قيادات جديدة‏,‏ وتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي‏,‏ وتكوين احزاب‏,‏ إلي غير ذلك من المطالب التي اعتبرها بوش شرطا لبدء المباحثات حول الدولة الفلسطينية‏...‏ فهل الهدف هو وقف المقاومة الفلسطينية للاحتلال باعتبارها إرهابا‏...‏ ثم ترك القضية معلقة بعد ذلك لتزداد فرصة إسرائيل في السيطرة والتوسع‏..‏ أم المقصود تأجيل حل القضية لعدة سنوات إلي أن تنتهي أمريكا من محاربة دول محور الشر وتتفرغ لأزمة الشرق الأوسط؟

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف