المناور الإسراائيلى

رغم الكراهية التي يحظي بها شارون فإنه واضح في أهدافه وسياساته‏,‏ فهو عدواني‏..‏ دموي‏..‏ لا يعبأ بالدماء والضحايا‏..‏ ولا يعرف وسيلة للتفاهم أو التعامل غير القوة‏,‏ وهو كما يقولون عنه باختصار آلة قتل وتخريب كأمثاله في التاريخ‏...‏ وهو علي أي حال له وجه واحد لا يخفيه ولا يخجل منه برغم أنه وجه كريه في نظر العالم‏.‏

لكن الرجل الآخر‏,‏ شيمون بيريز‏,‏ هو المشكلة‏..‏ فهو يظهر كل يوم بوجه ولسان مختلف‏,‏ ويبدو وكأنه داعية سلام‏,‏ وقد نجح في خداع لجنة نوبل فمنحته جائزة نوبل للسلام‏,‏ وهو الآن المحامي المختص بالدفاع عن شارون وحماقاته العسكرية‏,‏ وهو قادر علي أن يتحدث وكأنه داعية السلام ويعطي صوته للحرب حين يجلس إلي جانب شارون في مجلس الوزراء‏,‏ وهو يتحدث مع الاوروبيين بلهجة‏,‏ ومع الامريكيين بلهجة اخري‏,‏ ومع العرب بلهجة ثالثة‏,‏ اما مع الإسرائيليين فإنه فأنه يتحدث بلهجة مختلفة تماما‏,‏ فهو مع الصقور ومع الحمائم‏,‏ ولديه القدرة علي أن يركب حصانين في وقت واحد‏!‏ وقد كان أحد مهندسي اتفاقية أوسلو‏,‏ والآن يشارك في هدم أوسلو‏,‏ وانكار كل الاتفاقات التي ابرمت بعدها لبناء السلام خطوة خطوة واعطاء الفلسطينيين بعض حقوقهم علي مراحل‏.‏


شيمون بيريز هو الشخصية المحيرة بين القيادات الإسرائيلية‏,‏ فهو هادئ وناعم وقادر علي كسب من يحاوره بلغته الدبلوماسية التي تحتمل اكثر من معني‏,‏ ويبدو مستعدا للعمل دون أن يفعل شيئا ملموسا يدل علي ذلك‏,‏ وأكثر من ذلك هو قادر علي نسج افكار مغلوطة تبدو وكأنها منطقية‏.‏

ومثال ذلك المقال الذي كتبه في صحيفة نيويورك تايمز يوم‏18‏ يونيو الحالي ربط فيه بمكر شديد بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب العالمي‏,‏ وانتهي فيه إلي أن الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هي جزء من الحرب العالمية التي تقودها أمريكا وحلفاؤها ضد هذا الإرهاب العالمي‏,‏ وبدأه بمقدمة تقول أن استراتيجية الأمن أصبحت عالمية مثلما أصبح الاقتصاد عالميا‏,‏ وكما تحول الاقتصاد من الاعتماد علي الأرض إلي الاعتماد علي المعرفة والمعلومات‏,‏ وتداخلت الحدود بين الدول في تعاملاتها الاقتصادية‏,‏ كذلك حدث تغير في نظرية الأمن واصبحت الحدود السياسية في العالم غير واضحة‏..‏ وبعد أن كانت كل دولة تواجه عدوا أو اعداء معروفين ومحددين أصبحت تواجه تهديدات غير محددة‏,‏ وذات طبيعة عالمية‏,‏ وكما ادت الصواريخ البالستية إلي الغاء المسافات في تهديدها للدول‏,‏ أصبح الإرهاب أيضا يستطيع ضرب اهداف بعيدة‏,‏ ودون انذار سابق‏,‏ ومادام الإرهاب قد أصبح عالميا فقد أصبح من الضروري أن تكون محاربته باستراتيجية عالمية‏...‏ وبذلك يمهد بيريز لاستعداء دول العالم ضد الفلسطينيين بانكار انهم محاربون ن أجل تحرير وطن واعتبارهم جزءا من الإرهاب العالمي‏,‏ كما يربط بيريز ـ

ـ بدهاء ــ بين الإرهاب الفلسطيني والإرهاب العراقي وإرهاب شبكة القاعدة ويضع الجميع في سلة واحدة ضد العالم‏,‏ لكي يصل إلي ضرورة حشد القوي الدولية ضد تهديدات الأمن العالمي في الشرق الأوسط‏....‏ ويقول إن هذه المنطقة أصبح فيها أسلحة كيميائية وبيولوجية وقدرات نووية ايضا‏,‏ وهو طبعا لا يقصد إسرائيل التي تملك ترسانة كاملة من احدث الاسلحة التقليدية واسلحة الدمار الشامل‏,‏ ولكنه يقصد العراق وإيران والفلسطينيين فوق البيعة‏,‏ ويضيف ان وجود الخلايا الإرهابية في المنطقة وانتشارها عبر الحدود يجعل انشطتها في منطقة الشرق الأوسط خطرا عالميا أكثر من كونه مجرد خطر اقليمي‏...‏ وهكذا يدس فكرة مسمومة في الزحام للايحاء بأن المقاومة الفلسطينية ليست الاجزءا من الخلايا الإرهابية المنتشرة في العالم‏,‏ ويدعي أن التحالف الدولي أدرك ذلك ويتعامل مع الشرق الأوسط علي هذا الاساس‏,‏ واجتمعت لذلك المجموعة الرباعية‏:‏ أمريكا‏,‏ وروسيا‏,‏ والاتحاد الأوروبي‏,‏ والأمم المتحدة‏,‏ وبذلك يمرر بيريز مغالطة اخري ببساطة‏,‏ لأن المجموعة الرباعية اجتمعت من أجل وقف العنف من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ولم تجتمع لوضع استراتيجية عالمية موحدة لضرب الإرهاب الفلسطيني ضمن استراتيجية الحرب علي الإرهاب الدولي‏,‏ كما يدعي‏.‏


وينتقل بعد ذلك إلي تحريض الدول المانحة للسلطة الفلسطينية علي منع مساعداتها‏,‏ باسلوب غاية في المكر والدهاء‏,‏ فيقول إن الشراكة الدولية تستطيع فرض ارادتها من خلال منح أو منع المساعدات السياسية والاقتصادية‏,‏ ومن خلال تحديد درجة الشرعية التي تمنحها لكل دولة أو كيان‏(‏ يقصد السلطة الفلسطينية ويقصد انكار أنها سلطة‏).‏

ومن خلال اضافتها إلي قائمة الدول والمنظمات الإرهابية أو الراعية للإرهاب أو حذفها من هذه القائمة‏,‏ وفي ذلك دعوة لمنع المساعدات السياسية والاقتصادية عن الفلسطسنيين واضافتهم إلي قوائم الإرهاب وتجريد السلطة الفلسطينية من الشرعية‏.‏

ثم يربط إسرائيل بالتحالف الدولي ضد الإرهاب‏,‏ وبالاقتصاد العالمي ويؤكد ضرورة مشاركة إسرائيل في التحالفات ضد التهديدات العالمية وحاجتها إلي استخدام قواتها المسلحة لحماية نفسها من اعدائها في الوقت نفسه وهكذا يعطي مشروعيته لحرب القتل والتدمير الاسرائيلية ضد الفلسطينيين‏,‏ ويربط إسرائيل بالتحالف الدولي ضد الإرهاب‏,‏ وبالمجموعة الرباعية‏,‏ أي أنه يجعل إسرائيل مع الشرعية الدولية‏,‏ ويجعل الفلسطينيين خارجين علي الشرعية‏,‏ ويقول صراحة إن الفلسطينيين هم الذين يرفضون السلام‏,‏ وهم الذين فقدوا المصداقية لانهم ينفذون عمليات تفجير وإطلاق النار‏,‏ ولا يري أن ما تقوم به إسرائيل بدباباتها وطائراتها يمكن أن يفقدها شيئا من المصداقية أو الثقة في برغبتها في السلام‏,‏ ويكرر الكذبة الممجوجة بالادعاء بأن الفلسطينيين هم الذين رفضوا فرصة التوصل إلي تسوية في كامب ديفيد ودمروا بذلك الثقة وبنياتهم ثم يعود إلي العزف علي نغمة السلام ليقول إنه يمكن اقامة دولتين تتعايشان في سلام ويمكنهما تحقيق الازدهار والدخول في الاقتصاد العالمي‏...‏

المعضلة ان بيريز محسوب في مقدمة الحمائم وهو يتحدث دائما عن السلام في الوقت الذي يمرر فيه منطق الصقور ويبرر سياسة الاغتصاب والقوة الاسرائيلية‏..‏ ويلعب بعقول الامريكيين والاوروبيين بخلط الأوراق والحقائق ويخفي يده المضرجة بدماء الفلسطينيين في قفاز من حرير‏..‏ وهذا هو رجل إسرائيل الذي حصل علي جائزة نوبل للسلام‏!


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف