رحلة إنقاذ
أعتقد أن رحلة الرئيس مبارك إلي واشنطن ليست إلا رحلة إنقاذ للسلام في الشرق الأوسط قبل فوات الأوان, خاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش منذ أسابيع رؤيته لواقع المنطقة فقال: إن المستقبل يحتضر في الشرق الأوسط!
وفي مقال توماس فريدمان في نيويورك تايمز بعنوان صارحوا اللاعبين بالحقيقة, قال: إن عقدة المشكلة تتلخص في أن العرب لا يريدون تجاهل الماضي, وعرفات يريد تجاهل الحاضر, وشارون يريد تجاهل المستقبل. ويقول أيضا إن شارون ليست لديه خطط واضحة للغد, وكل ما يشغله هو سحق الإرهاب الفلسطيني والقضاء علي الإرهابيين والانتحاريين الفلسطينيين. ولا يريد شارون إلا الاستمرار في سياسته القبضة الحديدية ولا يفكر فيما يمكن عمله بعد ذلك. ويقول توماس فريدمان في تحليل موقف شارون إنه أسير فكرة واحدة هي إبعاد عرفات عن موقع القيادة, وحماية المستوطنات وبناء المزيد منها, والحرص علي إبقاء الاندفاع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين دون أن يبحث عن كيفية تحقيق ما يريده معظم الإسرائيليين, ومعظم الإسرائيليين يريدون حلا عمليا غير أيديولوجي للصراع, ويريدون الانسحاب إلي الحدود, والتخلي عن المستوطنات, وإقناع الفلسطينيين بهذا الحل, لأنه هو الحل الوحيد الذي يحافظ علي وجود واستمرار دولة ديمقراطية لليهود ويريد معظم الإسرائيليين من شارون أن يتغاضي عن أي شيء آخر.
ويقول توماس فريدمان إن عرفات يريد فقط أن يتحدث عن الأمس, وما عاناه الفلسطينيون, وعن اليوم الذي سيأتي ويرفرف فيه علم فلسطين علي القدس, دون أن تكون لديه خطط للحاضر, أو برنامج لتهيئة شعبه لتسوية تاريخية, وبناء مؤسسات, واستغلال الانتفاضة للتوصل إلي سلام مع إسرائيل.
يقول توماس فريدمان أيضا إنه ينبغي أن يتقدم أحد ويخبر المغفلين الأوروبيين الذين يندفعون الآن لحماية عرفات بأن الانتفاضة كانت في الأساس موجهة تجاه قيادته ولكنه حولها تجاه إسرائيل وساعده شارون علي ذلك(!) ودمر بذلك الاقتصاد الفلسطيني بالكامل, كما دمر معسكر السلام الإسرائيلي وهو القوة الوحيدة التي يمكن أن تؤيد قيام الدولة الفلسطينية.
ويبدو أن الخلط وسوء الفهم لحقائق الموقف وترتيب الأحداث قد وصل في الولايات المتحدة إلي هذه الدرجة التي جعلت الرئيس بوش يري في لحظة أن السلام يحتضر في الشرق الأوسط. ومن هنا تبدو أهمية زيارة مبارك إلي واشنطن التي لم تكن في برنامجه, وتبدو أهمية قمة كامب ديفيد يوم الجمعة المقبل التي يأمل العرب أن يستمع فيها الرئيس الأمريكي إلي التحليل الصحيح للموقف والقصور العربي الحقيقي لإنقاذ المنطقة مما وصلت إليه, وتحقيق الاستقرار والأمن لإسرائيل, وللفلسطينيين, ولسوريا, ولبنان, ويوم تعود الأرض العربية إلي أصحابها, وتقوم الدولة الفلسطينية سوف ينتهي الصراع, ولن تشهد المنطقة أي صورة للعنف, مادامت أسباب العنف قد زالت.
وحقائق الموقف يمكن تلخيصها في نقاط محددة..
أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية علي الشعب الفلسطيني أمر لا يحتمله العرب ويؤثر علي مشاعرهم تجاه إسرائيل وتجاه الولايات المتحدة مع ما يترتب علي هذه المشاعر من ردود فعل طبيعية.
واستمرار التوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية علي الأراضي الفلسطينية أمر لا يمكن للضمير الأمريكي أن يستمر في قبوله.
والقول بأن الفلسطينيين, أو العرب, يريدون تدمير إسرائيل, وإلقاء الإسرائيليين في البحر هو قول لا ينطلي علي إنسان عاقل, لأن إسرائيل, وأمريكا, تدركان جيدا أن أحدا لا يريد تدمير إسرائيل, وأن الفلسطينيين لا يقدرون علي تدمير إسرائيل مهما عملوا, وإسرائيل هي التي تملك من الأسلحة الأمريكية ما تهدد به الدول العربية كما تملك أقمار التجسس التي تجعلها تعلم تحركاتهم بدقة.
ومصر من جانبها بذلت جهدا خارقا لضبط مشاعر الغضب السائدة في مصر والعالم العربي, ومصر قامت وتقوم بدور كبير في الفترة الأخيرة لمحاولة نزع فتيل الأزمة وقامت بتحرك سياسي مع جميع الأطراف لإيقاف تدهور الأوضاع بأكثر مما هي عليه, وما زالت تتحمل مسئوليتها, ويبقي أن تبدأ الولايات المتحدة في التحرك بجدية تجاه الحل السياسي, لأن مشكلات الأمن ليست هي أصل المشكلة, أصل المشكلة سياسية, ولذلك فإن الحل الأمني إذا نجح فلن يحقق سوي وقف النزيف وتأجيل ظهور الأعراض, أما العلاج الحقيقي فهو إعادة الأمل إلي الشعب الفلسطيني, وفتح نافذة ضوء تجعله يشعر بأنه سوف يحصل علي حقوقه ويعيش آمنا في وطنه دون أن تجتاحه الدبابات الإسرائيلية في أي وقت أو تطارده طائرات الأباتشي أو يفرض عليه جنود الاحتلال عند المعابر إجراءات فيها من الإهانة وإهدار الكرامة ما يملأ نفسه بالمرارة والحقد والرغبة في الانتقام.
حوار كامب ديفيد يمكن أن يحقق الكثير إذا كان الرئيس الأمريكي يريد حقيقة كما قال: مراجعة الأمور, ومعرفة أين تقف الأطراف, وكيف يمكن التحرك إلي الأمام. ولم نفقد الأمل بعد في عودة الدور الأمريكي وتنفيذ الالتزام الأمريكي بتحقيق السلام العادل.