الرأى الآخر فى أمريكا

أكثر من صحيفة أمريكية أشارت الي أن المكتب البيضاوي للرئيس الأمريكي أصبح غرفة عمليات للحرب‏,‏ حيث يلتقي الرئيس بوش يوميا مع قادة اركان الحرب تشيني ورامزفيلد وكوندوليزا رايس ليخططوا ويتابعوا مسار الحرب علي جميع الجبهات في أفغانستان‏,‏ والفلبين‏,‏ وجورجيا‏,‏ والعراق‏,‏ وفي الأراضي الفلسطينية‏.‏

وأكثر من كاتب ــ مثل ديفيد ايجناتيوس وصف الرئيس بوش بانه مثل القنفذ لا يري إلا شيئا واحدا في العالم هو الارهاب وكلما تصور ان الارهاب هنا أو هناك فانه يحكم عليه بالموت فورا ويوجه اليه كل اسلحته‏,‏ وان ديفيد ايجناتيوس في مقاله في واشنطن بوست قد شبه شارون أيضا بالقنفذ لأن رأسه ليس فيها إلا فكرة واحدة‏:‏ أن يحطم ويكسر ارادة العدو ويقول‏:‏ هكذا شارون ومن المستحيل أن يتغير‏,‏ وهذه هي نقطة الالتقاء في سياسات بوش وشارون‏,‏ انهما يعملان وفقا لفكرة واحدة مسيطرة علي كل منهما وليس لدي أي منهما استعداد لادراك ان هناك حقيقة تكمن في الاعماق مختلفة عما يبدو في الظاهر وعلي السطح‏.‏ والفكرة الواحدة المسيطرة هي التي أدت الي فشل السياسة الأمريكية والاسرائيلية في صنع السلام في الشرق الأوسط‏,‏ ويكتفي بوش وشارون بالاستماع الي تصفيق المعجبين بعنادهما‏,‏ وكأن العناد علامة علي القوة وضرورة من ضرورات القيادة‏.‏

يقول ديفيد ايجناتيوس انه بعد‏11‏ سبتمبر كان من المفيد ان يكون القنفذ في البيت الأبيض‏,‏ وكان توقف الرئيس بوش عند فكرة واحدة هي أن بن لادن هو الشرير الذي هدد أمريكا ويجب القضاء عليه‏,‏ وهذه الفكرة هي التي ساعدت أمريكا علي الاحتفاظ بالثبات والثقة‏,‏ ولكن بوش ليست لديه مقومات قادة الحروب الأمريكية الكبار مثل لينكولن وروزفلت‏,‏ وكلاهما كان سياسيا واقعيا وعمليا قبل أن يكون قائد حرب‏,‏ ويستعين بمستشارين مختلفين في الاوقات المختلفة‏,‏ وكل منهما يؤمن بأن صنع السلام المستعقر هو الهدف الأهم من مجرد شن الحرب‏,‏ واذا لم يكن بوش مثل لينكولن وروزفلت إلا أنه يجب أن يخرج من أسر الفكرة الواحدة حتي يمكنه العمل لحل أزمة الشرق الأوسط‏,‏ ويحتاج لذلك إلي استخدام أدوات أخري والاستعانة بمن لهم خبرة وقدرة علي رؤية المستقبل والعمل من أجله‏.‏

وقبل ذلك كتب مايكل ليند في مجلة نيوزويك مقالا بعنوان فلنكبح جماح انحيازنا الأعمي لاسرائيل يقول فيه إن الادارة الأمريكية تلقي اللوم علي الفلسطينيين وحدهم في الوقت الذي كان الجنود الاسرائيليين يدمرون مقر رئيس السلطة الفلسطينية‏,‏ ويهددون حياته الشخصية وظل وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يوجه الي عرفات أوامره بوقف الإرهاب ضد اسرائيل بما في ذلك ما تقوم به جماعات ليس لعرفات سيطرة عليها‏.‏ ويقول مايكل ليند أيضا ان الموقف الأمريكي ينظر اليه في الشرق الأوسط‏,‏ وفي أوروبا‏,‏ وفي بقية العالم علي أنه دعم مشروط لتكتيكات الاستئساد التي تتبعها اسرائيل‏,‏ وتسبب هذا الانحياز في انقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين‏,‏ ويبقي أمل في ان تدفع المعارضة الدولية للسياسات الأمريكية الي أن تقوم واشنطن بإعادة تقييم العلاقات الأمريكية الاسرائيلية‏,‏ لان إعادة التوازن الي هذه العلاقات سيكون لصالح البلدين‏,‏ ولو كانت أمريكا بعد انهيار حائط برلين اعادت تقييم علاقتها مع اسرائيل لأدركت ان اسرائيل لم تعد لها القيمة التي كانت لها في مرحلة وجود الاتحاد السوفيتي وانعكاسات الحرب الباردة في الشرق الأوسط‏,‏ ولكن المشكلة ان صياغة السياسة الأمريكية تجاه اسرائيل أصبحت تخضع لاعتبارات السياسة الداخلية واللوبي الموالي لاسرائيل هو اللوبي الأقوي في واشنطن‏.‏

وهذه الرؤية ذاتها عبر عنها كاتب اخر هو ديفيد شيبلر في نيويرك تايمز الذي انتقد الانحياز الأمريكي لسياسة شارون التي وصفها بانها سياسة بالغة الحماقة باجتياح الأراضي الفلسطينية بعد عشرين عاما من فشله الكبير في لبنان أنه لا يمكن ان يختار الاسرائيليون للعرب قادتهم‏,‏ وبدلا من القضاء علي زعامة عرفات أدت سياسة شارون الحمقاء الي زيادة شعبية عرفات وزاد استعداد الشعب الفلسطيني للصمود وللمقاومة‏,‏ وكانت حسابات شارون انه يستطيع استعادة الأراضي من السلطة الفلسطينية‏,‏ وبعد أن سالت دماء كثيرة أدرك ان ذلك مستحيل‏,‏ دون أن يدفع ثمنا سياسيا كبيرا‏,‏ ولم يتفهم شارون معني نتائج الاستفتاء الذي أجرته جامعة تل أبيب‏,‏ وأيد فيه‏59%‏ من الاسرائيليين قيام الدولة الفلسطينية وقال‏52%‏ ان وجود ودلة فلسطينية هو الحل للقضاء علي الارهاب‏.‏

وأكثر من كاتب في أمريكا قال ما معناه‏:‏ ان الفلسطينيين الآن ليس لديهم ما يخسرونه‏..‏ ولو كانت لهم دولة لكانوا قد انصرفوا الي البناء والتنمية وحرصوا علي ألا يفقدوا الحلم الذي تحقق‏.‏

وهكذا‏..‏ ان كانت غرفة عمليات الحرب لها رأي‏..‏ ففي أمريكا رأي آخر يعبر عنه اصحاب العقل والخبرة‏.‏ ويمكن أن نمد معهم جسور التفاهم لان هؤلاء هم الذين يمكن التفاهم معهم‏.

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف