مغالطات توماس فريدمان الجديدة

في الصحافة الأمريكية هذه الايام مقالات كثيرة عن العرب والاسلام وعن حرب شارون علي الفلسطينيين تحتاج إلي مناقشة‏,‏ لبيان مافيها من اخطاء او مغالطات أو سوء قصد في بعض الاحيان‏.‏

علي سبيل المثال كتب توماس فريدمان المعروف بعدائه للعرب وللفلسطينيين مقالا في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية وكعادته كتبها علي شكل رسالة من الرئيس الأمريكي بوش إلي الرؤساء العرب‏,‏ يقول فيها علي لسانه‏:‏ لقد قمتم جميعا بتحذيري من الريح المعادية للمباديء الأمريكية التي تهب الآن في منطقتكم نتيجة الاعتقاد بأنني انسحبت من القيام بدور لحل الازمة في الشرق الاوسط واعطيت رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون شيكا علي بياض‏.‏ وأعتقد ان مشاكلكم معنا تأتي من سوء فهمم للتاريخ العربي ـ الاسرائيلي‏,‏ فأنتم تعتقدون اننا اذا ضغطنا علي الاسرائيليين فقط فإنهم سوف يترنحون وينفذون أي شيء يطلبه الفلسطينيون منهم‏,‏ وأنتم مخطئون في ذلك‏,‏ لأن ميزان القوي ليس بيننا وبين اسرائيل‏,‏ ولكنه بينكم أنتم وبينهم‏,‏ وكل التقدم الذي حدث في عملية السلام لم يكن نتيجة تهديدنا لاسرائيل‏,‏ ولكنه كان نتيجة اغرائكم لهم عندما أوضح السادات والملك حسين وحتي ياسر عرفات في اتفاقية اوسلو للاغلبية الصامتة الاسرائيلية‏,‏ ان العرب يرغبون في السلام الحقيقي مقابل الانسحاب الاسرائيلي الحقيقي‏,‏ فحصلوا بذلك علي مايريدونه من اسرائيل‏.‏


ويقول فريدمان ان جانبا من اليمين الاسرائيلي عارض تسليم كل سيناء للسادات‏,‏ وعارض البعض الآخر مقايضة الأرض علي الأردن‏,‏ وعارض الكثير اتفاقية اوسلو الاولي والثانية‏,‏ ولكن أنتم العرب الذين جعلتم الاسرائيليين يتحولون إلي صفكم‏,‏ وهزمتم المعارضين الإسرائيليين عندما اقنعتموهم بأنكم تريدون السلام الحقيقي مقابل الانسحاب الحقيقي‏,‏ وهذا هو ميزان القوي الوحيد الذي يهمهم‏..‏ فنحن مجرد متفرجين‏,‏ وأنتم الذين تملكون القدرة علي علي اعادة تشكيل السياسات وليس اناولكني أقدم لكم نصيحتي لكيفية القيام بذلك‏..‏ أنتم ترتبون لعقد قمة عربية في لبنان‏,‏ وانني اقترح ان يكون موضوع القمة التوصل إلي قرار واحد بسيط هو ان تعلن الدول العربية جميعها انه في مقابل الانسحاب الاسرائيلي الكامل إلي حدود‏4‏ يونيو‏1967‏ في الضفة وغزة والقدس والجولان‏,‏ ستقوم الدول العربية جميعها بالاعتراف الكامل بإسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية وتطبيع التجارة وضمان الأمن‏..‏ وبذلك يكون السلام الكامل بين اسرائيل وجميع الدول العربية مقابل الانسحاب الكامل‏..‏ واذا كنتم قد افضيتم لي سرا بأن هذا هو موقفكم‏,‏ فلماذا لا تعلنون هذا الموقف‏,‏ وتحصلون علي الثمن؟ واذا كنتم لاتستطيعون الاقدام علي هذه المجازفة فلماذا ينبغي علي انا ان أفعل ذلك؟


هذا المقال نموذج للاخطاء والمغالطات‏..‏ أولا يذكر فريدمان ان العداء في العالم العربي موجه إلي المباديء الأمريكية والحقيقة ان العالم العربي ليس فيه عداء أو كراهية للمباديء الأمريكية‏,‏ ولكن الكراهية موجهة فقط إلي الموقف السلبي الحالي ازاء تزايد العنف الاسرائيلي علي الفلسطينيين إلي حدود غير مسبوقة‏,‏ والانسحاب من دور الوسيط إلي دور المراقب‏,‏ وقد سبق ان قدمت الادارة الأمريكية تعهدات ووقعت علي وثائق واتفاقيات تجعلها الراعي لعملية السلام‏,‏ وهذا يفرض عليها مسئولية سياسية واخلاقية ويجعلها كما أعلنت مرارا علي مدي السنوات الماضية شريكا في عملية السلام‏,‏ فكيف يتقبل الرأي العام العربي انسحاب الشريك بهذه البساطة‏,‏ واختزال عملية السلام في جانب واحد هو ضمان الأمن لإسرائيل دون التزام اسرائيل بالانسحاب؟

ومغالطة فريدمان تبدو ثانيا في تصوير الأمن وكأن الدول العربية لم يسبق ان أعلنت مرارا في قرارات القمة السابقة وعلي الزعماء التسعة العرب جميعا بأن السلام مع اسرائيل وضمان الأمن لها‏,‏ وتطبيع العلاقات معها يتوقف علي انسحابها من الاراضي المحتلة‏,‏ واقامة الدولة الفلسطينية‏,‏ وضمانا لأمن الدول العربية‏,‏ فاذا فعلت ذلك فلن تكون هناك مشكلة فكيف يتحدث اليوم وكأن العرب هم أصحاب الموقف المتعنت الرافض للسلام‏,‏ وهو يسمع ويري ويقرأ كل يوم عما يفعله شارون بالفلسطينيين ومايقوله عن انه لا سلام معهم اذا لم يستسلموا له ويذعنوا لشروطه ويقبلوا بشروط المهزوم‏.‏


والمغالطة ثالثا في كلام فريدمان انه يقول ان القادة العرب افضوا إلي الادارة الامريكية سرا بقبولهم للسلام مقابل الارض‏,‏ رغم ان هذا مايعلنه العرب كل يوم في كل وثيقة وكل اجتماع وكل مناسبة بل وبدون مناسبة‏,‏ وهذا مايعلنه جميع العرب علي اختلاف مذاهبهم ومدارسهم السياسية‏,‏ وهذا مايعلنه عرفات وجميع الفصائل الفلسطينية منذ عشرات السنين‏.‏ ولو ان اسرائيل اعادت الارض العربية وحققت الأمن والسلام للعرب بالفعل وليس بالكلام والمناورة‏,‏ فلن تكون هناك ازمة في الشرق الاوسط‏,‏ وسوف يتحقق التطبيع‏,‏ ولعل توماس فريدمان لم يفقد الذاكرة ليتذكر ان التطبيع كان قائما بالفعل‏,‏ والنوايا الطيبة كانت موجودة بالفعل إلي أن جاء شارون وأعلن الحرب‏.‏

ولكن توماس فريدمان أصبح متخصصا في المغالطات وخلط الاوراق وتضليل الرأي العام الأمريكي‏..‏ ويبدو انه يكسب كثيرا من ذلك‏..‏ والاغرب من كل ذلك انه يقول ان الموقف المتعنت للعرب ضد اسرائيل ورفضهم للعرض السخي الذي قدمه باراك في كامب ديفيد هو الذي جاء بشارون إلي الحكم‏..‏ وفي هذا تجاهل لما كان في عرض باراك من تنازل عن القدس والحرم القدسي‏..‏ ومن الذي يستطيع أو يملك التنازل عن المقدسات من أجل عيون باراك‏,‏ أو استسلاما لدبابات وصواريخ شارون حتي ولو سقط مليون شهيد؟

ألم يسمع توماس فريدمان شيئا عن موضوع القدس والحرم القدسي وقد ارادوا من عرفات ان يتنازل عنهما فاذا كان لم يسمع عن ذلك فكيف يكتب عن قضية يجهل أهم نقطة فيها‏,‏ وان كان يعرف ويتجاهل ألا يدل ذلك علي سوء القصد والنية في تضليل قرائه‏..‏ ان كان له قراء‏!

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف