دعوة أمريكية لردع أمريكا

تتزايد أصوات النقد والمعارضة لسياسة الرئيس بوش ومساعديه الذين يحرضون علي أن تبدأ امريكا باستعمال القوة العسكرية منفردة دون استشارة حلفائها واصدقائها‏,‏ وسوف يضطرون الي السير خلفها مرغمين‏!‏

وقد عبر المواطنون الامريكيون في رسائلهم الي الصحف وعلي شبكة الانترنت عن تخوفهم مما قاله الرئيس بوش مؤخرا من أن الجميع مضطرون الي شرح وتفسير آرائهم ومواقفهم امامه‏,‏ ولكنه هو ليس مضطرا لشرح افكاره وأسباب قراراته لأحد‏.‏

وفي صحيفة هيرالد تريبيون عبر وليام بفاف يوم‏24‏ اكتوبر الماضي عن هذا الاتجاه في مقال بعنوان دعوة أمريكية لردع أمريكا قال فيه إن الاستراتيجية القومية التي اعلنتها الادارة الأمريكية حددت أهدافها بالهيمنة العسكرية علي العالم حتي لايفكر أي عدو في تحدي امريكا‏,‏ والنتيجة الحتمية لهذه الاستراتيجية أن الجميع سوف يفكرون فيما لم يفكروا فيه من قبل وما كانوا يرون أنه مما لايمكن التفكير فيه‏,‏ وهو أن يواجهوا التحدي الأمريكي بالتحدي‏,‏ ويقابلوا سعيها لردعهم بالعمل علي ردعها‏..‏ وهذا مافعلته كوريا الشمالية حين اعلنت رسميا أن لديها اسلحة نووية‏,‏ وأنها ستظل محتفظة بها كرادع نووي للولايات المتحدة اذا فكرت في الاعتداء عليها‏..‏ ولم يستطع أحد في العالم أن يمنع نفسه من التفكير في موقف الادارة الامريكية بالصمت علي ما أعلنته كوريا الشمالية‏,‏ وقد أصبح امتلاكها للأسلحة النووية أمرا لايحتاج الي دليل وتبريرها لذلك بانه سلاح لايمكن الاستغناء عنه لحماية نفسها من أي اعتداء خارجي حتي لو كان الاعتداء من الولايات المتحدة‏,‏ بينما تتخذ الادارة الامريكية موقفا مختلفا من برنامج العراق المزعوم المشكوك فيه والذي لم تقدم الادارة الامريكية أي دليل عليه‏,‏ ومهما يبلغ التهديد العراقي فإنه لن ينال شيئا من الولايات المتحدة‏,‏ بينما يوجد في كوريا الجنوبية‏40‏ الف جندي امريكي يمكن بصاروخ نووي واحد من كوريا الشمالية أن يقتل عددا كبيرا منهم فضلا عن الضحايا والدمار في كوريا الجنوبية ذاتها‏.‏

وإن كان هذا السيناريو افتراضا وبعيدا عن التصديق‏,‏ الا أنه يكفي لدفع الصقور المحتشدين الآن في البنتاجون والبيت الأبيض الي اعادة التفكير مرة اخري‏,‏ ليدركوا أنهم يمارسون الضغوط فقط علي الدول التي لاتملك اسلحة نووية‏,‏ ولايفعلون شيئا من ذلك مع الذين يملكونها فعلا‏,‏ وهم يعلنون الحرب علي العراق بناء علي شكوك وظنون وتخمينات‏,‏ ولايفعلون ذلك مع كوريا الشمالية بعد أن أصبحت أمامهم حقائق لايمكن التشكيك فيها‏.‏

وهذه نقطة الضعف في السياسة الأمريكية‏,‏ خاصة أن هذه الادارة تعلن أنها ليست لديها أية نية في التخلي عن تفوق أمريكا النووي‏,‏ وأنها تعتزم التوسع في هذا التفوق‏,‏ فماذا تظن هذه الادارة أن يكون رد فعل أي حكومة حذرة في العالم‏..‏؟ ألا تدرك أن أي حكومة تريد حماية شعبها سيكون لها الحق في التفكير في الحصول هي الأخري علي رادع نووي ولو بالشراء حتي ولو كان مجرد سلاح نووي صغير‏,‏ ولكنه يمكن أن يعطيها الشعور بالأمان؟

ويقول وليام بفاف‏:‏ ان الادارة الأمريكية تجبر الناس في العالم علي التفكير في القوة بعد أن أصبحت هي القانون الذي وضعته أمريكا لتطبقه علي العالم ولن تستطيع أن تمنع الآخرين من التفكير في استعماله معها‏,‏ خاصة بعد أن أعلن بوش أن عهد القوة الأمريكية اللينة انتهي‏,‏ وبدأ عهد القوة الأمريكية الصلبة وأن من يظن أن القوة الأمريكية مجرد سكين باردة سوف يري أنها سيف قاطع‏!‏ فكيف يحمي الناس في العالم أنفسهم من هذه القوة الصلبة وهذا السيف القاطع‏..‏؟ ومادامت سياسة القوة اللينة قد انتهت والتي كانت معتمدة علي النفوذ الدبلوماسي‏,‏ والاقناع السياسي‏,‏ والنفوذ الثقافي‏,‏ والتفوق الأمريكي الذي يفرض علي الجميع احترامها‏,‏ ويجعلهم يتمنون أن يكونوا أصدقاءها‏,‏ وأن يعتنقوا القيم والثقافة والأفكار الأمريكية‏,‏ فماذا تقول وقد نجحت فرنسا ـ مثلا ـ بالقوة اللينة في اعاقة الطلب الأمريكي من مجلس الأمن بالسماح لها بضرب العراق‏,‏ ولم تجد أمريكا من يؤيد موقفها‏,‏ وفرنسا تملك حق الفيتو ولكنها لاتستخدمه كما تفعل أمريكا‏,‏ لأنها تدرك أن الفيتو مثل السلاح النووي‏,‏ قوة لايستخدمها من يملكها‏!‏

ونتيجة سياسة الادارة الأمريكية ـ كما يقول وليام بفاف ـ زيادة أعداء أمريكا وانتشارهم بعد أن أدرك الجميع أن أمريكا ليست في حرب علي المسلمين فقط‏..‏ ولكنها في حرب مع العالم‏!‏

هذا مايقوله وليام بفاف في الصحيفة الأمريكية‏..‏ فماذا يقول الآخرون في العالم وهم يرون التهديدات الأمريكية في طريقها اليهم؟‏!‏ وماذا نقول عن اسرائيل‏..‏؟

 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف