خطة بيريز للسلام
بدأ شيمون بيريز في السعي إلي العودة إلي الأضواء, بعد خروجه من الحكومة مع وزراء حرب العمل. وبيريز صاحب الأقنعة السبعة يضع هذه المرة قناع الرجل الطيب الحريص علي تحقيق السلام, وقبل ذلك كان يضع قناع الرجل الشرير ويدعو إلي استمرار العنف ضد الفلسطينيين, وقبلها كان يضع قناع المفكر الاستراتيجي ويرسم المستقبل الوردي للشرق الأوسط ويحاول أن يبيع الوهم للعرب وللعالم.
وقد كتب بيريز مؤخرا مقالا في صحيفة واشنطن بوست في18 نوفمبر الحالي بعنوان ثلاثة طرق متوازية إلي السلام قال فيه إن الجهود لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مؤجلة الآن إلي حين انتهاء الأزمة العراقية, وإجراء الانتخابات الإسرائيلية, وأن هناك درسين من المرحلة السابقة يجب الاستفادة منهما, أولهما أن فشل فكرة تعليق المفاضات علي إجراءات متعاقبة تحدد ما يجب تنفيذه أولا لكي يبدأ التنفيذ فيما يليه.
سواء كان شرط وقف الإرهاب أولا قبل مفاوضات الحل النهائي, أو شرط تنفيذ الإصلاحات في الحكومة الفلسطينية قبل أن توقف إطلاق النار, فقد ثبت أن جميع الخطوات مرتبطة ببعضها ويصعب الفصل بينها, وبالتالي فإن الشروط المسبقة لا معني لها. وقد ربطت الحكومة الإسرائيلية( التي شارك فيها بيريز وحزب العمل) بدء المفاضات بإنهاء الإرهاب أولا, ودعا شارون إلي سبعة أيام من الهدوء ولم يتحقق شيء من ذلك, ويغفل بيريز أن الهدوء تحقق لمدة45 يوما ولم يتوقف العنف الإسرائيلي ويقول بذلك أصبح مسير بدء المفاوضات في يد حماس والجهاد, وإنهاء المفاوضات في يد أي مفجر انتحاري إلي مستوطنة ويقتل عددا من المدنيين.
أما الدرس الثاني ـ كما يقول بيريز ـ فهو أن إنهاء الإرهاب من الصعب جدا بدون تعاون الفلسطينيين, لأنهم هم الذين يعرفون المناطق التي تفرخ الإرهاب ويعترفون مرتكبي هذه العمليات أكثر مما يعرفهم الإسرائيليون, ولكن فرصة تعاون الفلسطينيين مع الإسرائيليين في وقف الإرهاب ستظل بعيدة إلا إذا استطاع الطرفان التوصل إلي هدف مشترك يجعل وقف الإرهاب محققا لمصلحتهما معا, وذلك يتطلب وجود أفق سياسي, لأن تحديد هدف سياسي يقبله الطرفان أمر ضروري, ولا يمكن التوصل إلي هدف سياسي إلا عن طريق المفاوضات السياسية. ولكي تكون هذه المفاوضات مثمرة يجب أن تكون هناك إصلاحات سياسية في الحكومة الفلسطينية, لإقناع إسرائيل بأنها تتعامل مع شريك له مصداقية, ويمكن الاعتماد عليه, ولا يمكن أن يكون هذا الشريك فردا واحدا صاحب نزوات, وعلي ذلك فإنه من اللازم وجود قيادة مسئولة وممارسات حكومية ثابتة.
ويصل بيريز بعد ذلك إلي ضرورة العمل في ثلاثة مسارات في وقت واحد: محاربة الإرهاب, والدخول في المفاوضات, وتنفيذ الإصلاحات, ويقول إنه ناقش ذلك مؤخرا مع قادة فلسطينيين كبار وشعر أنهم مستعدون للقيام بهذه المحاولة والعمل علي المحاور الثلاثة. ويعلق علي خريطة الطريق التي اقترحتها الحكومة الأمريكية, فيقول إنها قائمة علي ثلاث محطات, والتحرك من محطة إلي المحطة التالية يتوقف علي النتائج التي تحققت في المحطة السابقة, ويقول: ولكني أفضل أن تكون هناك ثلاث طرق متوازية تسير فيها العربات بسرعة كاملة, بدلا من وجود محطات منفصلة علي طريق واحد وتسير عليه كل العربات في اتجاه واحد, وهناك درس آخر يتعلق بالإصلاحات في السلطة الفلسطينية, فهناك رأي سائد بأن عرفات لم يعد صالحا وتدعو الحاجة إلي استبداله, وقد طالب الأوروبيون والعرب بتععيين رئيس للوزراء, مع بقاء عرفات مجرد رئيس رمزي, ولكن ذلك لم يتحقق, بسبب خطأ ارتكبناه نحن الإسرائيليين عندما حاصرنا عرفات في مقره في رام الله, فأدي ذلك إلي إحياء التأييد له من أغلبية الفلسطينيين, وثبت خطأ الاعتقاد بأن القوة الخارجية تستطيع فرض قائد علي الفلسطينيين, فقد بقي عرفات وظل محتفظا بالسلطة بالرغم من استخدام القوة, وهذا يعني أن الدعوة إلي القيام بإصلاحات في نظام الحكومة الفلسطينية أفضل من تركيز النقد علي شخص واحد, ولا يغير من ذلك أن السلطة الفلسطينية أضعفها تركيز كل الأمور السياسية والأمنية والمالية في يد فرد واحد, وعرفات ظل رئيسا للسلطة9 سنوات حدث خلالها تدهور في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. والدرس المستخلص عمليا هو الدعوة إلي تغيير نظام الحكم وليس تغيير شخص, وأن تكون المعركة ضد النظام وليست ضد فرد, وإن كان عرفات قائدا للثورة الفلسطينية, فإن ما يناسب مرحلة الثورة لا يتناسب مع مرحلة حكم دولة, والانتقال من الثورة إلي الدولة يستلزم تغيير الشخص الذي يتولي القيادة, والصراع الإسرائيلي الفلسطيني طويل, وهو اختبار لاحتمال الجانبين وقدرة كل منهما علي الصمود, ومن الضروري اتخاذ الخطوة الضرورية نحو الحل: والحل هو دولتان متجاورتان بينهما علاقات تعايش في شرق أوسط تتغلب فيه اعتبارات التنمية وتحقيق إنجازات اقتصادية علي أسباب النزاع في المنطقة.
ولا أظن أن هناك حاجة إلي تعليق علي ما كتبه بيريز, فهو صقر من الصقور, وحمامة من الحمائم, وهو بارع في المناورة وتغيير جلده ودس السم في العسل فهو يتحدث عن خريطة جديدة للطريق وهي لا تختلف كثيرا عن خريطة شارون!