أين القيم الأمريكية
يتحدث الرئيس بوش كثيرا عن القيم الأمريكية التي خرجت الجيوش للدفاع عنها, ويقول ان من هذه القيم: الحرية, والديمقراطية, والمساواة, والتسامح, وحقوق الانسان.. الخ وهذا مانسمعه ونقرؤه في كل مايقال ويكتب في أمريكا. ولكن مانراه من السلوك الامريكي شيء مختلف, وعلي النقيض تماما.
وفي صحيفة هيرالد تريبيون عبر بيترهانسن المفوض العام لوكالة اغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن ذلك في مقال يوم9 أكتوبر الحالي بعنوان مرعوبون ومحرومون قال فيه: تخيل لو أن كل أطفال المدارس في لندن ضاع عليهم شهر من السنة الدراسية لأن المدرسين ـ والتلاميذ لم يستطعيوا الذهاب إلي المدارس..؟ وفكر في الغضب والكرب لدي الآباء اذا انخفضت نسبة نجاح التلاميذ في باريس من71% إلي38% في سنة من السنين.. وتصور طفلك مصابا بالرعب ويرتعد خوفا وهو في رحلته اليومية إلي المدرسة يسير وسط الدبابات, ويقف أمام الحواجز ليفتشه جنود يشهرون في صدره السلاح؟
يقول المفوض العام للأمم المتحدة ان هذا الكابوس هو الواقع الذي يعيش فيه الآباء والمدرسون ومليون تلميذ فلسطيني طوال عامين كاملين.. وأسباب هذا الاختناق هي اجراءات حظر التجول, واغلاق المناطق الفلسطينية ـ التي تفرضها السلطات الاسرائيلية, وهذه الإجراءات عطلت برنامج التعليم الذي تحاول تنفيذه السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة, فوكالة الاغاثة التابعة للأمم المتحدة تدير264 مدرسة تضم ربع مليون تلميذ فلسطيني, وفي العام الماضي ضاع علي التلاميذ29 يوما دراسيا في كل مدرسة لأن المدرسين والتلاميذ لم يستطيعوا الذهاب إلي مدارسهم, وكان الضائع من أيام العمل للمدرسين72 الف يوم عمل, ولم تتمكن المدارس من عقد الامتحانات للتلاميذ إلا في الساعات القليلة التي يتم فيها رفع حظر التجول, ونادرا ما كان التلاميذ يستطيعون الحضور إلي مدارس الصيف التي نفذت كمحاولة لاعادة الشعور بالأمن إلي نفوس الأطفال الفلسطينيين الذين يعانون متاعب نفسية نتيجة الشعور الدائم بالخوف.
ويضيف المفوض العام للأمم المتحدة ان الأمور ازدادت سوءا هذا العام منذ بدأت الدراسة في31 أغسطس, فقد أغلقت36 مدرسة من مدارس الأمم المتحدة في الضفة الغربية لفترات تتراوح بين يومين وخمسة عشر يوما, وكانت محاولة وصول التلاميذ والمدرسين إلي المدارس مستحيلة لدرجة ان المسئولين استعانوا بوسيلة غريبة هي التعليم بالتليفون, بأن يتصل التلاميذ بالمدرسين تليفونيا ليشرحوا لهم الدروس إلي أن يتمكنوا من الذهاب إلي المدارس. ولكن المدارس المغلقة ليست إلا جزءا فقط من المأساة, فالعمليات العسكرية الاسرائيلية كبيرة وتنتهك قدسية المدارس في الأراضي الفلسطينية, وقد دمرت المدافع الاسرائيلية200 مدرسة, وألقت القبض علي أكثر من170 طالبا, ووفقا لتقرير منظمة العفو الدولية فإن القوات الإسرائيلية قتلت250 تلميذا فلسطينيا منذ سبتمبر2000, ومن الأمور المعتادة يوميا أن يتم تفتيش الأطفال, والاعتداء عليهم علي أيدي الجنود الاسرائيليين وهم في طريقهم من وإلي المدرسة, وأن يتعرضوا للغازات المسيلة للدموع, والطلقات النارية, وكان لجو الرعب الذي يعيش فيه الأطفال الفلسطينيون تأثيرات شديدة, فانهارت معدلات النجاح وازدادت حالات الرسوب, وبدأ التوتر وفقدان الاعصاب يظهر علي التلاميذ فيعتدون علي المدرسين وكان ذلك في الماضي من المستحيلات, وتظهر أعراض مختلفة للأمراض النفسية والعصبية علي التلاميذ. وهذا ما جعل وكالة الاغاثة تستعين بمستشارين للعلاج النفسي للتلاميذ, وأضافت إلي خطة الدراسة برامج للتوجيه والعلاج النفسي لتخفيف الآثار النفسية المرضية, وقد أصبح واضحا أن الأطفال الفلسطينيين سيدفعون الثمن غاليا نتيجة فقدان الشعور بالأمان, وفقدان الأمل في المستقبل, وفقدان الفرصة للتعلم والتقدم.
يقول بيتر هانسن: هذه هي مأساة الشعب الفلسطيني الذي فقد اشياء كثيرة ولم يتبق له سوي الأمل في تعليم الأبناء, وكانت نسبة التعليم بين الفلسطينيين هي الأعلي في الدول العربية, وكانت الفتيات الفلسطينيات أولي الحاصلات علي الفرصة المتساوية في التعليم مع البنين, وكان المتعلمون تعليما جيدا من الفلسطينيين كثيرين ومتفوقين في كل مكان من الخليج إلي كاليفورنيا وحتي القاهرة.. لكن الدمار الذي يتعرض له الفلسطينيون يدمر القيم الانسانية.. ويقول المفوض العام لوكالة الاغاثة الدولية لا أستطيع أن أصدق أن حرمان جيل من الفلسطينيين يمكن أن يكون الضمان لأمن اسرائيل.
ونهدي هذا المقال إلي الادارة الأمريكية المدافعة بالجيوش عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان لنسأل: أين هذه القيم؟