محاذير الحرب القادمة
يبدو المشهد أمامنا وكأن العد التنازلي لضرب العراق قد بدأ.
تحركت حاملات الطائرات الأمريكية في اتجاه الخليج, وبدأت الاستعدادات وعمليات الحشد في القواعد الأمريكية في الشرق الأؤسط, وفتحت اسرائيل مخازن السلاح الأمريكية واعلن شارون استعداده للمشاركة الي جانب امريكا في هذه الحرب وهي طبعا فرصته الذهبية, وطار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الي امريكا وعقد اجتماعا مغلقا في كامب ديفيد مع الرئيس بوش عاد بعده ليعلن أن بريطانيا مستعدة لدفع ضريبة الدم من اجل صداقتها لأمريكا ثم اجتمع مع قيادات نقابات العمل وقيادات حزب العمال, وطلب عقد اجتماع مبكر لمجلس العموم, وبدأ تحرك امريكي بريطاني مع دول العالم لاستصدار قرار من مجلس الأمن يعطي الشرعية للحرب الأمريكية ضد العراق..
قد يري البعض ان كل هذه التحركات هدفها الضغط النفسي والسياسي علي النظام العراقي وتحريض الشعب عليه وتهيئة الأجواء لعمليات المخابرات مع المعارضة العراقية التي اجتمعت في لندن برعاية المخابرات الأمريكية وانتهت الي تخصيص ملايين الدولارات من الخزانة الأمريكية لتمويل الانقلاب الذي تم التخطيط له في لندن.
ولكن هذا الاحتمال لخيار الانقلاب من الداخل وفقا للسيناريو الذي اعدته المخابرات الأمريكية لا يجب ألا يجعلنا نستبعد السيناريو الآخر الذي تدل الشواهد علي انه اقرب الاحتمالات, خاصة بعد ان تعمدت الادارة الأمريكية ان تظهر التخبط والتضارب في مواقفها ربما عن عمد, بين تصريح الرئيس بوش بان صدام يستطيع تفادي الحرب اذا وافق علي السماح لفرق التفتيش بدخول العراق, ثم تصريحه بأنه حتي لو سمح العراق فإن الضربة سوف تحدث, ولم يعد واضحا هدف هذه الحرب: هل هو اسقاط النظام العراقي بالقوة العسكرية, أم فتح العراق أمام امريكا لتتمكن من تدمير القدرات العسكرية العراقية التي تدعي امريكا انها تشمل قدرات نووية يحتمل ان تمكن العراق من إنتاج اسلحة نووية بعد ثلاث أو خمس سنوات, ام ان الهدف هو مسألة اسلحة الدمار الشامل التي ملأت امريكا الدنيا بالتخويف مما يملكه العراق منها, ام ان امريكا لديها اجندة خفية لضرب العراق هدفها السيطرة والوجود في هذه المنطقة الاستراتيجية, وهدم قدراتها كدولة, وضمان وتأمين بترول العراق لصالح امريكا ولكي تتكامل حلقات السيطرة الأمريكية علي بترول العالم ولا يتبقي الا بترول ايران!
وسط هذا الغموض المقصود الذي يرجح احتمالات الحرب, تظهر في الولايات المتحدة اصوات تحذر من تنفيذها. وقد كتب وزير الخارجية الأسبق الكسندر هيج مقالا في صحيفة واشنطن بوست بعنوان الحرب مع العراق ستكون بلا نهاية قال فيه إن بوش غارق في بحر من النصائح تدعوه لضرب العراق, واصحاب هذه النصائح ممن ارتكبوا اخطاء فادحة ونسبة اخطائهم100%, وهؤلاء هم الذين اقنعوا بوش الأب من قبل بأن حرب الخليج ستؤدي الي سقوط نظام صدام تلقائيا دون ان تتعرض امريكا لانتقادات العرب لأنها تتدخل بالقوة لاسقاط انظمة الحكم في المنطقة والآن يقول مستشارو بوش الابن إن الحرب علي العراق ستكون سهلة بالأسلحة الأمريكية الحديثة والانقلابات الداخلية التي يتم تدبيرها, وفي المقابل هناك نصائح تبدو ضعيفة تشير علي الرئيس بوش الابن بعدم استخدام القوات الأمريكية في المنطقة العربية, والموقف الأمريكي ادي الي زعزعة الثقة واضعاف المصداقية الأمريكية في العالم العربي. ويكشف عن فشل جديد لامريكا علي وشك الحدوث بعد توالي الفشل للسياسات الأمريكية في المنطقة في الثلاثين عاما الماضية منذ عملت امريكا علي تفكيك نظام الأمن في الخليج الذي وضعته وادارته بريطانيا, ثم دورها في اسقاط شاه ايران واستبداله بنظام حكم متعصب وعدواني
ثم دخول القوات الأمريكية في بيروت وتعرضها للضرب, والانسحاب الأمريكي من لبنان, ثم تحديات صدام حسين لأمريكا حتي بعد قيامها بالحرب علي العراق.
ويقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إن الجمهوريين والديمقراطيين اشتركوا في سلسلة الأخطاء الأمريكية في الشرق الأوسط., وإن حرب الخليج لم تصل الي النتيجة الحاسمة التي كانت تريدها امريكا, والحرب في افغانستان اظهرت للعالم قوة امريكا ولم تظهر حكمتها.. ولم تحقق اهدافها في القضاء علي التهديدات الموجهة لأمريكا, واخيرا فإن فقدان الثقة يجعل عملاء أمريكا الذين اعدتهم للقيام بالانقلاب لديهم شكوك في ان تساندهم امريكا حتي النهاية ولا تتخلي عنهم كما فعلت مع عملاء لها من قبل!
ويقول هيج إن امريكا هي المسئولة عن امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل بسياستها الخارجية وباسلوبها في ادارة النظام الدولي, مما يسمح بظهور المزيد من العمليات الارهابية في المستقبل.
وهيج علي صواب لأن امريكا لم تحسن التعامل مع قضايا المنطقة العربية بما يضمن لها ثقة الشعوب العربية واستقرار المصالح الأمريكية.