غضب الشباب العربى
تتحدث الصحافة الأمريكية عن حالة الغضب التي تسود العالم العربي بسبب تجاهل الإدارة الأمريكية للمصالح والمشاعر العربية, والعدوانية التي تتعامل بها مع القضايا العربية.
ومنذ أيام وبالتحديد يوم16 أغسطس الحالي كانت أفتتاحية صحيفة نيويورك تايمز الامريكية بعنوان غضب الشباب العربي قالت فيها ان العالم العربي فيه ملايين من الشباب يشعرون بالاستياء من الغرب ومن امريكا, ويرددون شكاوي محددة عن مساندة امريكا لإسرائيل, وتهديدات إدارة بوش بالهجوم العسكري علي العراق, ومساندة واشنطن للدكتاتوريات القادمة, وليس هذا كل شئ, فان الغضب العربي له جذور أعمق من ذلك بكثير, فهو ناتج عن الشعور بالفارق الكبير بين المجد القديم للحضارة العربية, والامكانات المحزنة الحالية. ويدرك الشباب العربي علي نحو مؤلم أن مجتمعاتهم تتخلف عن بقية العام اقتصاديا وتكنولوجيا, وأن آمالهم في المستقبل محدودة, وأن أمريكا التي يتظاهرون ضدها تظهر أمامهم في صورة مبنية علي التناقض والكاريكاتير, وإذا كان لبعض الشباب العربي يري أن أمريكا فاسدة بسبب تركيبتها وفلسفتها المادية وانعدام الاخلاق فيها, فهناك شباب آخر يلومون واشنطن لعدم قيامها بالمزيد لمساعدة العالم العربي علي التنمية والتقدم والديمقراطية.
وقالت نيويورك تايمز:إن أمريكا لا تستطيع أن تستمر في تجاهل هذه الملاحظات, خاصة أن الدول العربية22 دولة فيها280 مليون نسمة أكثر من ثلث السكان في فئة العمر أقل من خمسة عشر عاما, وفي أرضهم أكثر من نصف بترول العالم في حدود ما تم اكتشافه حتي الآن, وإذا فشلت واشنطن في تقديم وتطوير مبادرات جديدة فعالة تحقق طموحات المجتمعات العربية, فسوف تواجه بتهديدات في هذه المنطقة لسنوات عديدة قادمة. وكخطوة أولي تحتاج واشنطن إلي أن تصبح مساندة بشكل أكبر للعالم العربي, وأن تبذل جهدا أكبر في سياستها تجاه العراق وإسرائيل. وإن كان الرئيس الامريكي قد طلب هذا العام من وزارة الخارجية البحث عن طرق لزيادة الفرص للتطور الاقتصادي وتحسين التعليم وتعميق الحقوق السياسية في العالم العربي, وملحوظ أن التعليم يحظي باهتمام كبير في العالم العربي الآن لكن الميزانيات قليلة, والتعليم مثقل بمواد تقليدية لا تعد الخريجين للعمل أو لنوعية التفكير الذي يؤدي إلي الإصلاح الداخلي, ولذلك يجب علي أمريكا مساندة الجهود التي تبذل في الدول العربية لزيادة فرص التعليم للفتيات حتي تتحقق المساواة مع الفرص المتاحة للرجال, وعليها أيضا أن تساعد وتدعم الجهد الذي يبذل في العالم العربي لوضع مناهج التعليم حديثة تناسب التطور العالمي في التعليم العام والجامعي علي حد سواء والمفروض أن تساند أمريكا العالم العربي في التنمية والبناء وتدريب المعلمين ويجب أن تقدم واشنطن مساندة مالية ودبلوماسية أكبر للمنظمات المدنية, وبذلك تتحسن صورة امريكا في العالم العربي.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية مشغولة في هذه الفترة بالبحث عن وسائل جديدة لنزع فتيل الغضب من الشباب العربي علي السياسات الأمريكية تجاه العرب, وتحاول استخدام وسائل جديدة لتحسين صورة أمريكا لدي العالم العربي, بعد أن أصبحت صورتها قائمة علي أنها دولة استعمارية, تستخدم قوتها لتهديد ثروة واستقلال وكيان الدول العربية, وتسعي إلي ممارسة الضغوط لفرض ارادتها وتمرير سياسات ضد المصالح العربية, وتريد من العرب أن يقبلوا التنازل عما لا يمكن التنازل عنه. ولكن الإدارة الأمريكية مازالت متمسكة بسياسة القوة من ناحية, وبالسعي إلي تحسين صورتها عن طريق الدعايات السياسية من ناحية أخري.. وهي لذلك تعمل الآن علي تقوية الإذاعات الأمريكية الناطقة باللغة العربية, وترصد ملايين الدولارات لإنشاء قناة تليفزيونية فضائية تقدم برامجها للعالم العربي وهدفها تقديم الأحداث برؤية امريكية واقناع العالم العربي بما تريده امريكا, وتنفيذ سياسة فرق تسد التي لم تحقق الفضائيات العربية فيها ما كان مطلوبا منها بالكامل حتي الآن. لكن الشئ الذي يجب أن تدركه الإدارة الأمريكية أن الاعلام مهما يبلغ من القوة والجاذبية, ومهما يستخدم التكنولوجيا المتقدمة ووسائل الجذب المعروفة باستخدام الجنس لتفكيك الشخصية.. فإن الإعلام وحده لا يغير الواقع, وإذا اقتنع الناس لفترة بما يسمعون ويقرأون فإنهم في النهاية سوف يفيقون علي ما يلمسونه في الواقع.. وإذا لم يكن الواقع إيجابيا فإن الاعلام والدعاية ووسائل التأثير النفسي الأخري لا تجدي.. ولذلك فإن الإدارة الأمريكية إذا ارادت ان تغير اتجاهات الشباب العربي الغاضبة تجاه مواقفها وسياساتها فعليها أن تعيد النظر في هذه المواقف والسياسات بدلا من محاولة تغيير افكار وعقول الشباب العربي حتي يقبل ما لا يمكن قبوله.. فالشباب العربي لا يستطيع قبول كل هذه الاعتداءات الاسرائيلية علي الشعب الفلسطيني.. ولا يستطيع قبول الإصرار الأمريكي علي خلط الأوراق وتصوير الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال العسكري علي أنه هو المعتدي علي إسرائيل.. ولا يستطيع أن يقبل التأييد الأمريكي المطلق للسياسة الاستعمارية الاسرائيلية والرفض المطلق للحقوق الفلسطينية.. كذلك لا يستطيع قبول شن حرب امريكية علي شعب العراق بعد12 عاما من الحصار والغارات الجوية الأمريكية البريطانية واستباحة الاجواء والأراضي العراقية.
ولن يفيد الإعلام الأمريكي مهما تبلغ قوته وبراعته في تغيير ما يراه الشباب العربي بعيونهم وما يلمسونه من خطر يحيط بأوطانهم.