تناقضات فى السياسة الأمريكية

في كل يوم تقريبا يقدم الرئيس الأمريكي جورج بوش دليلا جديدا علي أن سياسته في المنطقة قائمة علي تجاهل حقوق العرب‏,‏ واستفزاز مشاعرهم‏,‏ ومطالبتهم بمطالب غير معقولة وغير منطقية‏.‏

لسنا نحن الذين نقول ذلك لكن المعلقين الأمريكيين هم الذين يصلون إلي هذه الحقائق بعد تحليل مواقف ادارة الرئيس بوش تجاه العرب‏,‏ وهناك مقالات كثيرة في الصحافة الأمريكية تتحدث عن تناقضات السياسة الأمريكية تشير إلي أن ما يفعله الرئيس بوش يزيد من حدة التناقضات‏,‏ ولايقدم حلا للصراع الإسرائيلي‏,‏ الفلسطيني‏,‏ فهو يشترط الاصلاح السياسي الفلسطيني مع بقاء الفلسطينيين تحت الحصار والسلطة الفلسطينية محرومة من الحركة‏,‏ ومن الأموال المجمدة لدي الحكومة الإسرائيلية‏,‏ فكيف يمكن الاصلاح بدون التحرك ودون أموال؟ وكيف يمكن الاصلاح تحت نيران الجيش الإسرائيلي ودباباته‏,‏ والرئيس بوش يطالب بوقف حملات الهجوم علي اسرائيل في اعلام الدول العربية ولا يطالب اسرائيل بوقف حملات الهجوم والكراهية في الاعلام ومناهج المدارس والمعابد‏,‏ والرئيس بوش يطالب الدول العربية بزيادة مساحة الديمقراطية والحريات المدنية واحترام القانون‏,‏ ومع ذلك فهو يطلب من الحكومات العربية اتخاذ قرارات تتعارض مع كل ذلك‏,‏ وهو يطلب من الفلسطينيين نظاما سياسيا ودستوريا يحترم الفصل بين السلطات بينما يطلب من مصر عدم احترام هذا المبدأ ويمارس الضغوط لكي تتدخل السلطة التنفيذية

في اختصاصات السلطة القضائية‏,‏ وهو يعلم‏,‏ أو يجب أن يعلم‏,‏ أن مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء استقر في المجتمع المصري ولايستطيع أحد المساس به أو الاعتداء عليه‏.‏

والإدارة الأمريكية تضغط ـ مع شارون من أجل تغيير عرفات‏,‏ وهي تعلم أن البديل ليس مضمونا‏,‏ وقد لايكون قرضاي كما تريد وإنما يكون من المتشددين‏,‏ وإذا تمت انتخابات حرة فقد يري الفلسطينيون أن سياسة القوة التي يمارسها شارون يجب أن تواجه بالقوة وليس بالاستسلام‏,‏ ولن يكون لهذه المرحلة قيادة مرنة ومعتدلة أكثر من عرفات‏..‏


ولقد كتب جاكسون ديهل اخيرا مقالا قال فيه إن الولايات المتحدة تهتم بالقيم الديمقراطية عندما يكون ذلك مناسبا لها ومتفقا مع مصالحها‏..‏ ويشير أيضا إلي جانب آخر في تناقضات الإدارة الأمريكية فهي تسعي إلي مواجهة موجة الكراهية لأمريكا ولإسرائيل باعتماد ملايين الدولارات لإنشاء قناة تليفزيونية ناطقة باللغة العربية وزيادة الاعتمادات المخصصة للدعاية السياسية للتأثير علي عقول العرب‏,‏ وذلك بدلا من ازالة سبب الكراهية‏,‏ وهو الانحياز الأمريكي للاستعمار الإسرائيلي وضد حقوق الفلسطينيين‏,‏ ولو اتخذت الإدارة الأمريكية موقفا قريبا من العدالة والتوازن فسوف تعود المياه إلي مجاريها وتنتهي سحابة الكراهية من المنطقة‏.‏

ومن جانبنا نري ان امريكا تدافع عن حقوق الانسان بينما تتخذ اجراءات غير انسانية في جوانتاناموا دفعت المعتقلين فيها إلي محاولة الانتحار تخلصا من المعاملة غير الآدمية والبعيدة عن رقابة أية منظمة من منظمات حقوق الانسان الأمريكية‏.‏ وامريكا تعتبر نفسها الدافع عن الحقوق الدينية في العالم بينما تسكت عن اسرائيل في اعتداءاتها علي الأماكن الدينية الاسلامية والمسيحية‏,‏ والاضطهاد الديني التي يمثل احد مبادئ السياسة الاسرائيلية‏.‏


والادارة الأمريكية تتابع سياسة الاغتيالات والابعاد والاعتقال‏,‏ وكل ذلك يتم بعشوائية ودون مراعاة للاعتبارات القانونية او الانسانية استنادا الي الدعم الأمريكي بدون حدود لكل ماتفعله الحكومة الاسرائيلية‏..‏

وفي مقال بعنوان نطاق العقوبات ضد الفلسطينيين يتسع في واشنطن بوست يوم‏2002/8/8‏ كتب مولي مور وجون وارد اندرسون ان عمليات القتل تتكرر علي مدي‏22‏ شهرا منذ الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي في الضفة وغزة‏,‏ والآن بدأت الحكومة الاسرائيلية هدم بيوت من تتهمهم بالارهاب وتطرد أهلهم وأقاربهم من أرضهم وتأمر بترحيلهم الي خارج الضفة‏,‏ ولا أحد يسمع صرخات نشطاء حقوق الانسان الفلسطينيين والعرب والأوروبيين ونداءاتهم اليومية لانقاذ الشعب الفلسطيني من كل هذا البطش الذي تمارسه الحكومة الاسرائيلية‏.‏


والادارة الأمريكية علمت ولم تنطق بكلمة اعتراض او استنكار للحكم الذي اصدرته المحكمة الاسرائيلية العليا وقررت فيه حق القوات الاسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين الذين تتهمهم السلطات الاسرائيلية بالارهاب دون انذار سكان هذه المنازل‏,‏ ثم حكمت برفض استئناف‏44‏ اسرة فلسطينية‏..‏ وبررت المحكمة حكمها بالسماح بهدم المنازل فجأة علي من فيها دون انذار بان ذلك ضروري لأمن القوات الاسرائيلية التي تقوم بالتدمير‏.‏

أوليس من حق العرب ان يسألوا‏:‏ ماكل هذه التناقضات في السياسة الامريكية‏..‏ وماكل هذه الكراهية‏..‏ ولماذا‏..‏؟

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف