أفكار بريطانية للسلام

أفكار بريطانية للسلام


لاشك في أن رؤية أوربا للنزاع في الشرق الاوسط اكثر عمقا وواقعية وعدالة من الموقف الأمريكي‏,‏ وذلك لقرب أوروبا من المنطقة ومعرفتها بالأبعاد الحقيقية للأزمة‏,‏ وارتباط الامن الاوروبي بأمن المنطقة العربية‏.‏

وتبدو المواقف البريطانية أكثر اعتدالا وتفهما من المواقف الامريكية‏,‏ بحكم اشتراك بريطانيا تاريخيا في صناعة إسرائيل وفي كل التطورات اللاحقة بما في ذلك صياغة القرار‏242‏ الذي يمثل الأساس لعملية السلام‏.‏


والاعتدال في المواقف البريطانية يظهر في تصريحات رئيس الوزراء توني بلير الرسمية وفي الدور الذي يقوم به لاقناع الرئيس الامريكي بالتحرك بإيجابية نحو الحل‏,‏ كما يظهر هذا الاعتدال إلي حد كبير في مواقف المثقفين وقادة الرأي في بريطانيا بوجه عام‏.‏

وقد كتب ديفيد أوين وزير الخارجية البريطاني الأسبق مقالا في صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية بعنوان في انتظار قيام واشنطن بوضع خريطة يمكن من خلاله التعرف علي الأفكار الأساسية التي توصل إليها من مباحثاته واتصالاته مع جميع الاطراف حين كان وزيرا لخارجية بريطانيا‏.‏


وتتلخص آراء ديفيد أوين في أن النزاع العربي الإسرائيلي لم يسبق أن وصل الي درجة من السوء كما هو الآن‏.‏ وأن تحت الجمود الظاهر عوامل للتفاؤل المحدود‏.‏ وفي رأيه ان شارون هو القائد الليكودي الوحيد الذي يمكن أن يقبل دولة فلسطينية كجزء من التسوية‏,‏ ومن عوامل التفاؤل أن السعودية دخلت لأول مرة كطرف في عملية السلام‏,‏ وان الفلسطينيين المشاركين في السلطة الفلسطينية يدركون ضرورة القيام بتغييرات أساسية كما يدركون أن الاطراف المانحة للمساعدات سواء الاتحاد الاوروبي أو وكالات الامم المتحدة لن يقدموا مساهمات لاعادة بناء البنية التحتية الفلسطينية دون القضاء علي الفساد واتخاذ إجراءات ديمقراطية‏,‏ والرباعية المكونة من أمريكا وروسيا والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة يمكن تساعد علي تحديث الإدارة الفلسطينية وإجراء انتخابات حرة قبل إقامة الدولة‏.‏ والمشكلة الآن أن لقاء الفلسطينيين والاسرائيليين في مباحثات جادة يبدو صعبا لعدم وجود الثقة‏,‏ وفي الوقت نفسه فان العالم ليس مستعدا للانتظار طويلا إلي أن تتم إعادة بناء الثقة‏.‏

خلاصة تجربة وزير الخارجية البريطاني الاسبق أن الولايات المتحدة هي التي يجب أن تتحرك‏,‏ وهي التي يجب أن تقوم بالدور الأكبر‏,‏ وهي التي يجب ان تقترح علي الطرفين خطة واضحة ومحددة للحل النهائي تتضمن تحديدا للأراضي التي ستكون لكل دولة من الدولتين‏,‏ ولضمان نجاح هذه الخطة من الضروري وجود قوات أمريكية مع قوات من حلف الناتو للتغلب علي المخاوف الأمنية الحقيقية لدي الطرفين‏.‏ ويقول السياسي البريطاني إن المفتاح الحقيقي للسلام ليس في وضع خريطة مؤقتة أو إقامة دولة مؤقتة ولكن في خريطة تحدد الوضع النهائي واقامة دولة فلسطينية دائمة‏,‏ كما أن الحل لابد أن يتضمن استرداد الفلسطينيين مائة في المائة من الهكتارات التي فقدوها في‏1967‏ دون أن يعني ذلك العودة الي الارض نفسها‏.‏


ويري ان مقياضته الارض اصبحت الآن اسهل بكثير نتيجة لأن العرب الذين يعيشون في اسرائيل اصبحوا يتساءلون عن إمكان استمرار اعتبارهم مواطنين اسرائيليين‏,‏ كما أصبح الكثير من الاسرائيليين يتساءلون عما اذا كان يمكنهم الشعور بالأمن الي جانب هذه الاعداد الكبيرة من العرب داخل إسرائيل‏,‏ وفي الوقت فإن الحل يجب ان يتضمن السماح لبعض اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الي اراضيهم التي كانت تعتبر داخل اسرائيل منذ‏1947,‏ ويسمح كذلك للإسرائيليين بالاحتفاظ ببعض المستوطنات في الضفة اذا كانت تتعلق بالأمن‏..‏ ومن المستحيل إقامة دولة فلسطينية مترابطة ومعتمدة علي نفسها مع استمرار التمزق الحالي بوجود المستوطنات داخلها‏,‏ ومن الممكن إقناع شارون بالتخلي عن هذه المستوطنات اذا وجد أن القوات الامريكية وقوات حلف الناتو علي الارض قادرة علي ضمان الأمن لاسرائيل‏,‏ ووجود قوات روسية وتركية ضمن قوات حفظ السلام سيكون أفضل للجانبين‏.‏

في الوقت فإن الخطة الامريكية يجب ان تضع الحل العادل لتأمين امدادات الحياة للدولتين‏,‏ لأن هذا العامل لايقل في أهميته عن عامل وجود قوات حفظ السلام‏.‏ ومن الطبيعي أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ستكون محدودة في البداية إلي أن تتأكد الثقة بينهما‏,‏ وهنا تظهر اهمية دور مصر والسعودية والأردن في بناء اقتصاد الدولة الفلسطينية‏.‏


ويبدو أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق لديه اسباب تدعوه إلي الاعتقاد بأن شارون سوف يقبل مثل هذه الخريطة الخريطة لأنه يعلم إن موقفه الحالي لايحظي بالتأييد‏,‏ ولايمكنه حشد قواته بصفة دائمة لحماية‏300‏ مستوطن أو تحمل استمرار تساقط جنوده ومواطنيه مقابل اجراءاته العقابية التي لم تحقق اخضاع الفلسطينيين ولكنها أدت الي نتائج عكسية وزادت النار اشتعالا‏.‏

مثل هذه الافكار البريطانية تشير الي اقتراب بريطانيا أكثر من أمريكا في إدراك كيف يمكن الوصول الي الحل العادل‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف