إصلاح السلطة الفلسطينية
الحديث الآن عن إصلاح السلطة الفلسطينية من كل الأطراف: من الأمريكيين والإسرائيليين, ومن العرب والفلسطينيين الجميع متفقون علي أن مرحلة جديدة سوف تبدأ تحتاج إلي إصلاحاتسياسية جوهرية في بناء السلطة ومؤسساتها وموازين القوة فيها.
الرئيس بوش طالب السلطة الفلسطينية بإعادة بناء نفسها والقيام بإصلاحات ديمقراطية, وأعلن أنه يشعر بقلق عميق لأن معظم الفلسطينيين لا يعتقدون أن هناك أي أمل ولا مستقبل, وقال: علينا أن يضمن لهم مستقبلا أفضل, بوضع خطة اقتصادية, إلا أن ذلك لا يمكن تحقيقه ما لم تكن هناك سلطة فلسطينية مدعومة بحكومة حقيقية, وبقدرة حقيقية علي إدارة نفسها.
وقد بدأت تتضح شكل الإصلاحات المطلوبة تبدأ بوضع نظام مالي تضمن الرقابة والمحاسبة والشفافية. والولايات المتحدة والدول والمؤسسات المانحة تضع هذا المطلب اساسا لتقديم مساعداتها لإعادة بناء ما خربته الاعتداءات الإسرائيلية, وكما يقولون في الولايات المتحدة فإنهم يطلبون من السلطة الفلسطينية, ما هو مطلوب من كل الحكومات الوطنية, ومن حق من يعطي أموالا أن يعرف اين تذهب امواله, والرئيس بوش حدد بنفسه معالم التصور الأمريكي للإصلاح بأن تكون هناك سلطة تحترم حكم القانون, ومؤسسات لها فاعلية, ودستور, وآليات لمحاربة الفساد, ومقدرة علي توجيه الأموال في الوجهة الصحيحة, والموقف الأمريكي الآن يري أن هذه الإصلاحات مرتبطة بالتحرك نحو الحل السياسي للنزاع العربي الإسرائيلي وانشاء الدولة الفلسطينية وبناء المؤسسات الفلسطينية هو الخطوة الأولي لبناء المستقبل السياسي لهذه الدولة, وإصلاح الحكومات, وإقامة نظام قضائي وقانوني.
ومثل هذه الإصلاحات وأن جاءت من الولايات المتحدة والدول الأوروبية, فهي ذاتها من المطالب الفلسطينية التي تجمع عليها كل الفصائل, وهناك اتجاه سائد ــ بعد الاجتياح الإسرائيلي ــ أن إعادة بناء السلطة هو الخطوة الأولي العملية التي ستجعل قيام الدولة أمرا ممكنا, لأن الدولة لن تقوم من فراغ, ولكن لابد أن تقوم علي أسس دستورية وقانونية ومؤسسات سياسية واقتصادية, وتسلسل واضح لخطوط السلطة.
وهذه الخطوة هي أصعب الخطوات في النضال الفلسطيني, وهي الانتقال من الشرعية الثورية إلي الشرعية الدستورية, أو التحول من النضال المسلح إلي المفاوضات السياسية من دولة إلي دولة, وأن كان ذلك لا يعني إلقاء السلاح طالما الطرف الفلسطيني لم يتوقف عن استعمال السلاح, فالمقاومة للاحتلال والعدوان تظل مشروعة في كل الاحوال, وليس هناك دولة, أو شعب, يمكن أن يطلب منه أن يقف, وهو أعزل مكتوف اليدين امام اجتياح الدبابات وغارات الطائرات وعمليات الأغتيال والاعتقال وانتهاك الكرامة.
فالمسألة هي كيف يمكن البدء في الإعداد لإقامة الاسس اللازمة لقيام الدولة دون أن يكون في ذلك معني الاستسلام أو الرضا بالاحتلال, وطالما الفلسطينيون يريدون اقامة دولة, فلابد أن يكون لديهم الأعمدة التي ستقوم عليها هذه الدولة دون انتظار للحظة قيامها بالفعل, بحيث يكونون جاهزين عندما تأتي هذه اللحظة, فلا يضيعون سنوات اخري في التفكير في شكل النظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام القضائي والقانوني والدستوري لهذه الدولة, ومنذ أيام كتب يزيد صايغ الأستاذ بمركز الدراسات الدولية بالجامعة ورئيس برنامج البحث الخاص بالشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية, وهو أيضا مفاوض فلسطيني سابق, يقول أن الفلسطينيين يرون أن حماس الإدارة الأمريكية لإصلاح السلطة الفلسطينية أمر مشجع, ولكنه مقلق أيضا, لأنه من الصعب تصديق أن الاهتمام المفاجئ لشارون بإصلاح الحكم للشعب الفلسطيني ليس حجة جديدة لإزاحة الرئيس الفلسطيني بوسائل غير عسكرية, وأن موقفه من الإصلاح أو قبل المفاوضات ليس إلا مناورة لإحباط الجهود الأمريكية لبدء مباحثات سلام حقيقية, وتأجيل الانسحاب الإسرئيلي, واتاحة الفرصة للتوسع في بناء المستوطنات, كذل
ك فإن ما يتردد من أن السلطة الفلسطينية تتصف بالفساد, وعدم الكفاءة وانتهاك حقوق الإنسان هي أيضا حجة سخيفة للمماطلة, مع ما في هذه الاتهامات من مجافاة للحقيقة, وما يجري في السلطة الفلسطينية لا يختلف كثيرا عما يجري في انظمة أخري, والفساد في إسرائيل هو الذي أدي إلي منع وصول الأموال الخاصة بالفلسطينيين إليهم, والإصلاح السياسي عموما لا يتحقق دفعة واحدة, ولكنه يأتي بإجراءات تؤدي نتائجها إلي الإصلاح, واقامة نظام حكومة متكامل في ظل الظروف التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني الآن أمر شديد الصعوبة, ولابد من تغيير الظروف بما يسمح بإقامة نظام سياسي واجتماعي واقتصادي وحكومة حقيقية.