شجاعة الرفض
أعلن435 ضابطا وجنديا اسرائيلي رفض الاستمرار في القتال غير الاخلاقي ضد الفلسطينيين, ووقعوا علي وثيقة بعنوان شجاعة الرفضتقدموا بها الي قيادة الجيش الاسرائيلي, وقالوا فيها أن ضمائرهم لم تعد تحتمل مشاهد الدم والقتل وليس لهذه الحرب من هدف غير استمرار الاحتلال, واستمرار المستوطنات وتحقيق أهداف غير عادلة تشعلها أيديولوجية متطرفة.
وقد كتب زامي كابلان وهو واحد من هؤلاء الذين يمتلكون شجاعة الرفض مقالا في صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية من تل أبيب قال فيه ان احتلال اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة لا يمكن اعتباره عملا ديمقراطيا بأي حاتل فهذا الاحتلال يمارس الظلم علي ثلاثة ملايين ونصف مليون انسان ويحرمهم من حقوقهم الانسانيج الاساسية, بينما رفض الاشتراك في الاعتداءات العسكرية علي هؤلاء المظلومين هو العمل الديمقراطي بالتأكيد.
وقال زامي كابلان في مقاله: انني حين أرفض الاشتراك في هذه الحرب الظالمة فإنني أمارس حقي في الاعتراض, وأعمل من أجل الدفاع عن قيم العدالة والسلام, وأنا وزملائي أردنا أن نوجه رسالة الي حكومتي مضمونها أنها لا تستطيع استخدامنا أداة لتحقيق أي هدف تقرر وحدها الوصول اليه ولا يتفق مع المباديء والاخلاق, وبذلك فإنني أمارس حقي والتزامي كمواطن اخلاقي يؤمن بأن علي كل رجل وامرأة أن يقرر أين تقع حدود الضمير, وبالنسبة لي فإن ضميري لا يسمح لي بالاشتراك في هذا القتال في الأراضي المحتلة, واسرائيل ليس لديها سبب للبقاء في هذه الأرض المحتلة غير المحافظة علي المستوطنات داخل الأراضي التي يسكن فيها الفلسطينيون, والحكومة تبرر الغزو بان الفلسطينيين لا يريدون السلام وان هدفهم القاءنا في البحر, وحتي لو كان الأمر كذلك فسوف يكون الأفضل لنا حماية أنفسنا وتوفير الأمن لشعبنا داخل حدود1967 بدلا من حماية الأمن لإسرائيل بتدمير جنين ورام الله وبيت لحم.. وهذا هو سبب اعتقادي بأن الاحتلال ضد مصالح اسرائيل الأساسية, بل ان نتائجه تصل الي درجة تهديد وجودها وباعتباري مواطنا يعيش في ظل نظام ديمقراطي! فأنني أري ان من حقي, بل من واجبي, أن أعمل كل ما استطيع لانقاذ دولتي, وانا مستعد للموت من أجلها, ولكن لست مستعدا للدفاع عن هذا الانحدار الاحمق بالإفراط في العنف والأذي, ولذلك عندما سمعت بأن مجموعة من ضباط الاحتياط يسعون الي كتابة ونشر خطاب مفتوح يعلنون فيه رفضهم الصريح لارتداء الزي العسكري من أجل الدفاع عن الاحتلال, سارعت بالانضمام اليهم, وكان القرار بالنسبة لي ولهم صعبا للوهلة الأولي ولكنه كان بسيطا وعادلا.. كان هذا القرار صعبا لأني صهيوني وسبق ان خدمت في الجيش لمدة ست سنوات, وأقضي خمسين يوما كل سنة في قوات الاحتياط, وكنت دائما أري ان حب الدولة يقتضي الخدمة المخلصة في الجيش,وكان صعبا علي الانفصال عن الصفوف والنظر في عيون زملائي من الضباط والجنود واخبارهم بأنني لن اشارك في الحملة العسكرية من أجل المستوطنات, وهذه حرب نحن الذين اخترناها وليست فرضا فرضت علينا, هي حرب هجومية وعدوانية وليست حربا دفاعية, ولكن لأني ديمقراطي ووطني, لم يكن أمامي خيار غير المشاركة في الهدم والقتل, واستغرق الأمر مني وقتا طويلا لكي أدرك ان ما تعلمته في السنوات الطويلة التي قضيتها كضابط في جيش الدفاع الاسرائيلي, لم يكن كله صحيحا, وكانت
نقطة التحول حين كلفت وجنودي في هذه الأرض من أعمال العبث, وشعرت اننا نرتكب المظالم يوميا بوجودنا هنا. واليوم, فانني اقف بحزم وثقة لاقرر أنني لن أعمل إلا العمل الصحيح, ولدي أمل في أن مجموعة الضباط والجنود الذين يظهرون في الوقت الحالي شجاعة هائلة في الرفض ويتحملون لذلك الحياة في السجون العسكرية نتيجة لذلك, لأننا واثقون بان الاحتلال يدمر اسرائيل من الداخل, ويدمر الفلسطينيين, ويدمر المستقبل المشترك للدولتين.
هذا المقال له دلالة مهمة, ليس فقط لان هذا العدد الكبير من الضباط وجدوا في أنفسهم شجاعة الرفض ويقظة الضمير ورفضوا الاشتراك في الجرائم التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي والتي تتعارض مع الشرف العسكري وقوانين الحرب والضمير الانساني, ولكن لان هذا الضابط لا يكتفي بالتوقيع علي وثيقة الرفض, وتحمل العقوبة في السجون العسكرية, ولكنه أيضا يكتب مقالا ينشره في صحيفة أمريكية, ربما لانه لا يستطيع نشره في اسرائيل مع وجود رقابة عسكرية علي الصحف فيها, وربما لانه أراد أن يوصل صوته وصوت زملائه الي سادة اسرائيل واصحاب القرار فيها في الولايات المتحدة.
وربما يكون ذلك أيضا ما دفع زعيم المعارضة الاسرائيلية يوسي ساريد الي اختيار صحيفة هيرالد تريبيون أيضا لكتابة مقال بعنوان اسرائيل لن تحل مشكلاتها بقوة السلاح قال فيه: ربما يكون شارون مزهوا لشعوره بالنجاح في الحرب الاعلامية والتعلل بالكبرياء والنظرة الضيقة, فان استمرار العنف, وتزايد الشعور بالخوف وفقدان الأمن الشخصي, واستدعاء السفيرين الأردني والمصري من تل أبيب, وانخفاض الاستثمارات الأجنبية, والضرر الذي لحق بالاقتصاد والسياحة, كل هذه الاضرار لابد ان تدفع اسرائيل في النهاية الي العودة الي العملية السياسية, لان شارون لا يحقق الحلم الاسرائيلي بان بعبش شعبها حبياة طبيعية وفي سلام مع جيرانها, وتكون الملاذ الآمن ليهود العالم, فاسرائيل حتي الآن لم تصبح الملاذ الآمن لليهود رغم ما حققته في المجال العسكري والعلوم.
هذه هي النتيجة الطبيعية لجنون القوة الذي أن شعله شارون, ان يظهر رد فعل عكسي داخل اسرائيل فتنمو فيه شجاعة الرفض.. وهذا هو التيار الذي يعمل لمصلحة اسرائيل, بينما تؤدي سياسة شارون علي المدي الطويل الي الاضرار بها كما قال هؤلاء.