يبدو أن جنون القوة الذي يمارسه شارون قد ازداد في إسرائيل إلي حد أن هناك من يطالبه بممارسة المزيد من جنون القوة‏,‏ ويدعوه إلي عدم الالتفات إلي الادانات الدولية‏,‏ أو حتي إلي الاصوات العاقلة في الولايات المتحدة‏.‏

فقد كتب بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مقالا في لوس انجليس تايمز بعنوان القوة العسكرية وحدها هي التي تحقق النجاح اتهم فيه المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وأبطال المقاومة بالإرهابيين كالعادة‏,‏ وقال أن الرسالة التي يوجها لنا الارهابيون الفلسطينيون هي‏:‏ سنقتلكم في كل فرصة وفي أي مكان‏,‏ وتظهر عمق كراهيتهم التي لايقيدها شيء سوي حدود قدرتهم علي التدمير‏,‏ ولو كانت لديهم القدرة فانهم سوف يدمروننا جميعا حتي آخر طفل‏,‏ وقال ايضا أن الهدف الأول لياسر عرفات ليس بناء الدولة العربية رقم‏22‏ ولكن تدمير الدولة اليهودية الوحيدة‏,‏ وهذا هو لب الصراع‏,‏ ففي عام‏1948‏ رفض العرب حلا دوليا كان سيؤدي إلي اقامة دولة عربية‏,‏ ولكنهم بدلا من ذلك حاولوا تدمير الدولة اليهودية الناشئة‏,‏ وبعد‏52‏ عاما رفض عرفات عرضا مشابها وطالب بذوبان اسرائيل بعودة ملايين الفلسطينيين مما سيؤدي إلي تدمير إسرائيل كدولة يهودية‏.‏ فلا مجال للمفاوضات‏,‏ ولا أمل في الوصول إلي اتفاقية سلام دائمة مع مثل هذا النظام الذي يهدف إلي تدميرنا‏,‏ ويسعي لتحقيق هذا الهدف بوسائل أكثر همجية‏.‏

هذه المقدمة المليئة بالمغالطات وقلب الحقائق علي الطريقة الإسرائيلية بدأ نيتانياهو مقاله‏,‏ فليس هناك عاقل منصف لايعرف ان اسرائيل هي التي بدأت العدوان في كل مرة‏,‏ وهي التي كونت عصابات لقتل الفلسطينيين قبل انشاء الدولة وبعدها‏,‏ وهي التي ارتكبت مجازر همجية‏..‏ والسجل كبير معروف ومنشور ويعلمه نيتانياهو بالتأكيد ولكن جنون القوة هو الذي يجعله قادرا علي اتهام الفلسطينيين بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ومازالت ترتكبها حتي هذه اللحظة‏.‏

جنون القوة جعل نيتانياهو يصل إلي نتيجة تتجاهل الحقائق وتتحدي الاجماع الدولي‏,‏ فقال‏:‏ لايوجد الآن مجال للمفاوضات‏,‏ ولا أمل في الوصول إلي أي اتفاقية سلام دائمة مع مثل هذا النظام‏,‏ وقد فشلت محاولة الحل السياسي منذ عامين في كامب ديفيد عندما رفض عرفات عرضا اسرائيليا بعيد المدي لاقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة في يهودا وسامرا وقطاع غزة وتشمل نصف القدس‏,‏ وأختار بدلا من ذلك اطلاق العنان لحرب الارهاب الحالية ضد الارهاب‏.‏

طبعا لن يجدي مع هذه الحالة العقلية أي محاولة لترتيب الوقائع والحقائق‏..‏ لأن العرض الإسرائيلي في كامب ديفيد أولا لم يكن قائما علي اقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة ولكن في جزء منها فقط‏,‏ وثانيا كان يشترط ابقاء المستوطنات في قلب هذه الدولة بحيث يجعل منها دولة مهلهلة‏,‏ وثالثا كان العرض يتضمن حق اسرائيل في السيادة علي القدس والحرم القدسي وعند هذه النقطة كان لابد ان يتوقف عرفات لأنه لايملك هو أو غيره التنازل عن المقدسات الاسلامية وعن القدس الشرقية كأرص فلسطينية محتلة وهو يصور الضحية علي أنه هو الباديء بالعدوان‏..‏ فالانتفاضة التي يسميها الاسرائيليون ارهابا لم تقم الا تعبيرا عن الرفض والغضب لما بدأه شارون بالاعتداء علي حرمة الاماكن الاسلامية المقدسة وماتلا ذلك من عمليات القتل وإعلان الحرب علي المدن والقري‏,‏ وعمليات الاغتيال بالطائرات والصواريخ الإسرائيلية وبالقناصة ثم بالدبابات والحصار حتي وصل الأمر إلي فرض الحصار علي الرئيس عرفات وارتكاب مجازر القتل الجماعي للفلسطينيين في رام الله ومخيم جنين وبقية المناطق‏..‏

ولقد اعتدنا علي هذا التبجج من القادة الإسرائيليين‏,‏ ومن الجناح الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة‏,‏ ولكن لا أحد يتصور ان جنون القوة يمكن أن يصل إلي حد المطالبة بتصعيد الحرب علي الفلسطينيين لتصبح حرب إبادة أو حرب تطهير عرقي ويقال ذلك علنا وفي صحيفة أمريكية ليقرأه الامريكيون ولا يقول له أحد هناك ان هذا جنون لايتفق حتي مع اخلاقيات العصابات‏,‏ فضلا عن انه لايتفق مع القوانين الدولية‏,‏ أو قرارات الشرعية الدولية‏,‏ أو حتي مع ادعاءات اسرائيل بأنها تريد السلام‏,‏ نيتانياهو يكرر‏:‏ الآن الخيار الوحيد أمام إسرائيل هو تحقيق النصر العسكري الساحق ضد العدو‏!‏ وتفكيك السلطة الفلسطينية ونفي عرفات أولا‏,‏ ومحاصرة المناطق التي يسكنها الفلسطينيون وإبادة البنية التحتية للارهاب ثانيا‏,‏ واقامة حدود أمنية تمنع الفلسطينيين من الدخول‏,‏ وتسمح للقوات الإسرائيلية بالدخول‏,‏ وليس أمامنا الاختيار بين النصر العسكري والفصل الأمني بل يتحتم تحقيق الاثنين معا‏,‏ ونساعد علي ظهور قيادة فلسطينية معتدلة وواقعية لنواصل التسوية السياسية معها‏.‏

ثم يصل جنون القوة إلي مداه عندما يقول نيتانياهو يجب الانهتم بالمجتمع الدولي‏,‏ فأصدقاؤنا يؤمنون بعدالة قضيتنا‏,‏ والطريقة الوحيدة لكي يفهم العالم موقفنا خاصة أمريكا هي تحقيق النصر العسكري الحاسم ونحن لم نستخدم حتي جزءا من قوتنا العسكرية‏,‏ وعلينا هزيمة أي عدو عقد العزم علي ابادتنا‏.‏

من قال ان الفلسطينيين يريدون ابادة اسرائيل‏..‏ وهل يقدر الفلسطينيون علي ذلك‏.‏

واضح ان العقل والمنطق لم يعد لهما مكان في المزايدات علي تصعيد العنف في اسرائيل دون اعتراف بأن الشباب الفلسطيني الذي يفجر نفسه لايفعل ذلك الا بدافع اليأس والحياة المهنية‏,‏ فلماذا لايظهر صوت في اسرائيل يدعو إلي اعادة الأمل لدي الفلسطينيين في احترام الحق والعدل بدلا من التمادي في جنون القوة‏..‏ واذا كانت حالة جنون القوة في إسرائيل أصبحت حالة ميئوسا منها فأين العقل والعدل في الدولة العظمي التي تقود العالم وتساند إسرائيل‏..‏؟