الحالة العربية .. و المستقبل
في كل قمة عربية تشغل القادة العرب الأزمة بين العراق والكويت, التي استمرت منذ عام1990 حتي الآن, وأصبحت أزمة مزمنة يسمونها الحالة العراقية ـ الكويتية, والحقيقة أن الحالة العربية في مجملها هي الأحق بالبحث وإذا أمكن علاج هذه الحالة فإن علاج كل حالة أخري سوف يتحقق تلقائيا, لأن حالة الخلافات العربية مازالت أكبر من أن يعالجها الإنكار, أو أن يغطيها الإعلام.
والمستفيد الأول دائما هي إسرائيل.. فقد كانت هي الوحيدة التي نالت أكبر جائزة في حرب الخليج, فقد تراجعت قضية الأرض العربية, وحصلت علي عشرة مليارات دولار, وعلي كميات هائلة من صواريخ باتريوت, ونالت الفرصة التي كانت تنتظرها للتوسع في بناء المستعمرات وتهويد القدس, بينما تحملت الدول العربية تكاليف هذه الحرب, وفي ذلك مكسب آخر لإسرائيل, لأن خسائر العراق والكويت والدول العربية تصب في النهاية في مصلحة إسرائيل.
ولقد تكرر الحديث منذ حرب الخليج حتي اليوم عن إقامة نظام عربي جديد يوحد القدرات العربية, ويضمن توحيد العمل العربي الجماعي لمواجهة التهديدات المحيطة بالدول العربية جميعا دون استثناء, وظهرت بادرة أمل في اتفاق دمشق, لكنه لم يزد عن أن يكون سرابا سرعان ما تبدد, وبقيت حالة التفكك, واستجد التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل, وبين تركيا وإسرائيل, وأصبحت الولايات المتحدة تعلن ماكانت تخفيه من التزامها بضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري وحماية قدراتها النووية والضغط علي الفلسطينيين.
ومهما يكن مايفعله الآخرون يبقي السؤال: ماذا يمكن أن يفعل العرب, وماذا فعلوا, وهل استخدموا كل ما لديهم من أوراق أو بددوا ما في أيديهم مهما يكن حجمه؟.. ومهما يقال من أن الولايات المتحدة تقوم الآن بتغيير جذري في الخريطة الاستراتيجية في الشرق الأوسط, وأنها لا ترحب بقيام نظام إقليمي عربي وتريد إقامة نظام إقليمي آخر يكون لإسرائيل فيه دور رئيسي, ومهما يقال أيضا من أن النظام العربي كان موجودا بالاسم فقط, وان اتفاقية الدفاع المشترك ليست إلا اتفاقية ولا شيء غير ذلك, ومهما يقال من أن العقوبات المفروضة علي دول عربية يعوق قيام نظام عربي له فاعلية, مهما يقال في هذا الشأن لتفسير أو لتبرير ما وصلت إليه الحالة العربية فإن الأهم منها في إيجاد هذه الحالة هي الخلافات التي لم تحسم حتي الآن بين بعض الدول العربية, ويبدو أنها لن تحسم, برغم أن حسمها ممكن وليس مستحيلا..
ولا أحد في العالم العربي يجهل ما تعلنه إسرائيل من نياتها في أرض إسرائيل التاريخية وزيادة هجرة يهود العالم إليها, وتزايد قدراتها العسكرية والتكنولوجية, وما هو معلوم من استفادة إسرائيل وحدها بحالة الخلافات العربية وبما يترتب علي ذلك من استنزاف القدرات العربية, ومع ذلك فإن العرب يملكون الكثير ولكنهم لا يحسنون الاستفادة بما في أيديهم, والعلاقات العربية ـ الأمريكية يمكن أن تكون متوازنة وتضع المصالح العربية في الاعتبار إذا استطاع العرب أن يوحدوا كلمتهم, لأن الولايات المتحدة تعلم جيدا أن الضمان الوحيد لمصالحها في المنطقة هو الدور العربي أمنيا واقتصاديا وسياسيا, واستمرار الانحياز الأمريكي لإسرائيل يمكن أن يؤدي إلي عدم الاستقرار في المنطقة ويوجد البيئة المناسبة والمبررة للإرهاب, ولكن الحالة العربية هي العنصر الرئيسي المؤثر في اتجاه السياسات الأمريكية ولايمكن تجاهلها.
هذه الحقائق تؤدي إلي نتيجة ملخصها أن اجتماعات القمة العربية ـ مهما تكن نتائجها ـ هي خطوات علي طريق يمكن أن يؤدي إلي تصفية الخلافات إن لم يكن اليوم فغدا, يمكن أن يحقق حالة جديدة من التقارب أو التوحد أو التضامن العربي, وفي هذه الحالة سوف يكون في مقدور الدول العربية مجتمعة العمل علي رفع العقوبات عن بعض الشعوب العربية, وقد تستطيع الدول العربية تحقيق بعض الأحلام التي تبدو الآن مستحيلة, مثل إنشاء محكمة العدل العربية, أو إنشاء آلية لتسوية المنازعات العربية, وإعادة الروح إلي مجلس الوحدة العربية, ومنظمة العمل العربية, والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار, وعشرات الهيئات والمنظمات الأخري التي أصبحت كسيحة وبعضها لم يعد فيه غير لافتة وبعض الموظفين.
وهناك دواع للتفاؤل.. لأن ما يجري في الأراضي الفلسطينية وحد المشاعر العربية, وهيأ الفرصة لإيجاد التضامن لإنقاذ الشعب الفلسطيني واسماع العالم كلمة عربية موحدة لمناصرة الشعب الفلسطيني ومساندته والاصرار علي استعادة الأرض العربية المحتلة كشرط لإقامة سلام مع إسرائيل, ولا سلام ولا تطبيع مع وجود شبر من الأرض العربية تحت الاحتلال.
يضاف إلي ذلك تحديات تهدد العرب جميعا وتفرض عليهم التوحد أمام الخطر.. فأمامهم الخطر الاقتصادي القادم مع تحرير التجارة العالمية وعدم قدرة كل دولة عربية علي مواجهة المنافسة العالمية وحدها, ولكنها تستطيع الصمود إذا كانت ضمن كتلة اقتصادية عربية موحدة, وهذا هو السبيل الوحيد لإقامة مشروعات صناعية وزراعية وتكنولوجية كبري, وهذه الأحلام وإن كانت تبدو الآن بعيدة المنال.. إلا أنها سوف تتحقق يوما ما لأنها السبيل الوحيد أمام العرب للخروج مما هم فيه..