ثقافة الطفل

في الندوة التي ادارتها السيدة سوزان مبارك حول تطوير كتب ومجلات الأطفال‏,‏ طرحت مجموعة أفكار يمكن ان تكون اساسا لبرنامج عمل جديد للنهضة الثقافية وتحسين وسائل بناء عقول الاجيال الجديدة‏.‏


في هذه الندوة التي أعقبت افتتاح المعرض الدولي لكتاب الطفل طالبت السيدة سوزان مبارك بتحديث الموضوعات وأسلوب الكتابة لتوجيه الطفل المصري نحو الاهتمام بالعلوم الحديثة‏,‏ والمفاهيم الايجابية مثل الحفاظ علي البيئة‏,‏ والسلوك الاجتماعي السليم‏,‏ واحترام الآخر‏,‏ وحرية التعبير‏,‏ من خلال أسلوب قصصي بسيط يجذب الطفل دون توجيه مباشر‏,‏ لكي تصل هذه المفاهيم إلي وجدانه وتصبح جزءا من شخصيته وتكوينه العقلي‏,‏ ولأن المشكلة الكبري أمام هذا الهدف هي قلة الكتاب المتخصصين في الكتابة للطفل طالبت كليات التربية وكليات رياض الأطفال باعداد كوادر مؤهلة للكتابة للطفل علي أساس علمي تربوي‏,‏ وقد يكون ذلك مثلا بادخال مادة الاعلام التربوي ضمن مناهج الدراسة‏,‏ أو بانشاء دبلوم للدراسات العليا للتخصص في اعداد المواد الثقافية للطفل في كتاب أو مجلة أو برامج اذاعية وتليفزيونية أو من خلال النشاط المدرسي‏,‏ وهذا المشروع اذا لقي استجابة‏,‏ وتم تنفيذه بجدية‏,‏ يمكن أن يكون بداية حقيقية للارتقاء بوسائل تثقيف الاطفال تثقيفا منهجيا بدلا من الاجتهادات القائمة الآن التي يتوافر فيها حسن النيات‏,‏ ولكن القائمين عليها ليسوا مؤهلين لها التأهيل الكافي‏,‏ وبعض هذه الاجتهادات تنطلق بعشوائية دون تخطيط متكامل ودون مراعاة لقدرات وطبيعة الطفل في كل مرحلة من مراحل العمر‏.‏


والمعادلة الصعبة بالنسبة لكتاب الطفل أننا نريده علي أعلي مستوي في التأليف والاخراج والتغليف والتلوين ونوعية الورق ويباع بأرخص سعر ممكن‏,‏ وهذا مستحيل‏,‏ لأنه اذا تحملت بعض المؤسسات الخسائر نتيجة للمطلبين المتعارضين‏,‏ فلن تتحملها مؤسسات أخري‏,‏ وليس من العدل مطالبة المؤسسات بالخسارة‏,‏ والبديل هو تخصيص دعم لكتاب الاطفال وجوائز مالية للكتب الجيدة‏,‏ والذي يحدث الآن أن هيئة واحدة هي التي تحصل علي كل الدعم المخصص لخفض أسعار الكتاب وتحرم بقية المؤسسات من هذا الدعم وفي نفس الوقت هي مطالبة بخفض اسعار الكتاب لتتساوي علي من يستأثر بالدعم‏,‏ ويقتضي العدل أن يكون الدعم لكل العاملين في هذا المجال وليس لهيئة واحدة‏,‏ مع إلزام الجميع بتوفير الكتاب الجيد بسعر رخيص في اطار خطة شاملة‏.‏

وقد طرحت السيدة سوزان مبارك ايضا قضية أخري هي مسئولية وسائل الاعلام‏,‏ واعتقد أن التليفزيون هو المسئول الأول في هذا العصر‏..‏ عصر انجذاب الملايين من الكبار والصغار إلي الجلوس ساعات طويلة أمام هذا الصندوق العجيب الذي أصبح يربط الانسان وهو جالس في بيته بجميع انحاء العالم‏,‏ ويتعرض لتيارات وافكار ومفاهيم قد تكون مفيدة وقد تكون ضارة‏,‏ وقد تساعد علي بناء شخصيته وتفتح ذهنه علي مافي هذا العصر من قيم حضارية جديدة‏,‏ وقد تغلق عقله وتجعل منه عدوا للتجديد وللمستقبل‏,‏ وأسيرا للماضي الذي لن يعود كما هو ابدا‏.‏

التليفزيون في هذا العصر بالنسبة للكبار هو الصديق‏,‏ ورفيق السمر‏,‏ وناقل المعلومات وصانع العقول‏,‏ وهو بالنسبة للصغار أكثر من ذلك بكثير‏..‏ هو الأب‏..‏ والأم‏..‏ والمعلم‏,,‏ وكل‏,‏ مايسمعه ويشاهده الطفل منه يصدقه ويتسلل إلي عقله ويصبح جزءا من تكوينه النفسي وشخصيته بسلبياتها وايجابياتها‏,‏ ولذلك فان كل حديث عن ثقافة الطفل يبدأ وينتهي عند التليفزيون‏,‏ وكل المطالب والآمال تعلقها علي التليفزيون‏,‏ وكل السلبيات والانحرافات نعتبر ان للتليفزيون نصيبا كبيرا من المسئولية عنها‏..‏ اعلانات التليفزيون هي التي تشكل السلوك الشرائي للطفل‏..‏ وهي التي تجعله يحب أنواعا من الحلوي قد تكون ضارة صحيا‏,‏ لأن هذه الاعلانات تذاع دون رقابة أو حساب وفي الدول الأخري لايمكن اذاعة اعلانات عن أطعمة إلا بعد تقديم شهادات صحية تؤكد صحة ودقة كل كلمة تقال في الاعلان‏..‏ فلا يقال ان هذا السمن خال من الكوليسترول بينما هو مملوء بالكوليسترول وضار جدا بالقلب والمخ والشرايين‏..‏ ولايقال عن نوع من البطاطس أو الحلوي أنها مغذية للاطفال بينما هي خالية من القيم الغذائية وقد تكون فيها اضافات كيمائية تؤثر علي صحة الطفل علي المدي الطويل وموضوع تأثير الاعلانات في التليفزيون علي الاطفال موضوع في غاية الخطورة ويستحق وقفة‏.‏

الأخطر من هذا ان يقدم التليفزيون برامج وأفلاما أجنبية عن السحر والساحر أو عن الخرافات البعيدة عن العقل‏,‏ وهي تقدم في مجتمعات مملوءة بالمؤثرات الرشيدة التي تعادلها وتغرس الايمان بالعلم وتحارب الشعوذة والخراقة‏,‏ ولكنها تقدم عندنا في مناخ ثقافي عام قابل لتصديق الخرافات ومعاداة العلم ويضاف إلي ذلك ان المشروع التربوي العظيم اقرأ لطفلك لايصل إلي الاطفال الذين لايستطيع آباؤهم القراءة‏,‏ او لايستطعيون شراء الكتاب أو الحصول عليه‏,‏ وهذا يلقي علي التليفزيون أن يقوم بهذه المهمة فيقرأ للطفل من الكتب التي يختارها بعناية‏,‏ وتقرأها مذيعات لهن القبول والمصداقية والقدرة علي جذب الطفل للالتفاف حولها والاستماع إليها وتخصيص برنامج في كل قناة لذلك ليس شيئا صعبا ولن يكلف التليفزيون كثيرا‏.‏

لقد طالبت السيدة سوزان مبارك بالارتقاء ببرامج الطفل في الاعلام لتصل إلي المستوي العالمي وهذا ليس عسيرا بالنسبة للاعلام المصري والقائمين عليه ولذلك نأمل أن يتحقق قريبا

وتبقي قضايا أخري كثيرة حول بناء عقول أبنائنا صناع المستقبل‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف