فاروق كان ملكا وليس ملاكاً ( 11 )
تزوج فاروق الملكة فريدةيوم 20 يناير 1938 وكان اسمها صافيناز بنت يوسف ذو الفقار وكيل محكمة الاستئناف المختلط، وكان عمره وقتها 18 سنة، وكان يحبها وأنجب منها ثلاث بنات هن فريال وفوزية وفادية، ولكن حاشية السوء فتحت أمامه الأبواب للانطلاق من قيود الزوجية فصار يعود إلى القصر فى الفجر والملكة فى انتظاره دون أن يبالى بالذهاب إلى غرفتها، وتمادى فى نزواته علنا دون مراعاة لوجود زوجته فى القصر وعيون الخدم وموظفى القصر لا تغفل عنه لحظة.
وفى ليلة خرجت فريدة من غرفتها فرأت امرأة تعرفها تخرج من غرفة الملك، وفى يوم كانت فريدة تلعب التنس فى ملعب حديقة القصر، فدخل فاروق غرفة مكتبه ومعه مطلقة أحد الأمراء وشاهدته الملكة فريدة فى وضع مخل فكانت هذه هى القشة التى قصمت ظهر البعير.
قبل ذلك كانت المشاجرات بينهما تصل إلى حد الشتائم على مسمع من الخدم بسبب استهتاره حينا، وبسبب إنجاب فريدة للبنات وهو يتحرق شوقا إلى طفل ذكر ليكون ولى العهد ويبعد شبح الأمير محمد على ولى العهد الذى كان يطمع فى العرش حتى فى وجود فاروق على الرغم من عدم إجادته للغة العربية وجهله فى الأمور السياسية.. وكانت الحاشية قد بدأت تشير أمام فاروق بعبارات مبهمة أن فريدة لا تبالى برضا أو غضب الملك، ثم أخذوا يلمحون إلى اتهامها بعلاقة مع ضابط إنجليزى.. وكانت فريدة عنيدة ولا تهتم بأن تدافع عن نفسها، وظل فاروق يتمادى فى علاقاته النسائية ليغيظها، ولم تأت سنة 1944 حتى كانت القطيعة قد تمت بين فاروق وفريدة فلا لقاء بينهما، ولا سلام ولا كلام، كما يقول كريم ثابت الذى كان شبه مقيم فى القصر ليل نهار، وفاتح رائده ورئيس الديوان الملكى وزوج أمه (أحمد حسنين) برغبته فى الطلاق، ولم تكن فريدة أقل منه رغبة فى الطلاق.. وحاول حسنين أن يقنع فريدة بالتساهل ولكن مساعيه باءت بالفشل، فلم يلتق الملك والملكة بعد ذلك إلا فى الحفلات التى كانت تقام بمناسبة أعياد ميلاد بناتهما فكانا يتبادلان التحية ثم يقف كل منهما فى جانب بعيدا عن الآخر.
ويقول عبد الرحمن الرافعى إن طلاق فريدة التى كان الشعب يحبها من الأسباب التى أساءت إلى مكانة الملك وجعلت الألسنة تلوك أنباء استهتاره.
فى هذه الفترة واجه فاروق حملة شديدة من الرى العام، وأخذ كل بيت فى مصر يردد أن الملك يسهر ويلهو والملكة محبوسة فى القصر.
وفى يوم فى شهر نوفمبر 1948 استدعى فاروق شيخ الأزهر (الشيخ مصطفى المراغى والد مرتضى المراغى الذى يروى هذه الواقعة عن والده) وطلب منه أن يصدر فتوى تحرّم على فريدة الزواج ثانية بعد طلاقها، فقال له الشيخ: كيف أصدر فتوى تخالف الشرع.. اعتبرنى مستقيلا حتى تجد شيخا آخر يصدر هذه الفتوى، وحاول فاروق أن يجد أحدا من رجال الدين يصدر تلك الفتوى فلم يجد مع أنه وجد فى مناسبة أخرى أحد كبار الشيوخ يصدر فتوى بأن فاروق (التركى الأصل) من نسل النبى صلى الله عليه وسلم، وفتوى أخرى بأنه (خليفة المسلمين).
ومن الغريب - وكما يروى مرتضى المراغى فى مذكراته - أن الشيخ المراغى قضى فترة مرضه الأخير فى مستشفى المواساة فى الإسكندرية كان يكتب خلالها الفصول الأخيرة من مذكراته حتى انتهى منها، وكان أبناؤه يعلمون بأمر هذه المذكرات- ومنهم طبعا مرتضى المراغى- كما كان مدير المستشفى يعلم بها أيضا وكان يعتبر من حاشية الملك، ومات الشيخ المراغى فجأة واكتشف أبناؤه اختفاء هذه المذكرات، ثم علم مرتضى المراغى بوسائله فى وزارة الداخلية أن فاروق كان أول من علم بنبأ وفاة الشيخ وأنه أسرع إلى المستشفى ودخل غرفة الشيخ للصلاة عليه، وأغلق الباب عليه وليس معه غير أحد مرافقيه، ثم خرجا وبعدها اكتشفوا اختفاء مذكرات شيخ الأزهر الذى كان يضيق بتصرفات فاروق وباستهتاره ويختلف معه فى كثير من المواقف.
لم يدم زواج فاروق بفريدة أكثر من عشر سنوات، وفى يوم الطلاق 17 نوفمبر 1948 أذاع ديوان الملك بيانا قال فيه: (شاءت إرادة الله أحكم الحاكمين أن تنفصم عرى رابطة مقدسة بين زوجين كريمين، فوجه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فاروق الأول وحضرة صاحبة الجلالة الملكة فريدة مع ما يشعر به من أسف إلى الرغبة فى الانفصال بالطلاق، وتحقيقا لهذه الرغبة فقد أصدر جلالة الملك الإشهار الشرعى بذلك فى يوم الأربعاء 16 من المحرم 1368 الموافق 17 نوفمبر 1948، والديوان إذ يعلن هذا ليرجو من الله جل وعلا أن يهيئ من فضله وكرمه لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ما تقر به عين البلاد وتسعد.
وكان هذا الطلاق بداية النهاية، وبعده سار فاروق إلى نهايته بخطوات سريعة، ولم يدرك خطورة الغضب الشعبى الذى يتراكم طبقة فوق طبقة، وكان طلاقه للملكة المحبوبة من الشعب من أهم عوامل الغضب الذى أضيفت إليه عوامل أخرى كثيرة.
???
وكانت قصة زواجه من ناريمان هى الأخرى من عوامل الغضب الشعبى، لأن الشعب لم يغفر لملكه أنه (خطف) البنت الصغيرة الجميلة من خطيبها.
تزوج فاروق للمرة الثانية فى 6 مايو 1951 من ناريمان بنت حسين فهمى صادق سكرتير عام وزارة المواصلات.. ويقول عبدالرحمن الرافعى إن زواجه بها أشبه بحادثة من حوادث خطف النساء التى تروى عن الملوك والأمراء فى العصور الوسطى، فقد اختارها على الرغم من أنها كانت مخطوبة فعلا للدكتور محمد زكى هاشم وكان وقتها مندوبا بمجلس الدولة، وكان الدكتور محمد زكى هاشم قد اتفق مع ناريمان وأسرتها على الزفاف وتم إرسال بطاقات الدعوة لحفل الزواج، لكن فاروق- بناء على اقتراح أحمد نجيب الجواهرجى- ذهب إلى محل الجواهرجى الذى دعاه لاختيار (الشبكة) وأعجبته، فأمرها وأمر والديها بفسخ الخطبة وقطع صلاتها بخطيبها، وأعلن أنه سيخبطها، ولم يصدق الناس ذلك لما ينطوى عليه اِلأمر من دلائل الخطف والغصب وأعلن القصر نبأ الخطبة الملكية يوم 11 فبراير 1951 وتم الزواج يوم 6 مايو 1951، وفى يوم الزفاف صدرت صحيفة اللواء الجديد وفيها مقال عنوانه (الملكة فى طريقها إلى المقصلة) وكان المقال عن ملكة فرنسا مارى انطوانيت، ولكن كل من قرأ المقال فهم المقصود بالعنوان وتوقيت النشر.
وتصور بعض الناس أن هذا الزواج سيكون بداية حياة جديدة يتخلص فيها من مفاسده، ولكن حياته بعد الزواج ظلت كما كانت قبله باستهتاره وظهوره فى الأماكن العامة مع نساء لا يليق بملك أن يجلس معهن.
وفى يوليو 1951 قام برحلة (شهر العسل) مع ناريمان على ظهر اليخت الملكى (فخر البحار) متوجها إلى كابرى. وهناك نسى فاروق عروسه وشهر العسل ليقضى ليله ونهاره فى صحبة نساء من كل نوع وعلى موائد القمار، ونشرت صحيفة (امباير نيوز) البريطانية فى أول يوليو موضوعا قالت فيه: (لم يحدث فى تاريخ العالم أن تعرض ملك لمثل ما تعرض له فاروق من حملات النقد والتجريح، فهو متهم بأنه طاغية يحيط نفسه بجو فاسد مفضوح، ومتهم بأنه خطف زوجته الجديدة- ناريمان صادق- من بين ذراعى خطيبها، ومتهم أنه طلق زوجته الأولى- فريدة- لأِنها لم تلد له ولدا، ومتهم بأنه مقامر سفيه لا يكاد يمضى يوم دون أن يتلقى سيلا من الرسائل المفزعة المهينة- وأكثرها من انجلترا.
وكتبت صحيفة (صنداى اكسبريس) يوم 29 يوليو 1951 (لم يسبق أن شهد العصر الحديث مثل هذا البذخ والإسراف خلال الشهرين اللذين انقضيا على شهر العسل الذى يمضيه الملك فاروق مع عروسه).
ففى كل يوم تخرج آلاف الجنيهات وقد دفع 700 ألف جنيه لشراء قطار خاص و500 ألف جنيه دفعها لبناء يخت جديد.. وقد بدأ السيل المتدفق للأموال من يوم 7 يونيو يوم وصول اليخت الملكى إلى جزيرة صقلية التى أقام فيها ستة أيام إلى واصل الرحلة إلى كابرى، وكتبت صحيفة (الديلى أمريكان) الأمريكية: (استأجر فاروق فندق قصر أغسطس بأكمله ويتكون من 150 غرفة). وقالت مجلة (باراد): (يقضى فاروق فى أوروبا أعظم شهر عسل عرفه القرن العشرين، وفى كل ليلة بينما زوجته الصغيرة تنام نوما هادئا فى فندق كارلتون يكون هو غارقا لأذنيه فى لعب (البكاراة) و(الروليت) وفى دفع آلاف الدولارات إلى المائدة، وقد علق على خسارته بقوله: (الناس يقولون إننى أخسر أموالا كثيرة فى اللعب، ولكنى أملك أكثر مما يتصورون) وأضافت المجلة: (لقد أصبح مألوفا فى أوروبا كلها منظر هذا الملك الذى لا يعنيه إلا أن يقضى أوقاتا بهيجة يدفع ثمنها ملايين التعساء من أبناء مصر) وصحف أخرى ترددت فيها أوصاف ملك مصر بأنه بلغ من السفه والتحدى لمشاعر الشعب حدا لم يصل إليه شارل الأول ملك انجلترا الذى شنقه شعبه، ولا لويس السادس عشر ملك فرنسا الذى قطعت الثورة الفرنسية رأسه بالمقصلة، ومعه عنق زوجته مارى انطوانيت.
وفضائح هذه الرحلة تستحق ألا ينساها المصريون!