بدلا من إعطاء الفقير سمكة!
 

كان الجديد فى مؤتمر الحزب الوطنى الإعلان عن سياسة جديدة لتحقيق درجة معقولة من العدالة الاجتماعية وحماية الفقراء الذين ازدادت أعدادهم فى ظل اقتصاد السوق الذى أدى إلى تركز الثروة فى يد الأقلية وإلى حرمان الأغلبية من نصيبهم العادل من الثروة. كان اهتمام الحزب الوطنى بالفقراء بداية للسير على الطريق الصحيح لحماية المجتمع واستقراره، ولضمان الولاء والانتماء بعد الشكوى من غيابهما.
ولسنا الدولة الوحيدة التى تعانى من وجود الفقر والفقراء، فكل دول العالم تقريبا فيها فقر وفقراء ومعيار الفقر نسبى يختلف من مجتمع إلى مجتمع، ولكنه كله فقر بمعنى أن الفقراء هم الذين لا يقدرون على تدبير احتياجاتهم الأساسية من الطعام والمسكن والدواء.
ولا ينكر أحد أن لدينا برامج لمواجهة الفقر، ولكنها لا تغطى كل الفقراء، ولا توفر الاحتياجات الأساسية التى لا يستطيع الإنسان إن يعيش بدونها. لدينا برنامج لدعم الخبز والمنتجات البترولية لها النصيب الأكبر من موازنة الدعم الحكومى، ووزارة التضامن الاجتماعى تقدم إعانات نقدية لنسبة لا يستهان بها من الأرامل والمطلقات وأسر المجندين وضحايا الكوارث وذوى الاحتياجات الخاصة. والصندوق الاجتماعى مهمته معالجة آثار برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى أدى إلى تزايد البطالة بين الشباب والعمال الذين خرجوا من العمل بنظام المعاش المبكر.. الصندوق الاجتماعى مهمته خلق فرص عمل للخريجين والشباب المتعطل ومحدودى الدخل بمساعدتهم على إنشاء مشروعات صغيرة ويساهم فى تمويل مشروعات تحسين الخدمات الصحية والتعليمية. ووزارة التضامن تنفذ مشروع الأسر المنتجة ومراكز التكوين المهنى.. والجمعيات الأهلية تقدم مساعدات للفقراء.
كل هذا يتردد ذكره فى كل مناسبة وبدون مناسبة على لسان الوزراء والمسئولين، فهل ليس فى الإمكان أفضل مما كان، واستطعنا إنقاذ الفقراء من ذل الحاجة؟
آخر بحث فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية أعده الدكتوران أحمد كمال هيبة ومصطفى السيد سمير يذكرنا بالمثل الصينى المشهور الذى يقول: بدلا من إعطاء الفقير سمكة ليأكل أعطه سنارة ليصطاد السمك ويحصل على طعامه كل يوم ويستغنى عن السؤال يقول البحث إن برامج مكافحة الفقر عندنا نوعان: نوع يعطى الفقير سنارة وهذا النوع محدود، والآخر يعطى الفقير سمكة يأكلها اليوم ويمد يده للسؤال غدا. وبعبارة أخرى برامج مكافحة الفقر يغلب عليها طابع الإحسان. وهناك مشكلتان أمام الحكومة نتحدث عنهما كثيرا ولم تستطع الوصول إلى حل لهما مع أن الحل ليس مستحيلا. المشكلة الأولى أن الحكومة ليس لديها بيانات حديثة ودقيقة عن الفقراء وفئاتهم وأماكن تركزهم وخصائصهم المشكلة الثانية أن الحكومة لو أرادت مساعدتهم فهى لا تعرف كيفية الوصول إليهم، ونتيجة لذلك يحرم قطاع كبير جدا من الفقراء من المساعدات الحكومية وغير الحكومية، خصوصا وأن الفقراء أميون ولا يتابعون ما يجرى خارج الدائرة المحدودة التى يتحركون فيها، ونتيجة لذلك أصبح غير المستحقين يحصلون على النصيب الأكبر من هذه المساعدات لأنهم يعرفون كيف يحصلون عليها.
وفى تقرير التنمية البشرية فى مصر الذى أصدره معهد التخطيط القومى عام 2005 أن 80% من الأسر التى تنتمى إلى أفقر الناس لا تحصل على أى مساعدة من مساعدات الضمان الاجتماعى. ويقول الخبراء- ومعهم حق- إن مساعدة الفقراء تتوقف على الحكومة والجمعيات وهيئات المساعدة من ناحية، وتعتمد على الفقراء أنفسهم من ناحية أخرى، أى أن الفقير لا بد أن يتقدم لطلب المساعدة، ولا بد أن تكون لديه الرغبة والقدرة على العمل مهما يكن صغيرا لتوفير الحد الأدنى من احتياجات معيشته.
مشكلة أخرى يشير إليها مركز البحوث الاجتماعية وهى ضعف ثقافة العمل التطوعى وضعف ثقافة العمل الحر. ففى الدول التى نجحت فى مواجهة الفقر تسود فيها ثقافة العمل التطوعى والتمويل الخاص، وفى مصر لا يشارك القادرون بالقدر الكافى فى نشاط مساعدة الفقراء. هناك بالطبع من يتطوع ويشارك فى هذا النشاط، وهناك من يساهم بالتبرع ببعض المال، ولكن هذه المشاركة محدودة، أو قل هى أقل من المطلوب بالنسبة لحجم الفقر والفقراء. والدليل على ذلك أن معهد التخطيط القومى أجرى بحثا عن مدى الاستعداد للمشاركة فى تمويل أو إدارة الهيئات التى تقدم خدمات عامة للمواطنين فكانت النتيجة أن 72% ممن شملهم البحث اعترفوا بأنهم لا يرغبون فى المشاركة فى أى نشاط للخدمة العامة أو لمساعدة المحتاجين.
أما ضعف ثقافة العمل الحر فهى بلا شك المشكلة رقم واحد ففى الدول التى نجحت فى مواجهة الفقر أقبل فيها الفقراء على عمل مشروعات صغيرة أما عندنا فلا يزال تفضيل العمل الحكومى المضمون مهما يكن دخله قليلاً، والدليل على ذلك أن مركز المعلومات بمجلس الوزراء أعلن نتيجة بحث أجراه تبين منه أن 48% من الذين شملهم البحث قالوا إنهم يفضلون العمل الحكومى عن العمل الحر أو العمل فى القطاع الخاص.
هذا هو التحدى أمام الحكومة: ضعف العمل التطوعى أدى إلى إلقاء النصيب الأكبر من المشكلة على الحكومة، وضعف ثقافة العمل الحر أدى إلى إعاقة برنامج الإصلاح الاقتصادى وزيادة البطالة.
هناك دول فقيرة جدا نجحت فى تنفيذ برامج لمواجهة الفقر. دول مثل بوركينافاسو وبنين ومالى نفذت برنامجا على أساس المشاركة ونجحت فى جذب المواطنين للمشاركة، وأدى ذلك إلى الاستفادة من الموارد المتاحة فى المجتمع حتى وإن كانت قليلة. هذه الدول نجحت فى الوصول إلى الناس والتواصل معهم، وأثارت فيهم الحماسة للمشاركة فى مساعدة الفقراء، وبالمشاركة تم إنشاء مشروعات إنتاجية صغيرة ومشروعات للخدمات فى المناطق الريفية ومشروعات لحماية الأراضى الزراعية من سوء الاستخدام وحماية الأنهار والمصارف.
هذه الدول بدأت بتحديد الفقراء المحتاجين للمساعدة، وتحديد القادرين على المشاركة فى مساعدتهم، وأعدت خريطة اجتماعية حددت عليها الطبقات المختلفة التى يتكون منها المجتمع وبناء عليها أعدت خطة لإعادة التوازن الاجتماعى بين الطبقات، وحددت أولويات العمل، أهم من كل ذلك نجاح هذه الدول فى تحقيق ضمان الاستمرارية لبرامج المساعدة والمشاركة.
فى تجربة بلاد أخرى مثل أندونيسيا والأكوادور نجحوا فى مساعدة الفقراء بفضل الإعلام الذى ساهم فى تكوين الوعى بالمشكلات ودور القادرين فى علاجها مع الحكومة، واستطاعت أندونيسيا من خلال الإذاعات المحلية الموزعة فى أنحاء البلاد تكوين رأى عام متفهم للقضايا الاجتماعية وتغيير ثقافة المجتمع وتوجيه الفقراء إلى وسائل الاستفادة من الخدمات والمعونات المخصصة لهم والمشاركة فى برامج المشروعات الصغيرة، وبعد نجاح الإذاعات المحلية فى ذلك ساهم البنك الدولى فى تمويل إنشاء محطات إذاعة جديدة مبررا ذلك بأن هذه الإذاعات ساهمت فى القضايا على سبب من أسباب الفقر هو (العزلة) أى عزلة الفقراء وغربتهم داخل وطنهم وعدم معرفتهم بما يجرى فيه، وظهر من تجربة توظيف الإعلام فى مخاطبة الفقراء وتعليمهم أن إذاعة الأخبار حول مشروعات التنمية ساعد على الشعور بأهمية هذه المشروعات وخلق الحافز لدى الأفراد للمشاركة فى هذه المشروعات.
وفى الهند انشئت مؤسسة للتنمية عام 1995 ثم اندمجت مع بعض البنوك فأصبح ذلك أكبر بنك فى الهند. هذا البنك يتعاون مع مؤسسات لإقراض الفقراء لمشروعات صغيرة، ويخدم الآن مليونى عائلة فقيرة. الجديد فى الهند أن أكبر بنك فيها يقبل تمويل مشروعات صغيرة جدا والغريب أن هذه القروض أصبحت ضمن الأنشطة التى تحقق ربحا للبنك، وبذلك أثبت أن إقراض الفقراء لمشروعاتهم الصغيرة ليس من قبيل العمل الخيرى أو الخدمة بلا مقابل ولكنه نشاط مصرفى يحقق ربحا. البنك لا يتعامل مع المستفيدين مباشرة، ولكنه يعطى القروض لجمعيات أهلية، والجمعيات تعطى القروض للفقراء وتتابع مشروعاتهم وتحصل الأقساط مع مصروفات إدارية بسيطة جدا. الآن أصبح لهذا البنك 33 ألف فرع فى القرى لتقديم خدماته للمزارعين بسعر منخفض.
أما فى مصر فإن خريطة الفقر معروفة، فالفقر يتركز فى المناطق الريفية وخصوصا فى الوجه القبلى وفى المناطق العشوائية وفى الأسر التى تعولها النساء. وقد استطاعت الهند تحديد الفئات الفقيرة بالاستعانة بالجمعيات الأهلية فى كل منطقة باعتبارها الأقدر على التعرف على ظروف السكان فيها، وبذلك خفضت تكاليف برنامج تحديد الفئات المستحقة للدعم والمساعدة.
تجارب الدول أكدت أن سياسات المواجهة مع الفقر لا تنجح إلا إذا تم تحقيقها وإدارتها بصورة مركزية ثم يمكن بعد نجاحها أن تتحول إلى اللامركزية. المشكلة أن المؤسسات التى تعمل من أجل تنمية الفقراء قليلة وإمكاناتها محدودة والعاملون فيها تنقصهم الخبرة ويحتاجون إلى برامج تدريب جادة. وفى نفس الوقت فإن مطالبة الفقير بتقديم ضمانات للحصول على قرض هو شرط مستحيل لأن الفقير لا يملك شيئا، كذلك فإن فرض فوائد على القروض يزيد المشكلة ولا يؤدى إلى حلها، لذلك لا بد من قبول المخاطر وتقديم القروض الصغيرة عن طريق جمعيات قريبة من المستفيدين بدون ضمانات وتتم متابعتهم ومساعدتهم فى حل مشاكلهم.
المهم أن نضع استراتيجية لمواجهة الفقر، وفى العالم تجارب كثيرة ناجحة نستطيع الاستفادة منها إذا أردنا.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف