الفقراء فى المؤتمر
كان لموضوع الفقر والفقراء والعدالة الاجتماعية نصيب من الاهتمام فى مؤتمر الحزب الوطنى.. بحث المؤتمر مشروعا لنظام جديد للمعاشات يوفر معاشا لمن لا معـاش له، بحيث يكون لكل من بلغ سن 65 عاما من الرجال والنساء معاش من الدولة إذا لم يكن له معاش. وكان ذلك تجاوبا مع إعلان سابق للأمم المتحدة كان يطالب الدول باعتبار عام 1996 عاما دوليا للقضاء على الفقر وتحديد مهلة عشر سنوات لتقوم كل دولة بتنفيذ استراتيجية لمواجهة الفقر. والفقر هو أكبر مشكلة عالمية. وقد ذكر تقرير التنمية البشرية أن 1300 مليون إنسان فى أنحاء العالم يعيشون تحت خط الفقر، والفقراء فى مصر يمثلون 20% من عدد السكان.. وهؤلاء الفقــراء محرومون من الخدمــات الصحية، ويعانــون من البطالة، وسوء التغذية، والأميــة، وتدنى مركز المرأة، والتعرض أكثر من غيرهم للأمراض الناتجة عن التلوث وتدهور حالة البيئة.
وفى بحث للدكتورة سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن زيادة أعداد الفقراء كانت نتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانتقال أعداد من صغار العمال من خانة العمالة إلى خانة البطالة. وهذه ظاهرة معروفة من ظواهر النظام الرأسمالى. فالنظام الرأسمالى يعمل لصالح أصحاب الأموال ويسعى إلى تمكينهم من زيادة ثرواتهم، وليس من أهداف أصحاب الأموال أن يشغلوا أنفسهم بقضايا الفقر أو بتحسين أوضاع الفقراء.
*من هم الفقراء؟ وبأى معيار نتعرف عليهم؟
أفضل معيار للتعرف عليهم يتلخص فى: البطالة، والحرمان من الخدمات الأساسية، ومن الحماية الاجتماعية، والأمان على المستقبل، ويرتبط بذلك قصر عمر الفقراء نتيجة سوء التغذية، وعدم الحصول على العلاج والحياة فى ظروف معيشية تسبب الأمراض. والمرأة دائما هى أكثر الفئات تأثرا بالفقر، فهى الأكثر معاناة من البطالة والاستغلال والحرمان من التعليم ونقص التغذية.
وأثبتت الدراسات أن الرجال يحصلون على القدر الأكبر من الطعام المتوافر للأسر الفقيرة. وتشير الدكتورة الدارسة إلى تزايد (الفقراء الجدد) وهم جماعة غير متجانسة اجتماعيا وثقافيا على عكس (الفقراء القدامى) وهؤلاء لم يكونوا فى الأصل فقراء ولكن انحدرت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية حتى وصلوا إلى حد الفقر أو تحت خط الفقر نتيجة ما تسميه الدراسة (آليات الإفقار الناتجة عن عملية التحول الاقتصادى).
*ماذا يريد الفقراء؟
إن مطالبهم فى الحياة متواضعة جدا ومحدودة. فهم لا يطلبون مساكن واسعة ولكن يطلبون مساكن تؤويهم وتحفظ كرامتهم إلى حد ما ولا يطلبون قضاء الصيف فى المنتجعات ولا أن تتوافر لهم وسائل الترفيه أو الثقافة ولكنهم يحلمون بأن تكون ولادة أطفالهم بواسطة أخصائيين بدلا من (البهدلة) التى تتعرض لها الأم والطفل عند الولادة على أيدى غير المتخصصين. يطلبون مكانا يعيشون فيه، أربعة جدران ودورة مياه، ومياهًا نظيفة بدلا من الحياة فى الخيام أو عشش الصفيح أو المقابر أو الأرصفة، ويطلبون عملا يحصلون منه على مورد يكفل لهم الحد الأدنى للمعيشة الآدمية، ورعاية لكبار السن توفر لهم قدرا من الأمان. تقول الدكتورة سامية الساعاتى إن توافر هذه المطالب المتواضعة هى أساس (عقد اجتماعى جديد) بين الحكومة ومواطنيها. فالحكومة يجب أن تنظر إلى النمو الاقتصادى ليس فقط من زاوية زيادة الدخل القومى والتصدير والاحتياطى النقدى. وغير ذلك مما قد يكون لصالح الأغنياء ولا يستفيد الفقراء شيئا من ذلك، ولكن يجب أن يكون هدف النمو الاقتصادى زيادة فرص العمل المنتج. والدولة لا بد أن تتدخل لتحقيق التوازن وضبط قوى السوق، ولا بد من تقوية الجمعيات التى تعمل على تقديم الرعاية للفقراء.
تقول الدراسة إن مصر ضمن 11 دولة نامية هى الأكثر حصولا على الاستثمارات الأجنبية، وهى الدولة رقم (50) بين الدول التى تملك قدرة تنافسية، وتقع ضمن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التى تعانى من مؤشرات اجتماعية متدنية فيما يتعلق بالفقر وخاصة بالنسبة للمرأة. وهناك تفاوت بين الرجال والنساء فى الحصول على فرص العمل والخدمات. وحتى بعد كل الحقوق التى حصلت عليها فى مصر فإن وضع المرأة فى دول أخرى مثل لبنان وتونس وتركيا أفضل من وضعها فى مصر، من حيث مستوى تعليمها والاهتمام بصحتها وصحة أطفالها والدخل الذى تعيش منه. بالإضافة إلى حصول المرأة فى هذه الدول على نصيب أكبر من المشاركة السياسية وإن كان مطلب المشاركة السياسية لا يخطر على بال المرأة الفقيرة فى مصر!
والمشكلة فى مصر ـ كما تقول الدراسة ـ ليست مشكلة موارد، ولكن المشكلة هى قصور برامج المساعدة الاجتماعية وقلة فرص العمل الجديدة البعيدة عن القطاع العام والحكومة بالنسبة لأعداد العاطلين من الرجال والنساء، وتشير الإحصاءات إلى أن ثلث النساء الفقيرات فقط يستطعن القراءة والكتابة بينما الثلثان لا يعرفن القراءة والكتابة، ولم تنجح برامج محو الأمية بعد نصف قرن من القضاء على الأمية. ونسبة النساء فى قوة العمل فى مصر أقل من 17% من إجمالى العمالة، والبطالة بين النساء ضعف نسبتها بين الرجال، ونسبة تسرب البنات من المدارس أكبر من نسبتها بين الذكور، والمرأة هى التى تعول 16% من الأسر المصرية بسبب وفاة الزوج عائل الأسرة أو بسبب الطلاق أو الهجر أو بطالة الزوج.
الفقراء قطعا هم الأكثر معاناة من زيادة التضخم وما أدت إليه من زيادة أسعار الطعام والمواصلات والمساكن والتعليم والدواء، ويليهم أصحاب الدخول الثابتة (الموظفون والعمال وأصحاب المعاشات).
والفقراء هم الأكثر معاناة بسبب التناقص فى فرص التوظيف المضمون فى الحكومة، وكانت الحكومة هى صاحب العمل الرئيسى للنساء وخاصة فى قطاعات الخدمات الإدارية والاجتماعية. ومن الظواهر المقلقة التى ترصدها الدكتورة سامية الساعاتى: التفكك الأسرى بين الفقراء، وتزايد أعداد النساء الأرامل والمطلقات والمهجورات اللاتى يعشن بدون مورد ثابت.
والمرأة الفقيرة فى الريف تعانى فى الحصول على عمل مؤقت لمدة قصيرة وتعانى من بطالة طويلة. والمرأة الفقيرة لا تنعم بالراحة أبدا، فهى تعمل فى البيت ورعاية الأطفال والدواجن، بالإضافة إلى عملها خارج البيت بدافع الحاجة، ولكى تحصل المرأة على لقمة العيش فإنها تعمل فى خدمة بيوت القادرين، أو فى بيع بعض السلع الرخيصة (حلوى الأطفال أو المناديل الورقية أو الخضروات..الخ).
ومشكلة المرأة الفقيرة التى تنطبق عليها شروط الحصول على معاش حكومى (الضمان مثلا) أنها بسبب الجهل وقلة الحيلة لا تملك الأوراق والمستندات المطلوبة التى تطلبها الجهة الحكومة المختصة ولا تعرف كيفية الحصول على هذه الأوراق.
وتشير الدكتورة نادية حليم المستشار بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية فى دراسة لها إلى برامج تقدمها الدولة للفقراء مثل الضمان الاجتماعى والصندوق الاجتماعى وبرنامج شروق ومشروعات الصناعات الصغيرة والأسر المنتجة.. ولكن هذه البرامج لا تقدم ما يمكن اعتباره قضاء على حالة الفقر ولكنها تقدم مساعدة محدودة بالنسبة للاحتياجات الأساسية للفقراء، ومن ناحية أخرى فهى لا تغطى جميع الفقراء.. ولكنها تغطى بعض الفقراء.
ولدى المجلس القومى للمرأة خطة لمكافحة الفقر تشارك فيها المحافظات، وبالإضافة إلى مشروع (المرأة المعيلة) الذى بدأ فى بعض المحافظات ليتوسع بعد ذلك تدريجيا حتى يشمل بقية المحافظات. هناك أيضا برنامج لمساعدة المرأة التى تقوم بإعالة أسرتها عن طريق الصندوق المصرى السويسرى للتنمية الذى يقدم خدماته إلى من يعتبرهم (أكثر الناس حرمانا) فى المناطق العشوائية، ولهذا الصندوق مشروع اسمه (نساء وفتيات فى ظروف صعبة) يقدم قروضا ويدرب النساء والفتيات على بعض الحرف ويساعدهن على الحصول على شهادات الميلاد والرقم القومى ويقدم لهن المساعدة الطبية. لكن كل هذه الخدمات لا تصل إلا إلى نسبة محدودة جدا من الفقراء لا تزيد على 300.
ولا أعرف لماذا تأخر تنفيذ مشروع (بنك الفقراء) تقليدا لبنك جرامين فى بنجلاديش وقدم اسهاما كبيرا فى مساعدة الفقراء على تحسين أوضاعهم وحقق نجاحا ملحوظا على امتداد 30 عاما استحق عليه مؤسسه جائزة نوبل للسلام. هذا البنك يقدم قروضا صغيرة بدون ضمانات للفقراء لأن الفقراء ليست لديهم ضمانات. وهو بنك لا يهدف إلى الربح. ويقدم القروض للمهمشين وبخاصة النساء لأنهن الأكثر معاناة من الفقر ويساعد الفقراء على تنفيذ مشروعات لا تحتاج إلى تمويل كبير ويكفى دخلها لتوفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة.
حالة الفقر والفقراء يجب أن تكون القضية الأولى أمام الحكومة، لأن الفقر هو البيئة التى تنتج الجريمة والإرهاب والبلطجة وتهدد أمن واستقرار المجتمع وإذا تناقص عدد الفقراء فسوف تتناقص الجرائم وتتناقص ميزانيات مكافحة الجرائم.
جميل أن تهتم الحكومة جدا بالمستثمرين وأصحاب الأموال لأنهم قادرون على إقامة المشروعات وتوليد الأموال وزيادة النمو الاقتصادى وتحقيق الزيادة فى أرقام التصدير، ولكن على الجانب الآخر هناك قطاع لا يستهان به يمثل ربع المصريين يعيشون على خط الفقر أو تحت خط الفقــر. ومــا دامت الحكومة هى حكومة (كل) المصريين فلا ينبغى أن تهمل 25% من المواطنين لهم حقوق المواطنة كما أن لهم حقوق الإنسان، ولن يشعر الفقير بالولاء لبلده إلا إذا حصل فى بلده على حقوقه الأساسية.
لذلك جاء بحث موضوع الفقر والفقراء ضمن أولويات جدول أعمال مؤتمر الحزب الوطنى لكى يجد الفقراء الحد الأدنى من الرعاية والأمان.. ويشعروا بأن هذا وطنهم ولهم فيه حقوق فيحبوا الوطن والحكومة!
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف