في ذكري احمد بهاء الدين
تلازمنى صورة أحمد بهاء الدين فى هذه الأيام، وفى بعض الأوقات يخيل إلىَّ أننى إذا تركت مكتبى فى الأهرام فى الدور الثامن وذهبت إليه فى مكتبه بالدور السادس فسوف أجده هناك كما تعودت أن أجده، جالساً إلى مكتبه، غارقاً بين أكوام من الصحف المصرية والعربية والأجنبية، وأمامه فنجان القهوة، وفى يده السيجارة، على الرغم من معاناته من ارتفاع ضغط الدم والسكر وأوامر الأطباء المشددة له بعدم التدخين والإقلال من شرب القهوة. ذلك بعد أن تخفف من أعباء منصبه كرئيس لتحرير الأهرام وأصبح كاتباً متفرغاً.
كان أحمد بهاء الدين بالنسبة لى نموذج الصحفى المحترم، الذى يحترم نفسه، ويحترم قارئه، ويحترم كل من يقابله صغيراً كان أو كبيراً. حيث لم ألتق به إلا بعد أن جاء إلى الأهرام رئيساً للتحرير فى السبعينات من القرن الماضى، فكان مختلفاً عن كل رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على الأهرام وعاصرتهم قبله وبعده. كان بسيطاً، هادئاً (فى الظاهر على الأقل) يبدو مهموماً على الدوام، وكأنه يحمل هموم الدنيا على كتفيه، أو كأنه المسئول عن كل مافى الدنيا من مشاكل ومسئول عن إيجاد الحلول لها.. كنت أجلس إليه لأستمع إليه وهو يجيب عن أسئلتى الكثيرة وبعضها فيها حماقة الشباب ولكنه لا يبدى ضيقاً، ويبدو وكأنه يجد فى كل سؤال أحمق فرصته ليفكر فى شىء جديد.. كان التفكير هو صناعته التى برع فيها ولم يجاره فيها أحد.