يهودية تزوجها الرسول
 لا يخجل الإسرائيليون من اتهام العرب والمسلمين بمعاداة السامية، وهى التهمة التى يلصقونها بكل من يخالف وينتقد جرائمهم ضد الفلسطينيين والعرب، وهى تهمة لا يمكن أن توجه إلى المسلمين لسبب بسيط هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج سيدة يهودية صارت من أمهات المؤمنين.
وتعلم أجهزة الدعاية والمؤسسات السياسية الإسرائيلية – الصهيونية على التغطية على هذه الحقيقة لما فيها من دلالة واضحة على أن الإسلام لا يعادى اليهود، ويدعو إلى الحرية الدينية، وفى قصة زواج الرسول من السيدة صفية رضى الله عنها ما يكفى للرد على الأكاذيب والادعاءات الإسرائيلية .. وهى قصة يجب أن تنشرها الخارجية المصرية، وهيئة الاستعلامات، ووسائل الإعلام، على أوسع نطاق لكى يعرف العالم مدى سماحة الإسلام والمسلمين.
وفى قصة زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة صفية رسالة موجهة إلى المسلمين أولاً وإلى العالم ثانياً، ملخصها أن الإسلام لا يفرق بين المؤمنين بالله، وفى ذلك نزلت الآية الكريمة فى سورة البقرة: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله».. وما دام الرسول قد آمن بالقرآن وبالكتب السماوية (التوراة والإنجيل) وما دام المؤمنون بالإسلام يؤمنون بالكتب السماوية ولا يفرقون بين الرسل، فكيف يمكن أن يقول عاقل إن المسلمين يعادون السامية.. ولا يجهل أحد أننا ساميون، فكيف نعادى السامية؟..
السيدة صفية يهودية من بنى خبير، ينتهى نسبها إلى هارون شقيق النبى موسى عليه السلام، أبوها سيد يهود بنى النضير، وكان من أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أول لحظة دخل فيها الرسول المدينة، فقد ذهب هو وأخوه أبو ياسر لرؤية هذا الرجل الذى خرج أهل المدينة لاستقباله بالأهازيج وعادا وهما فى حالة من الغم لفتت نظر السيدة صفية، وسمعت أباها وهو يقول لعمها: أهو هو؟.. فيقول عمها: نعم هو.. وبعد ذلك ظل أبوها (حُيى بن أخطب) يدبر المكائد للرسول، ويؤلب الناس عليه، على الرغم من أن الرسول عقد عهدا مع يهود المدينة يمكن أن نسميه بتعبيرات اليوم معاهدة سلام وتطبيع وعدم اعتداء، تعهد فيها الرسول بضمان الأمان لليهود فى دينهم وأموالهم، ولكن يهود المدينة نقضوا العهد ومارسوا مع المسلمين كل ألوان الخديعة، ووصل الأمر إلى أن دبروا محاولة لقتله، لكن جماعة المنافقين الذين أظهروا إسلامهم وأخفوا عداءهم للإسلام وكانوا بقيادة عبدالله بن أبىّ، حرضوا اليهود على قتال المسلمين.. وقصة تحريض اليهود لقبائل العرب ضد المسلمين وهى تجمعهم القبائل -لقتال-المسلمين فى معركة الأحزاب المعروفة التى انتهت بهزيمة الأحزاب.
المهم أن السيدة صفية كانت قد تزوجت مرتين، وقتل زوجها الثانى فى حربه ضد المسلمين، ولكنها فى ليلة عرسها معه رأت فى المنام أن القمر جاء من ناحية المدينة ووقع فى حجرها، وعندما أخبرت عريسها بهذا المنام رأته غاضباً وهوى على وجهها بيده حتى ترك علامة على وجهها وصاح فيها: إنك إذن تتمنين ملك الحجاز محمدا وظل أثر هذا اللطمة كدمة زرقاء.
وبعد هزيمة اليهود فى حربهم مع المسلمين تذكر كتب التاريخ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكرمهم وأمر بمعاملتهم بالحسنى، وبالمحافظة على صحائف التوراة وتسليمها إليهم، وأراد أن يكرم السيدة صفية بعد مقتل أبيها وزوجها ويكرم قومها، فاختارها لتكون زوجة له، وحينئذ أخبرت الرسول بما رأته فى المنام وبأثر اللطمة على وجهها، وأقام الرسول وليمة بمناسبة زواجه منها ودعا الناس إليها.
يذكر رواة السيرة النبوية أن السيدة صفية كانت جميلة وأنها كانت قريبة من أم المؤمنين عائشة وإلى فاطمة الزهراء بنت الرسول، وحين كانت إحدى زوجات الرسول تفاخر بأصلها وبالقرابة من الرسول كان يقول لها قولى كيف تكونين أكرم منى وزوجى محمد، وأبى هارون، وعمى موسى!.
وظلت السيدة صفية على صلة باليهود دون حرج حرصا منها على صلة الرحم، وعاشت بعد الرسول معززة مكرمة كسائر أمهات المؤمنين.. وعندما حوصر الخليفة عثمان بن عفان حاولت إبعاد الثائرين عليه الذين منعوا عنه الطعام والشراب تمهيدا لقتله، كانت تنقل إلى دار عثمان الماء والطعام عن طريق جسر بين دارها وداره، وتوفيت بعد منتصف القرن الأول للهجرة بقليل فى عهد معاوية ودفنت بجوار زوجات الرسول فى البقيع.
وروى أن أمهات المؤمنين اجتمعن حول فراش الرسول فى مرضه الأخير فقالت صفية: إنى والله يا نبى الله لوددت أن الذى بك بى، فما كان من زوجات النبى إلا أن تغامزن وكأنهن يشككن فى صدق مشاعرها، لكن الرسول قال لهن، والله إنها لصادقة.
هذه القصة التى تملأ كتب السيرة النبوية، ألا تدل على أن الإسلام لا يعادى اليهود، وأن اليهود هم الذين ناصبوا المسلمين العداء ودبروا لهم المكائد.. والتاريخ شاهد بما يرويه من قصص ووقائع ليس هذا مكانها.
المهم أن رسولنا صلى الله عليه وسلم وجه إلينا رسالة عملية: لا نعادى اليهود ما داموا لا يحملون لنا العداء، والعبرة بالأعمال وليست بالأقوال.
أين الإعلام الخارجى؟
وبمناسبة الحديث عن ضرورة مواجهة الحملات الصهيونية باتهام العرب بمعاداة السامية يمر على الخاطر سؤال: أين إعلامنا فى الخارج؟، هل يقوم بدور مؤثر لتوضيح الحقائق فى مواجهة الأكاذيب؟، وهل يعمل فعلاً على بناء صورة إيجابية لمصر فى الخارج وتعريف العالم بالتطورات الحضارية فى مصر والعالم العربى، والتصدى للحملات الإعلامية المستمرة ضد العرب للإساءة إليهم وإلى المسلمين وإلى الإسلام؟.
لا ينكر أحد أن المنافسة كبيرة بين إعلامنا والإعلام فى الولايات المتحدة وأوروبا، ولا ينكر أحد الفارق بين قوة اللوبى الصهيونى فى الغرب عموما وفى أمريكا خصوصا وبين اللوبى العربى إذا صدقنا ما يقال عن بدء تكوين لوبى عربى لمخاطبة الشعوب.
والكلام عن الإعلام الخارجى سهل، ولكن المهم ما يحققه هذا الإعلام والنتائج للجهد الذى يقال أنه كبير، وللأموال التى نعلم أنها ليست قليلة، ومع ذلك فإننا نرى إلى أى حد تصل التشوهات للعالم العربى والإسلامى فى الإعلام المضاد، ولا نلمس أثراً لإعلامنا الخارجى فى التأثير فى صانع القرار بالدول المختلفة لصالح القضايا العادلة المصرية والعربية.
ومصر تمتلك عددا غير قليل من الأجهزة التى تعمل فى مجال الإعلام ومخاطبة الرأى العام فى الخارج مثل: هيئة الاستعلامات، ووزارة الخارجية، ووزارة التعليم العالى، والمجلس الأعلى للثقافة،والإذاعة والتليفزيون ووزارة السياحة، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، وهيئة الكتاب، والمجلس القومى للترجمة وغير ذلك من الهيئات التى يمكن أن تسهم فى تحسين صورة العرب والمسلمين فى العالم الغربى، بخلاف الجاليات المصرية والعربية والإسلامية بالخارج التى لم ننجح حتى الآن فى الاستفادة من وجودها هناك ولم نستطع التنسيق معها كما تفعل إسرائيل مع الجاليات اليهودية: فى كل مكان فى العالم.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف