طرح الرئيس مبارك قضية تشغل الرأي العام وهي ضرورة التوصل الي أسلوب لاجراء انتخابات حرة, ولا تؤثر فيها قوة المال أو العنف, وترك الرئيس مسئولية البحث عن هذا الأسلوب علي مجلسي الشعب والشوري, والحكومة, ورجال القانون والخبراء, علي أن يعد مجلس الشعب خلال دورته الحالية قانون الانتخابات الذي سيحكم الانتخابات القادمة بعد أن تنتهي مدة المجلس الحالي.
وفي هذه الدعوة من الرئيس عودة الي التفكير في مزايا وعيوب نظام الانتخاب الفردي, والانتخاب بالاقائمة, وأيهما أكثر تحقيقا لنزاهة الانتخابات, ولا يتعارض مع المباديء الاساسية في الدستور القائم نصا وروحا. وأذكر أن المؤتمر القومي للحوار الوطني عام94 ناقش هذا الموضوع, وكان انصار النظام الفردي أقلية, وانصار الانتخابات بالقائمة هم الأغلبية مع بعض تحفظات أو مطالب لتفادي سلبيات هذا النظام واعطاء الاحزاب الصغيرة فرصة في هذه الانتخابات..
وأذكر أني قلت في هذا المؤتمر إن هناك دول متقدمة كثيرة تأخذ بالنظام الفردي, ودول أخري تأخذ بنظام القائمة, وفرنسا ــ علي سبيل المثال كانت تأخذ بنظام القائمة وعدلت عنه وعادت الي الانتخابات الفردية, أما من حيث نصوص وروح الدستور المصري فليس فيه نص يمنع الأخذ بالقائمة, أو الفردي, بشرط تحقيق مبدئين أساسيين هما المساواة, تكافؤ الفرص, وهذا يعني ان المستقلين في نظام القائمة يجب أن تكون لهم فرصة متساوية. واذا كان الناخبون في مصر يفضلون النظام الفردي لانه النظان السائد منذ بدء الحياة البرلمانية, ولانه يتفق مع ظروف الريف المصري وتكوينه العائلي وتأثير العصبيات فيه.
ونظام القائمة محاط دائما بمشاكل عملية في التطبيق, تتعلق بمدي كفاءة وفاعلية وتأثير الأحزاب, بحيث يمكن الاطمئنان الي أن الناخبين اختاروا هذا الحزب علي أساس برنامجه ونجاحه في التعبير عن مصالح القاعدة العريضة والتفاعل مع مشاكلهم وامالهم.. والمشكلة أن الناخب في مصر يرتبط بالنائب الفرد, والنائب يشعر بالولاء للناخبين لانهم هم الذين منحوه المقعد في مجلس الشعب, بينما يكون ولاء النائب في نظام القائمة للحزب الذي اختاره وحدد ترتيبه في القائمة, أو لقيادات الحزب التي بيدها الاختيار, وفي ظروف المجتمع المصري فان من لا ظهر له قد يصعب عليه الحصول علي ألحق أو علي الفرصة, والنظام الفردي يففرض علي النائب أن يكون الواسطة للمواطن العادي لقضاء مصالحه ورفع صوته والتعبير عن همومه الشخصية, ولا يجد المواطن هذه الواسطة في ظل النظام بالقائمة, لأن النائب لا يكون مشغولا بتحقيق المصالح الفردية لأبناء الدائرة إلا اذا كان حصوله علي المقعد مرتبطا بإرادة الناخبين وليس بإرادة الحزب. أما في نظام القائمة فان النائب ليس مدينا بصفة شخصية للناخب وبالتالي ليس ملتزما بالتفرغ لتقديم خدمات شخصية للناخب في المقابل, ويحذر الخبراء من
ان نظام القوائم يسمح بظهور مراكز قوي في الاحزاب من القيادات التي تتولي اختيار وترتيب الاسماء في القوائم, وقد تتحول المسألة الي تبادل مصالح بشكل أو بآخر. النظام الفردي يعتمد علي شخصية المرشح, والأموال التي ينفقها, والعائلات والعصبيات التي تسانده, وبراعته في المناورات الانتخابية الشائعة, بينما نظام القوائم يعتمد بالدرجة الأولي علي شعبية الحزب.
وهناك طريقان لتحقيق الهدف بإجراء انتخابات نزيهة ونظيفة ومعبرة عن إرادة الناخبين, الطريق الأول هو الابقاء علي النظام الفردي بقانون جديد ينشيء هيئة محايدة يرأسها واحد من كبار رجال القضاء, ولا تتبع أي جهة حكومية ويكون رئيسها تابعا للمجلس الأعلي للهيئات القضائية ويمكن الاستفادة من نموذج هيئة الانتخابات المستقلة في الهند التي تتولي الاشراف علي إجراء جميع الانتخابات التي تجري في البلاد, سواء كانت انتخابات برلمانية, أو محليات, أو انتخابات نقابية, ولها سلطات تعطيها الحق في مراقبة سلوك المرشحين والناخبين والأموال التي يتم انفاقها في الدعاية أو في رشوة الناخبين وتطبيق عقوبات منصوص عليها في القانون في حالة الخروج عن شروط النزاهة.
والطريق الثاني هو الجمع بين النظام الفردي ونظام القائمة لاعطاء الفرصة للمستقلين للترشيح, مع اختلاف حجم الدوائر, بحيث تكون أوسع بالنسبة للقائمة, وأصغر بالنسبة للمرشحين بالنظام الفردي, لان اختيار الحزب لا يشترط بالضرورة معرفة الناخب بالمرشح معرفة شخصية لانه يختار الحزب بأكثر مما يختار الشخص, ولذلك فان بعض الدول ــ اسرائيل ــ تجعل البلد كلها دائرة واحدة لانتخابات القائمة.
وأعتقد اننا لو اعطينا الناخب الحق في اختيار من يشاء من أي قائمة من القوائم الحزبية ليضع هو تشكيلة تعبر عن رأيه واختياره الحر فقد يكون ذلك أقرب الي معني الديمقراطية وأكثر تعبيرا عن الدستور الحالي, وهناك وسيلة أخري هي أن يكون للناخب بعد اختيار قائمة حزب معين الحق في إعادة ترتيب اسماء المرشحين وفق اختياره فيكون ذلك أكثر تحقيقا لمبدأي تكافؤ الفرص وحرية الاختيار.