لم يلتقت العرب معني الاعلانات المتكررة في الولايات المتحدة منذ رئاسة نيكسون إلي بوش, ثم كلينتون, واخيرا بوش الابن من ان هذا القرن الحادي والعشرين, قرن أمريكي, ولم يشأ العرب ـ كعادتهم ـ ان يشغلوا انفسهم بالتفكير في المستقبل, أو ببذل الجهد لعمل مشترك بقدر ماهو ممكن ومتاح لهم في حدود الضغوط المحيطة بهم.
لم يشغل العرب انفسهم حتي باستخلاص الدروس من حرب عاصفة الصحراء.. ليكتشفوا مثلا الدور الذي لعبه الاعلام الامريكي والاوروبي لاقناع العراق ـ والعالم ـ بانه قوة عسكرية ضخمة يصعب أو يستحيل هزيمتها, حتي اقتنع صدام حسين بأنه يملك حقيقة رابع قوة عسكرية في العالم, وان الولايات المتحدة تخشي المواجهة العسكرية معه, وقاده الغرور إلي تدمير العراق وتدمير قواته المسلحة, وتدمير ما كان يملكه العراق وانفق معه عشرات المليارات من الدولارات في البنية الاساسية, والصناعات العسكرية والمدنية.. وهذا بالضبط هو مايحدث من الاعلام الغربي بتصوير بن لادن وطالبان والقاعدة علي أنها قوة لاتقهر وتحتاج إلي سنوات من القذف بالصواريخ وحشد الحشود الضخمة من القوات والاساطيل واقامة تحالف دولي لكي يقدر علي هذه المواجهة.
ولم يتوقف العرب كما يجب عند الدور الذي لعبته إسرائيل في حرب عاصفة الصحراء, فقد امتنعت عن التدخل المباشر في الحرب, ولكنها خرجت الفائز الاول منها.. حصلت من أمريكا علي عشرة مليارات دولار, وحق تصنيع الصاروخ باتريوت, واستغلت فرصة الانشغال العربي والعالمي بالحرب وتوسعت في بناء المستوطنات وبناء القدس, بينما تحملت الدول العربية كل الخسائر عن مليارات الدولارات تكاليف الحرب, وكان هذا مكسبا آخر لإسرائيل, وهذا بالضبط مايحدث الآن, فإسرائيل هي المستفيد من حرب افغانستان, علي الاقل لان الانشغال والتوتر السائد في دول العالم يعطي شارون الفرصة لتنفيذ سياسة لم يسبق لها مثيل ابتداء من اتخاذ المناطق الفلسطينية مناطق مباحة للجيش الإسرائيلي يقتحمها, ويخرج منها كما يشاء ويضرب ويهدم ويقتل كما يشاء, ويتوسع في بناء المستوطنات, وتهويد القدس, ولا يخفي نواياه, بل يعلنها في تبج غريب, ويبدو وكأنه يتحدي الولايات المتحدة. بينما تواجه الدول العربية ضغوطا سياسية واعلامية من الغرب بتوجيه اتهامات غريبة بانها هي المصدرة للإرهاب, أو انها هي التي تؤوي وتمول الارهاب, وذلك لكي تضطر الدول العربية إلي المبالغة في إظهار براءتها من هذه الاتهامات, وتلجأ إلي الصمت علي مايجري للمدنيين الابرياء هنا وهناك من قتل عشوائي.
ولم يربط العرب بين ماحدث في حرب عاصفة الصحراء ومايحدث الآن في حرب أفغانستان, في الاولي اراد الرئيس الامريكي استرضاء العرب, فأعلن ان أمريكا ستعمل علي انهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي علي أساس مبدأ الارض مقابل السلام, وقراري242 و338 وانتهت الحرب, ولم يتحقق شيء, وبدأ التراجع خطوة خطوة من بوش, ثم كلينتون, ثم بوش الابن ومرة أخري عادت الوعود الامريكية بنفس الكلمات تقريبا لجذب الدول العربية, وضمان دخولها في التحالف الحالي.
السيناريوهات ـ في الشرق الاوسط تتكرر هي هي تقريبا, وحالة التفكك العربي لاتسمح لهم بعمل شيء له قيمة لوقف التدهور في المنطقة, أو الحفاظ علي الحد الادني من حقوقهم, والولايات المتحدة تقوم بتغيير جذري في الخريطة الاستراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط, وآسيا الوسطي لكي تستكمل سيطرتها كقوة وحيدة, وتنفذ العولمة وفقا لمصالحها.
الظروف الضاغطة الآن تفرض علي العرب ان يقفوا وقفة جادة مع أنفسهم, ويتخلوا عن الفكرة السائدة بانه لافائدة من اي عمل جماعي عربي, ولايستجيبوا لمحاولات التشكيك في امكان خلق نظام عربي... ولتكن البداية إيجاد نظام اقتصادي عربي, واقل مايمكن عمله التنسيق الاقتصادي, والتكامل الاقتصاديه, والمعاملة التفضيلية للسلع ورؤوس الاموال والاستثمارات العربية, وتوجيه بعض الاموال العربية للاستثمار والتنمية في الدول العربية بدلا من توظيفها بالكامل في أوروبا وأمريكا وتخضع للضغوط والمصادرة والتجميد من حين لآخر.
ولو بدأ العرب بالاستجابة للنداءات المتكررة لمواجهة التهديدات التي يتعرضون لها بسبب عدم وجود ضينة فعالة للعمل العربي المشترك.. ولو كان هذا العمل العربي المشترك قائما بجدية وفاعلية واردة حقيقية لما كانت كارثة الكويت قد حدثت اصلا... لو بدأ العرب بخطوت مخلصة ـ كما فعلت أوروبا ـ لانشاء سوق عربية مشتركة لتحققت مصالح الجميع دون استثناء, ولأصبح للعرب كيان اقتصادي يحميهم من غول العولمة القادم الذي سيلتهم الكيانات الصغيرة, وهو غول لاقلب له ولارحمة عنده بالضعفاء.
وإذا لم يبحث العرب في القمة القادمة مستقبل العالم العربي في القرن الجديد المليء بالمخاطر.. فماذا يمكن ان يبحثوا غيره؟