قصص مزعجة وتجاهلها جريمة!
هذه بعض القصص التى نشرتها الصحف فى الأيام الأخيرة ليست للعرض فقط، وليست للتسلية، ولكنها إنذارات وتحذيرات للحكومة ولمؤسسات التربية والإعلام والثقافة، إنذارات بانتشار العنف فى سلوك الناس العاديين إلى درجة تدعو للقلق، وأن هذا العنف موجه إلى بعضهم البعض، لكنه بدأ ينتقل إلى المواقف والسلوك الجماعى، مما يعنى أنها لم تعد ظاهرة أمنية، ولكنها ظاهرة اجتماعية وسياسية فى المقام الأول.
من هذه القصص: عامل بجزيرة الوراق (51 سنة) قام بتعذيب ابنته بتوصيل كابل الكهرباء بجسمها حتى ماتت. ماسح أحذية بالدقى (29 سنة) قتل بائعا بطعنات نافذة بصدره لأنه رفض أن يسدد له 15 جنيهاً. شاب حاول دخول حفل فى ملهى ليلى ومعه سلاح آلى وعندما حاول موظف الأمن منعه أطلق عليه الرصاص فقتله. شاب حاصل على بكالوريوس تربية لم يجد عملا يناسبه فعمل فى ورشة خاله. لكن خاله استغنى عنه فقرر الانتقام منه وقتل ثلاثة أطفال أبناء خاله، محاسب (23 سنة) قتل صديقه الموظف فى بنك وحاول سرقة بعض مشغولات ذهبية من مسكنه، عاطل (56 سنة) قتل ابنة زوجته التلميذة بالإعدادى بطعنة فى القلب.. وأصاب والدتها (زوجته) بطعنة لم تقتلها وذلك بسبب عدم قدرته على الإنفاق عليهما! عامل ذبح مطلقته ووالديها وأحد الجيران فى عزبة الهجانة وأصاب اثنين آخرين لأنه علم أن مطلقته تنوى الزواج بآخر. مشاجرة فى منطقة ميت عقبة تطورت بتبادل الرشق بزجاجات المولوتوف فأسفرت عن احتراق 3 محلات تجارية. مهندس قتل زوجته وابنه (مهندس) وابنته (مُدرّسة). زوج ألقى بنفسه ومعه طفلته من الطابق السادس فلقيا حتفهما. شاب قتل والده (68 سنة) طعنا بالسكين فى ظهره أثناء تناوله طعام الإفطار، تلاميذ مدرسة فى قنا اشتبكوا فى مشاجرة، وعندما حاول مدير المدرسة فضها طعنه أحد التلاميذ بالسكين فى رأسه. تلميذ بالإعدادى فى شبرا الخيمة أراد المزاح مع عامل فى ورشة خراطة فألقى عليه البنزين وأشعل فيه النار. تاجر طيور قام بتعذيب زوجته بضربها بسلك كهربائى وعصا خشبية ثم حرق جسدها بسكين ساخنة وطعنها بعد ذلك عدة طعنات نافذة فى عدة أماكن بجسمها إلى أن ماتت.
***
زوج فى الوايلى فقد عمله فألقى بنفسه من الطابق السادس. أب فى أوسيم قتل ابنه الصغير بأن انهال عليه بالضرب بخرطوم، فتاة فى حى روض الفرج (30 سنة) قتلت أمها (60 سنة) بأن هشمت رأسها وهى نائمة. شقيقان فى المحلة الكبرى اختلفا مع شقيقهما الثالث على ميراث عبارة عن غرفة فوق سطح منزلهم فى منطقة سوق الجمعة فانهالا عليه بالسكاكين والمطاوى حتى مات، طالبة بمعهد فنى بمدينة قويسنا وشقيقتها الحاصلة على ليسانس حقوق تسللتا إلى شقة موظفة بكهرباء بنها (52 سنة) لسرقتها وقامتا بقتلها طعنا بالسكاكين، وفى منطقة العمرانية طعن جزار صديقه 15 طعنة نافذة ثم فصل رقبته عن جسده ومزق باقى الجثة 7 أجزاء. وفى منطقة الوراق قام شاب بقتل شقيقه الأكبر بطعنة سكين، وفى شبين القناطر قتل عامل زوج شقيقته لأنه طلّقها، وفى البلينا بمحافظة سوهاج ألقى عامل والده العجوز من الطابق الثانى بعد أن ضربه بماسورة حديدية. وفى منطقة المنيرة أشعل شاب النار فى شقيقه بأن ألقى عليه وابور جاز بسبب خلاف على 25 جنيها، وفى منطقة الحدائق بكفر الدوار ذبح ترزى زوجته وابنه (7 سنوات) وانهال بالطعن على «حماه وحماته» بعد مشاجرة مع زوجته وتدخل والديها فى المشاجرة، وفى كرداسة مزق نجار جسد شقيقته بطعنها 6 طعنات نافذة وألقى جثتها بين منطقتى ناهيا وكفر حكيم، وفى منطقة العمرانية، وبسبب طابور العيش والزحام الشديد والشجار على الأولوية أصيب 3 طعنا بالأسلحة البيضاء والأسلحة النارية. وفى منطقة أبو راضى بالمحلة قتل مهندس زراعى ابنه ومزق جسده خمس قطع وألقاها فى الخارج ثم عاد لينام، وفى شارع أحمد أبو سليمان برمل الإسكندرية تربص تاجر أدوات صحية بصديقه أمام منزله ومعه مسدس، وعندما شاهده بصحبة ابنه قام بإطلاق النار على صديقه ووقف إلى أن تأكد من موته ثم فر هاربا.
***
مدمن فى مدينة الخانكة قتل صديقه طعنا بالسكين وبائع سمك قتل شقيقه فى المرج بسبب الخلاف على الميراث، وشاب فى المرج أيضا قتل ابنة زوجته (3 سنوات) بعد ضربها وتعذيبها بالكى بسكين ملتهبة وظل يركلها بقدمه إلى أن لفظت أنفاسها، الغريب فى هذه القصة أن أم الطفلة اشتركت معه فى دفن جثمانها فى مقبرة بمنطقة المرج الجديدة، وعامل أمن سابق فى امبابة (60 سنة) ضرب زوجته بماسورة على رأسها وتركها جثة هامدة واتصل بابنته المتزوجة فى قليوب وأخبرها أنه قتل أمها وهرب، وفى الفيوم قتل مزارع «حماه» بسبب خلافات مع زوجته بأن استدرجه إلى الحقل وهشّم رأسه بالفأس ثم دفن الجثة فى الحقل.. وبعد فترة نقلها فى جوال ووضعها فى مدخل القرية، وفى التحقيقات تبين أنه قتل حماته بنفس الطريقة ووضعها فى جوال وألقاها فى بحر ابشواى.
وفى قرية المندرة بمركز ديروط قام شاب (18 سنة) بقتل طفلين وهو ابن خالتهما، استدرجهما واحدا بعد الآخر وقام باغتصابهما ثم تخلص منهما بأن فصل رأس أحدهما وخنق الثانى وألقى الجثتين بجوار المقابر بالقرية. وفى دمنهور انهال عامل على زوجته ضربا بالبلطة حتى حطم رأسها وحاول الاعتداء على أمه وبناته الأربع عندما حاولن منعه. وفى مدينة نصر استدرج عاطل (54 سنة) حماته وخنقها بإيشارب وسرق مصوغاتها. سيدة قتلت خالتها وساعدها صديقها لسرقة مصوغاتها، وعاطل فى امبابة (56 سنة) قتل زوجته ليسرق القرط الذهبى و40 جنيها ولم تكن تملك أكثر من ذلك، وفى الساحل بالقاهرة خنق شاب صديقه المُدرس لسرقة محتويات شقته بأن ربط طرف الحبل فى عنق صديقه والطرف الآخر ربطه فى دولاب صغير وظل يجذبه إلى أن لفظ الصديق أنفاسه.
معذرة للإطالة.. ولكنى أردت أن أُبين الحجم الهائل لجرائم العنف وتنوع وسائل القتل واختلاف الأسباب ومعظمها أسباب لم تكن تمثل دافعا للقتل فى السنوات العشرين أو الثلاثين السابقة.. وكل هذه القصص ليست سوى أمثلة ونماذج فقط وليست حصرا شاملا لكل جرائم العنف التى وقعت خلال 6 شهور فقط من عام 2009 مثلاً.
***
يمكن أن نلاحظ عدة ملاحظات:
أولاً: أن جرائم العنف انتشرت ابتداء من العنف اللفظى، إلى الاشتباك بالأيدى والاعتداء بالضرب، إلى القتل العمد أو بدون عمد أثناء المشاجرات، مما يعنى أن هناك عوامل سببت هذا الالتهاب فى المشاعر وفقدان الإحساس بهول قتل إنسان.
ثانياً: أن جرائم القتل ازدادت بصورة ملحوظة بين الأقارب والأزواج المفروض أن تكون بينهم مودة ورحمة، وأيضاً قتل الآباء والأمهات لأبنائهم، وقتل الأبناء لآبائهم وأمهاتهم، وتكرار هذه الجرائم يدعو للتوقف طويلا للبحث عن الأسباب التى يمكن أن تؤدى إلى الجحود وتلبد المشاعر إلى هذا الحد.
ثالثاً: أن المسألة ليست مسألة أمنية فقط، ولا يمكن تركها لسلطات الأمن وحدها ولا بد أن تتحرك مؤسسات المجتمع المسئولة عن التربية وتكوين الوعى وإيقاظ الضمائر، ابتداء من المدرسة التى لم يعد لها تأثير فى تربية التلاميذ (ولا فى تعليمهم) وانتهاء بالتليفزيون الذى جعل مشاهد القتل والعنف مألوفة وأكثر من ذلك فإن التليفزيون يٌعلم من لديه استعداد للعنف، وسائل مختلفة للقتل والسرقة ويحرض الشباب على تناول المخدرات بتصوير جلسات تناولها بصورة مغرية، ولا ننسى مسئولية رجال الدين الذين شغلوا أنفسهم فى السنوات الأخيرة بقضايا إرضاع الكبير، وشرب الصحابة لبول الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحريم قتل البراغيث، ودخول المرحاض بالقدم الشمال وغير ذلك من سفاسف الأمور بدلاً من التركيز على الأخلاق والسلوك.
***
ولابد أن يجند علماء الاجتماع وعلماء النفس وخبراء التربية والإعلام لبحث وتفسير للمتغيرات التى استجدت على المجتمع وأدت إلى هذه الحالة، ولا يكفى أن نرفع الصوت بالاحتجاج والرفض لهذه الظاهرة المقلقة بدلاً من تحليل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى استجدت، والتى يعتبرها بعض العلماء من نتاج المرحلة الانتقالية التى يمر بها المجتمع والتى طالت أكثر مما يجب، وأدت إلى خلل فى القيم الاجتماعية والأخلاقية وأثّرت فى الشخصية المصرية، ولا يجب أن نقلل من آثار الأفكار المتطرفة التى تسللت إلى المجتمع من الخارج وآثار التطور الهائل فى وسائل الاتصال وما يشاهده الناس من أحداث العنف فى نشرات الأخبار والتمثيليات والأفلام حتى أصيبوا بالتبلد وأصبحوا يتناولون عشاءهم وهم يشاهدون أحداث القتل والتدمير والتعذيب الحقيقية مما يؤدى إلى اعتبار العنف من الأمور العادية..
الظاهرة تدعو للقلق، وأرجو ألا نقابلها بالتهوين من شأنها أو بالقول بأن العنف والقتل والجريمة ليست جديدة ولكنها قديمة منذ نشأة البشر وتحدث فى كل المجتمعات وليست عندنا فقط.. لا داعى للهروب من المواجهة أو للتبرير.. ولا داعى للاستهانة بقضية تمس أمن وسلامة واستقرار المجتمع. وتجاهلها جريمة فى حق المستقبل.