أوباما فى مــــرمـــى الـنـيران!
 يبدو أن «شهر العسل» على وشك أن ينتهى بالنسبة للرئيس أوباما،فقد بدأت «الزفة» تتلاشى من حوله، وتوجه إليه النيران من أكثر من اتجاه.. فى الداخل والخارج، وهذا ما يجعله أمام امتحان يحدد مكانه فى التاريخ.. هل يستطيع أن يصمد وينجح فى هذا الامتحان؟ هل يستطيع أن يواصل العمل بحماسته المعروفة لتنفيذ «رؤيته» المسرفة فى التفاؤل فى نشر العدل والحرية والسلام وإعادة ثقة العالم فى أمريكا لتظل فى قيادة العالم؟

فى الداخل واجه أوباما أول صدمة عطلت تنفيذ أحد وعوده الأساسية، حين رفض الكونجرس الموافقة على اعتماد المبالغ اللازمة لإغلاق معتقل جوانتانامو الذى يعتبر وصمة فى جبين أمريكا، وارتفعت أصوات تحذر من إغلاق هذا المعتقل وتدعى أنه أحد الحصون اللازمة لحماية أمريكا والعالم من الإرهاب.ولم  يشعر ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى السابق بالخجل من أن يعلن أن أوباما إذا أغلق معتقل جوانتانامو فسوف يجعل الأمريكيين أكثر عرضة للهجوم وللخطر، ولأن تشينى لا يشعر بالخجل أبدًا فإنه يقود الآن حملة ضد أوباما يدعى خلالها أن أوباما جعل أمريكا أقل أمانًا بعد أن ألغى سياسات مكافحة الإرهاب، وبقراره لإغلاق معتقل جوانتانامو، وبمنعه استخدام التعذيب(ويطلق عليه تشينى تسمية لطيفة فيسمى التعذيب أساليب الاستجواب القاسية) وسوف ينتشر الخطر على أمريكا فى رأى تشينى بسبب قرار أوباما بإغلاق مواقع الاعتقال التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سى. آى. إيه) فى الخارج وهذه المواقع السرية منتشرة فى عدد من الدول التى تحكمها الدكتاتوريات التى كانت تتعاون مع بوش، وكان أشد نقد وُجه إلى أوباما أنه مثل جورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتى، فقد حاول جورباتشوف تغيير الصورة الذهنية عن الشيوعية فى العالم، وحاول وضع أساس جديد للسياسة الخارجية للاتحاد السوفيتى، وانتهى به الأمر إلى تدمير السيوعية نفسها، وانهيار الاتحاد السوفيتى وتفكيك وحدته، وقد فعل ذلك وهو يظن أنه ينفذ خطة لإعادة ترتيب البيت السوفيتى أسماها «بيرسترويكا».. ويدعى خصوم باراك أنه بنفس الطريقة وضع استراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية مختلفة عن جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين.. وهو مثل جورباتشوف يسعى إلى «التغيير» بسرعة مذهلة، ويعمل على تغيير اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية 180 درجة باستعداده لإجراء مباحثات مع الدول التى كان بوش يعتبرها محور الشر (كوبا - إيران - كوريا الشمالية - سوريا) بل إن باراك أعلن عن جولة جديدة من المفاوضات حول الحد من الأسلحة النووية، وإعادة العلاقات مع روسيا بعد أن كانت متوترة فى عهد بوش وأعلن التخلى عن مشروع الدرع  الصاروخية فى وسط أوربا الذى كان بوش مصممًا على تنفيذه وتعتبره روسيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومى.. وكسر «المحرمات» التى أقامها بوش وقام بإجراء مباحثات مع شافيز رئيس فنزويلا الذى كانت إدارة بوش تعتبره العدو والمثير للمشاكل فى أمريكا اللاتينية.. وتدعى الحملة المعادية لأوباما أن سياساته ستنتهى إلى تفكيك الولايات المتحدة وزوال هيبتها كما فعل جورباتشوف!

وهؤلاء الذين يهاجمون أوباما ويدعون أن سياساته ستؤدى إلى انهيار الولايات المتحدة كما فعلت سياسات جورباتشوف وأدت إلى تفكيك وانهيار الاتحاد السوفيتى، يقولون إن تحولاته وقفزاته هذه قد تُفهم على أنها علامة على الضعف، كما حدث مع جورباتشوف الذى فقد «الهيبة» فى نظر شعوب الاتحاد السوفيتى فانتشرت الانقلابات وحركات التمرد والانفصال وتفكك الاتحاد السوفيتى.

طبعاً هذه نظرة مبالغة فى التشاؤم وتحاول أن تنشر الخوف لدى الأمريكيين من سياسات أوباما، وتعطى لتيار المعارضة الذى بدأ يظهر مبررات مختلفة للهجوم عليه.. وربما كان أخطر سلاح يطلقه خصومه عليه هو القول بأنه يريد هدم ما بناه الرؤساء الأمريكيون السابقون فى إقامة علاقة استراتيجية خاصة جدًا مع إسرائيل. وكما ذكرت زميلتنا ثناء يوسف فى رسالتها من أمريكا إلى «الأخبار»، فقد قوبل خطابه فى القاهرة باستنكار ورفض من الجماعات اليهودية الأمريكية التى أصدرت بيانًا رسميًا أشارت فيه إلى أن هذا الخطاب بداية لتحطيم الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، وعلى سبيل المثال فقد استنكرت ليزا تشينى ابنة نائب الرئيس الأمريكى السابق حديث الرئيس أوباما عن معاناة الشعب الفلسطينى فى سياق حديثه عن الهلوكوست ومعاناة اليهود، وهاجم ديك موريس مستشار الرئيس الأمريكى السابق لمجرد ذهابه إلى الشرق الأوسط دون زيارة إسرائيل، وقال إن ذلك أشبه بزيارة أمريكا الشمالية دون التوقف فى الولايات المتحدة. وفى رأيه أن التفسير الوحيد أن أوباما أراد أن يوجه صفعة متعمدة لإسرائيل وأن يعطى إشارة للعالم العربى بأن السياسة الأمريكية الموالية لإسرائيل فى طريقها إلى التغيير، وأن انحياز الولايات المتحدة إلى إسرائيل يمكن مراجعته! وفوق ذلك حاول البعض الإيقاع بين أوباما والمؤسسة العسكرية ومجتمع المخابرات الأمريكية، باتهامه بأنه فى خطابه فى القاهرة أساء إلى العسكريين وإلى المخابرات الأمريكية بإشارته إلى أن الإدارة السابقة ارتكبت أخطاء فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وفى محاولاته كشف عمليات التعذيب وجرائم الحرب التى ارتكبت ضد العراقيين والأفغان والمعتقلين المسلمين.

هكذا بدأ اليمين الأمريكى يوجه أسلحته إلى أوباما بقصد العمل على تكوين رأى عام معارض لتوجهاته الجديدة وتحريض أعضاء الكونجرس عليه بهدف عرقلة مسيرته لتنفيذ وعوده التى اختاره الشعب الأمريكى لتنفيذها! ولا داعى للحديث عن دور جماعات الضغط اليهودية وانصهار إسرائيل فى الكونجرس وفى داخل الإدارة الأمريكية، فهذا الدور معروف.

****

وصل الأمر إلى توجيه النقد إلى أوباما بأن سياساته تؤدى إلى تهديد المصالح الأمريكية. وذكر الكاتب الأمريكى تشارلز كروثمر فى «واشنطن بوست» قائمة طويلة من عمليات الاستفزاز الروسية التى لم تكن تجرؤ عليها فى عهد أى رئيس أمريكى سابق، مثل إعلانها عن تشكيل قوة للرد السريع فى 6 جمهوريات كانت تتبع الاتحاد السوفيتى السابق، وبذلك أعلنت روسيا لأول مرة عن ظهور قوة إقليمية جديدة بقيادتها تضمن لها السيطرة على الحزام المسلم شمال أفغانستان التى تتواجد فيها القوات الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك أعلنت روسيا عن بناء قاعدة بحرية على البحر الأسود، ثم أعلنت عن اعتزامها إقامة نظام روسى للصواريخ إذا أقامت أمريكا نظامًا صاروخيًا فى بولندا وجمهورية التشيك لمواجهة إيران.. ولم تكن تجرؤ على إعلان مثل هذا التحدى من قبل.. ويستمر «كروثمر» فى هجومه على أوباما فيقول: إن تراخى أوباما أمام إيران شجعها على إطلاق أول قمر صناعى محلى الصنع، وفى ذلك إشارة واضحة إلى قدرة إيران على وضع قمر صناعى فى مداره يمكنه ضرب أى قارة بصاروخ بما فى ذلك أمريكا الشمالية.. وفى ظل تراخى سياسة أوباما تقرر إرسال فريق نسائى أمريكى للتنس للعب فى إيران.. ولعل أوباما أراد أن يكرر تجربة نيكسون بدبلوماسية تنس الطاولة مع الصين التى كانت تمهيدًا لتحسين العلاقات الأمريكية الصينية، ولكن إيران أظهرت أنيابها فمنعت الفريق الأمريكى من الدخول، وشجع التراخى فى سياسة أوباما تمادى إيران فى تحدى أمريكا حتى أن وزير الخارجية الإيرانية دعا أوباما إلى «التخلى عن الكيان الصهيونى» قبل قبول دعوة أوباما إلى بدء الحوار بين البلدين. وأخطر من ذلك شجع تراخى أوباما باكستان على إطلاق سراح عبد القدير خان الذى قام ببيع التكنولوجيا إلى كوريا الشمالية وليبيا وإيران، وأخيرًا شجع هذا التراخى قوات طالبان على السيطرة على إقليم سوات فى باكستان. ولم يستطع الجيش الباكستانى استعادة السيطرة عليه إلا بمساعدات أمريكية كبيرة وسقوط العديد من القتلى.

وأخيراً اتهم كروثمر أوباما بأنه «رئيس مبتدئ»، وأنه يقود فريقًا فى مجال السياسة الخارجية لم يتم تنظيمه بعد ويعانى من الارتباك!

***

ولكن الهجوم الأشد على أوباما فهو فى إسرائيل. اليمين المتطرف الإسرائيلى بدأ فى تنظيم حملة تحت شعار «أوباما يكره إسرائيل» ومعاد لها. يتزعم هذا التيار المتشدد «باروخ مارزل» ويقوم النشطاء فى هذا التيار بتوزيع وتعليق ملصقات لصور أوباما يرتدى الشال الفلسطينى ومكتوب عليه «أوباما يكره إسرائيل».. وذكر موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن هذه الملصقات علقت على طول الطريق الرئيسى الأول بين تل أبيب والقدس وحو ل جامعة «بار إيلان» التى ألقى فيها نتنياهو خطابه الذى أعلن فيه معارضته لأوباما لمطالبته إسرائيل بوقف البناء فى المستوطنات، وأعلن التحدى بالاستمرار فى بناء المستوطنات والأسوار التى تحول القرى الفلسطينية إلى زنازين.. ورفع متظاهرون إسرائيليون لافتات مكتوب عليها «أوباما مناهض للسامية.. يكره اليهود» ورفعوا صوراً ملفقة تظهر أوباما وهو يصافح الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد وفى الخلفية تفجير نووى إيرانى! إشارة إلى تساهل أوباما مع المشروع النووى الإيرانى!

***

ولخص الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر الموقف بأن أوباما فى طريقه للتصادم مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إذا استمر رفض الحكومة الإسرائيلية الاستجابة إلى حل الدولتين ووقف المستوطنات، وقال كارتر فى مقابلة مع صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية إن أوباما لن يغير موقفه المؤيد لحل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى على أساس مبدأ الدولتين والمعارض للتوسع الاستيطانى الإسرائيلى. مما يعنى أن احتمال التصادم وارد!.

وحتى فى العالم العربى بدأ البعض يهاجم أوباما لأنه يقوم بحملة علاقات عامة ولا يعمل على تنفيذ سياسة جادة، وأنه يخاطب مشاعر المسلمين ليضحك عليهم ويلهيهم عن رؤية الحقيقة وهى أن سياسات أمريكا لم تتغير وأطماعها الإمبراطورية ستبقى هى هى مع تغيير فى الظاهر وفى لغة الخطاب.

الرجل فى مرمى النيران من كل اتجاه.. وسوف تثبت الأيام مدى قدرته على الصمود والمضى فى تنفيذ سياساته التى أعلنها واعتبر نفسه ملتزماً التزاماً شخصياً بتنفيذها.. وكما يقول المثل: لا تقل سأفعل، ولكن قل فعلت.. ويومها نصفق لك.
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف