هد جيلنا حرب67 وحرب73 وهما في الحقيقة معركتان في حرب واحدة, ومع ذلك فان الفارق بينهما كبير.
بين المعركتين ست سنوات فقط, والجيش الذي خاض المعركتين هو نفس الجيش ومعظم قادة اكتوبر كانوا في مواقع قيادية في يونيو, فما الذي تغير؟
لقد كتب الرئيس الراحل أنور السادات بنفسه يوميات حرب اكتوبر قال فيها ان الحديث عن هزيمة67 يبدأ بيوم الهزيمة, وانما يعود الي السنوات القليلة التي سبقتها, فقد كانت لدينا لجنة تصفية الإقطاع وكانت رمزا للحكم الشمولي, وقال ان هذه الفترة هي التي جعلتني اعلن ـ فيما بعد ـ ان اخطاء الديمقراطية في جيل كامل, لا توازي خطأ الدكتاتورية في يوم واحد!
وان الشعوب بقليل من الطعام وكثير من الحرية تستطيع ان تعمل وتنتج وتسعد بحياتها وقال ايضا: قد يدهش القارئ اذا علم انني كنت في شبابي دكتاتوري النزعة, فقد عشت المدرسة القديمة ايام مصطفي كمال اتاتورك, وهتلر, وموسيليني, ورأيت المعجزات تتحقق تحت حكم الديكتاتورية والأمور تتدهور في ظل الديمقراطيين, وأحمدالله انني لا اتمسك بالخطآ ابدا, ولا يزعجني علي الاطلاق ان اغير رأيي او موقفي فليس عيبا ان تصحح الخطأ ولكن العيب ان تتمسك به وتستمر فيه.. لجنة تصفية الاقطاع ظلمت الكثيرين, واهانتهم, وأذلتهم وكان الانسان المصري ممزقا بين جرحين: جرح الحكم الشمولي الذي سلب الحرية, وجرح لجنة تصفية الاقطاع التي اهدرت كرامة العائلات وأذلت رجال واهانت نساءها.. في الوقت الذي كانت فيه العلاقات المصرية ـ العربية في غاية السوء, وعملية اليمن جعلت مصر ترسل اليها خلاصة قواتها المسلحة ولم تعد تلك القوات الا بعد حرب يونيو, ودخلت مصر حرب يونيو وجانب كبير من قواتنا يبعد آلاف الأميال عن جبهة القتال, وكان عبدالناصر قد اصبح قويا اكثر من القدر المسموح به في نظر السوفييت, وتحول الي اسطورة امام الأمة العربية في عقب تأميم قناة
السويس وحررب السويس, وظن السوفييت ان تقوية عبدالكريم قاسم في العراق يمكن ان تقلل شعبية عبدالناصر ولما خابت توقعاتهم حاولوا مرة اخري مع صلاح جديد في سوريا, وبشروا به زعيما وملهما ومفكرا, ورد صلاح جديد الجميل بأن نشر الماركسية في سوريا, وألغي الألقاب وادخل لقب الرفيق لاول مرة, ويوم طلب عبدالحكيم عامر اغلاق خليج السويس سأله عبدالناصر: هل تعرف ان هذا معناه ان تنشب الحرب لأن اسرائيل لن تسكت رد عبدالحكيم: قواتنا مستعدة ياريس!
يقول السادات في شهادته ان عبدالناصر اعلن اغلاق مضايق تيران يوم22 مايو في عيدالطيران وطلب سحب قوات الامم المتحدة ويضيف: في عصر كل يوم ابتداء من25 مايو كنت اتوجه الي مقر القيادة مع عبدالناصر وعدد من اعضاء مجلس قيادة الثورة لنستمع ونراجع مع عبدالحكيم عامر وباقي القيادات خطط المعركة, ولم نكن نغادر المكان قبل منتصف الليل, وكنا نتناول طعام العشاء في مقر القيادة وعاش العالم علي أعصابه. الرئيس الامريكي جونسون من واشنطن ـ ارسل يقترح التهدئة لالتقاط الانفاس, والروس من موسكو بعثوا يلحون أبعاد شبح الحرب.. وفي اول يونيو اعلن في تل ابيب تشكيل حكومة ائتلافية اي حكومة حرب.
يقول السادات هناك شيء اقوله للتاريخ وللحق وهناك شهود عليه, ففي مساء الجمعة2 يونيو67 اجتمعنا في مقر القيادة وشارك في هذا الاجتماع جميع قادة القوات المسلحة, وصدق عبدالناصر بصفته رئيس الجمهورية علي الخطة العسكرية النهائية ثم وجه حديثه الي قائد سلاح الطيران قائلا: الضربة الاولي ستكون ضد طيراننا فرد عليه قائد الطيران بسرعة: ونحن نتوقع ذلك ياسيادة الرئيس واعددنا خطتنا بناء علي ذلك وسأل عبدالناصر: هل قدرتم حجم خسائرنا في الضربة الاولي فرد قائد السلاح: لن تزيد علي10% باي حال ثم نظر عبدالناصر الي جميع القادة وقال لهم: نحن اليوم مساء الجمعة, وبالامس شكلت حكومة ائتلافية في اسرائيل فاذا نشبت الحرب وان يوم الاثنين هو اقصي موعد لها ويقول السادات: كأن عبدالناصر كان يقرأ في كتاب مفتوح فقد نشبت الحرب بالفعل صباح الاثنين ويقول ايضا:اشهد امام الله وامام الناس ان الخطة التي اتفق عليها وأمر عبدالناصر بتنفيذها لم تنفذ, واحدث البعض الكثير من التغيرات والتعديلات مما ابعدها كثيرا عن الخطة الاصلية, وهذه التعديلات هي المسئولة عن سقوط العريش في اول يوم, وسقوط العريش كان يعني انتهاء الحرب لمصلحة العدو, لانها كانت القاعدة الثابتة لقواتنا وتتكدس فيها احتياجات وتموين وذخيرة القوات, ويقول السادات: في يوم5 يونيو دخلت علي عبدالحكيم عامر في مقر القيادة فوجدته واقفا ونظراته زائغة ووجدت اثنين من اعضاء مجلس قيادة الثورة قالوا لي إن اسرائيل كررت ما فعلته عام56 وضربوا سلاحنا الجوي بالكامل يقول السادات: جلست وانا مذهول.. قائد الطيران في56 هو ذاته قائد الطيران في67 والاهرام نشر يوم3 يونيو خبرا من لندن تناقلته وكالات الانباء يقول إن الحرب ستنشب بين يوم وآخر وان اسرائيل ستوجه ضربتها الي السلاح الجوي المصري قبل ان تبدأ اي معركة أخري.
هكذا نري ان حرب اكتوبر وتحليل أسباب النصر فيها لابد أن يبدأ بتحليل لأسباب هزيمة67 لأن المناخ والفكر وأسلوب العمل اختلف وظهرت حقيقة مصر في اكتوبر وليس في يونيو.