بعد العاصفة

في اليوم التالي لأحداث يوم الثلاثاء الأسود في امريكا قدمت القناة الرابعة للتليفزيون البريطاني بي‏.‏بي‏.‏سي ندوة استغرقت اكثر من ساعتين شارك فيها عدد من الخبراء في الاستراتيجية والسياسة مع جمهور كبير يمثل المجتمع البريطاني‏,‏ وطرحت فيها ثلاثة اسئلة شارك المشاهدون في بيوتهم ـ بالآلاف ـ في الادلاء بأرائهم فيها‏,‏ وعكست هذه الندوة حقائق مهمة عما يشغل تفكير البريطانيين والغرب عموما‏.‏

كان السؤال الاول هو‏:‏ هل ماحدث في نيويورك وواشنطن هو فعل حرب علي امريكا وعلي الديمقراطية وعلي الحضارة الغربية كما اعلن الرئيس الامريكي بوش؟ وفي آخر الحلقة ظهر ان‏70%‏ من الجمهور داخل وخارج الندوة قالوا‏:‏ إن هذه حرب‏,‏ ويجب الرد عليها بالحرب‏,‏ بينما قال‏30%‏ ان هذه ليست حربا ولكنها جريمة من جرائم الارهاب المنتشر في العالم‏,‏ ولكنها تدل علي ان الارهاب ازداد خطورة وبدأ في اتخاذ وسائل جديدة بلغت حدا من البشاعة لم تكن تخطر علي فكر احد‏,‏ واجمع الخبراء والمحللون في الندوة علي انه ليس من الصواب اعتبارها حربا‏,‏ وإعلان الحرب علي دول وشعوب للرد عليها‏,‏ ولابد من اتخاذ الطرق الصحيحة والديمقراطية في التحقيقات لتحديد الفاعل وانزال اشد العقاب عليه وعلي من ساعده باي صورة من صور المساعدة‏.‏


ولكن موضوع الحرب له جانب آخر‏,‏ غير الجانب العسكري‏,‏ والسياسي‏,‏ وهو ان الحرب هي الوسيلة الآن لتنشيط الاقتصاد الامريكي بعد انتهاء العاصفة‏.‏ قبل هذه الجريمة كان الاقتصاد الامريكي قد بدأ يتراجع‏,‏ وكانت الادارة الامريكية مشغولة باتخاذ اجراءات لمواجهة التباطؤ في النمو الاقتصادي والركود الذي بدأ في الاسواق‏,‏ ثم جاءت هذه المأساة لتسبب خسائر مالية بلغت مئات المليارات‏,‏ ومن الصعب الآن حساب الخسائر التي تحملها الاقتصاد الامريكي والتعويضات عن الارواح والمباني وخسائر شركات الطيران التي بلغت‏7‏ ملايين دولار يوميا واضطرت شركة بوينج علي سبيل المثال الي الاستغناء عن‏30‏ الف عامل وشركة امريكان ايرلاين للاستغناء عن‏20‏ الف عامل‏.‏ وهكذا‏..‏ بخلاف خسائر توقف بورصة نيويورك والنشاط المالي والتجاري عموما اسبوعا كاملا وخسائر البنوك والشركات التي كان مقرها الرئيسي في مركز التجارة العالمي‏,‏ الذي انهار وفقدت الكثير من الاموال والوثائق والمعلومات مما يصعب حصره‏,‏ ويكفي ان نعرف ان بنك مورجان ستانلي وحده في مركز التجارة كان يعمل فيه‏3500‏ موظف وخبير من اكبر خبراء المال في العالم حتي ان دخل بعضهم كان يصل الي‏10‏ ملايين دولار سنويا‏,‏ وأصول هذا البنك تصل الي تريليون دولار ويتعامل مع الدول والمستثمرين في جميع انحاء العالم‏,‏ وكان مقره الذي يشغل عشرين دورا من ادوار مبني البرج الجنوبي الذي انهار وقد سجلت عدسات المصورين لقطات لبعض العاملين فيه وهم يلقون انفسهم من الدور الرابع والسبعين‏..!‏


المهم ان المأساة لها جانب انساني في منتهي البشاعة ولها ايضا جانب اقتصادي يمكن ان تكون لهاتأثيرات سلبية علي الاقتصاد الامريكي‏..‏ لذلك فان الحرب هي افضل وسيلة لتنشيط الاقتصاد الامريكي‏..‏ فصناعة وتجارة السلاح هي كبري الصناعات المؤثرة في الاقتصاد الامريكي والحرب واستعدادات الحرب من آثارها زيادة الطلب علي السلاح‏..‏ وعلي احتياجات القوات ومااكثرها‏,‏ وستؤدي الي تنشيط كل الصناعات تقريبا‏..‏ ابتداء من صناعات الملابس والاحذية الي الشيكولاته واللبان والبيرة والكوكاكولا‏..‏ وتنشط حتي مصانع انتاج الهدايا التي تقدمها الاسر والزوجات الي الجنود الراحلين علي متن حاملات الطائرات وفي القواعد العسكرية المنتشرة في العالم‏..‏ وكما كانت حرب الخليج اهم عوامل تنشيط الاقتصاد الامريكي‏,‏ فان التفكير في واشنطن الآن يتجه الاتجاه نفسه‏.‏

مع فارق‏,‏ هو ان الفاتورة في حرب الخليج دفعتها دول الخليج‏,‏ ولا احد يعرف من الذي سيدفع فاتورة هذه الحرب‏..‏ ولكن حتي اذا دفعتها امريكا ذاتها فسوق تكون النتيجة تفادي حدوث ازمة اقتصادية وتحقيق انتعاش اقتصادي يحافظ علي قوة الاقتصاد الامريكي وهو اقوي اقتصاد في العالم دون شك‏.‏


وكان السؤال الثاني هو‏:‏ هل يمكن ان يصل هذا الارهاب الي بريطانيا؟ وكانت الاجابات تعكس مشاعر خوف كبيرمن ان تكون في بريطانيا اهداف تمثل اغراء للارهاب لا يقل عن اهدافه في الولايات المتحدة‏,‏ وقيل انه اذا كان الارهاب قد ضرب هناك لأسباب سياسية في الشرق الاوسط؟ فان هذه الاسباب قائمة لارتباط السياسة البريطانية بالسياسة الامريكية‏,‏ وأظهر التليفزيون ابوحمزة المصري ليؤكد ان المنظمات الاسلامية تعلن استنكارها للهجوم الذي حدث في امريكا وبراءتها منه‏,‏ وان كانت اجراءات الامن المشددة في كل مكان في بريطانيا تعكس شعورا بالتوتر والترقب‏,‏ كما ان رئيس الوزراء توني بلير يقوم بنشاط كبير لكسب الجاليات الاسلامية في بريطانيا‏,‏ وتهدئة مشاعر البريطانيين‏,‏ والتخفيف من مشاعر الكراهية تجاه الاسلام والمسلمين وكان موقف توني بلير واضحا في تصريحاته منذ اللحظة الاولي واكدها بوضوح وبقوة في الجلسة الطارئة لمجلس العموم الذي استدعي من الإجازة لبحث الموقف بعد الهجوم الارهابي في امريكا وكرر بلير ان الاسلام ليس دين الارهاب بل علي العكس هو دين الرحمة والتسامح والمحبة وان المسلمين ليسوا ارهابيين‏,‏ وقد اعلنت الجماعات الاسلامية كما اعلن المجلس الاسلامي استنكار احداث الارهاب في امريكا‏.‏


وهذا ماجعل السؤال الثالث الذي طال الحوار حوله في ندوة التليفزيون البريطاني ثم في برامج اخري بعد ذلك يدور حول‏:‏ هل الاسلام هو عقيدة الشيطان‏..‏ هل هو دين الإرهاب والاعتداء علي المخالفين له‏..‏ هل العنف جزء من مبادئه وروحه‏..‏ هل الجهاد معناه قتل كل من يخالفه‏..‏؟

ولحسن الحظ ان الاتجاه الغالب في الراي العام كان رافضا للربط بين الاسلام والارهاب ومؤيدا لفكرة ان الاسلام دين سلام وتعاون بين البشر ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا‏..‏ ومن يقول بان الاسلام دين عدواني لايفهم الاسلام علي حقيقته‏..‏ هذا المعني ايضا كررة ولي العهد الامير تشارلز في برنامج آخر في التليفزيون البريطاني‏..‏ ولكن كانت هناك اتجاهات اخري تري العكس‏.‏


مثل هذه الموضوعات التي تشغل عقول المواطنين في اوروبا وامريكا لابد ان تجد اجابات مصرية وعربية‏,‏ ليس باللغة العربية ولكن باللغات التي يفهمها مواطنو كل دولة‏,‏ لابد ان نخاطب العالم الآن وفورا ولا نترك الساحة للاعلام الصهيوني الذي انتهز الفرصة لتشوية صورة العرب والمسلمين والاسلام‏,‏ وليحشد الرأي العام في دول العالم ضدهم‏,‏ وهذا موضوع يستحق ان نكرر الحديث فيه الي ان نبدأ العمل كما يجب‏..

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف