الأمان الاجتماعى

في العام الماضي ناقش مجلس الشعب تقريرا اعدته لجنة برئاسة الدكتورة آمال عثمان عن التنمية الاجتماعية‏,‏ وآثار هذا التقرير اهتمام الرأي والحكومة لانه كشف عن حقائق لم تكن ظاهرة بمثل هذا الوضوح‏.‏

فقد اشار التقرير الي أن‏48%‏ من اجمالي عدد السكان يقعون تحت خط الفقر‏,‏ ويصنف الفقراء الي ثلاث مستويات‏,‏ فقراء معتدلون متوسط انفاق الفرد‏814‏ الي‏1098‏ جنيها سنويا ونسبتهم‏25,1%‏ من عدد السكان‏,‏ أي ما يمثل‏14,9‏ مليون نسمة‏,‏ وفقراء بدرجة متوسط وانفاق الفرد بين‏594‏ و‏814‏ جنيها في السنة ويمثلون‏15,5%‏ من عدد السكان أي نحو‏9,2‏ مليون نسمة‏,‏ ثم فقراء مدقعون متوسط الانفاق للفرد أقل من‏594‏ جنيها في السنة أي أقل من‏50‏ جنيها في الشهر وهؤلاء نسبتهم‏7,4%‏ وعددهم‏4,4‏ مليون تقريبا‏,‏ واستنتج التقرير أن ربع سكان مصر علي الأقل فقراء وان ربعا آخر علي هامش خط الفقر‏.‏


وكان هذا التقرير جرس انذار دفع الحكومة الي وضع استراتيجية لعلاج مشكلتي الفقر والبطالة‏,‏ وتحسين نوعية الحياة وبخاصة في العشوائيات والصعيد‏,‏ وأعلنت الحكومة في مجلس الشعب عند مناقشة هذا التقرير انها مدركة لأهمية العدالة الاجتماعية لان غيابها يؤدي الي تفكك المجتمع والي ظهور علامات الانقسام الطبقي‏,‏ فضلا عن ان التنمية الاجتماعية هدف لا يقل أهمية عن التنمية الاقتصادية وكلاهما مرتبط بالأمن القومي والسلام الاجتماعي‏,‏ وأعلنت الحكومة أيضا انها تضع في استراتيجيتها ان غياب الأمان الاجتماعي هو المناخ الطبيعي للعنف والجريمة‏,‏ وان الانتماء لا يتحقق في غياب احساس الفرد بأن المجتمع لا يقدم له الرعاية الكافية‏,‏ ولا يوفر له الحد الأدني من ضروريات الحياة‏.‏

وقد وعدت الحكومة بمراجعة خطط ومشروعات الشئون الاجتماعية والصندوق الاجتماعي‏,‏ وستعيد النظر في نظم التأمينات الحالية لتوسع نطاقها حتي تشمل فئات جديدة من المحرومين من حماية شبكات الأمان الاجتماعي‏,‏ وعدت الحكومة أيضا بزيادة المخصصات لتطوير القرية حتي لا تظل طاردة لأبنائها الباحثين عن عمل في العاصمة بما يؤدي اليه ذلك من مشاكل اجتماعية وأمنية ويزيد تعقيد مشكلة العشوائيات‏.‏


وللانصاف‏,‏ فقد بدأت الحكومة العمل لتنفيذ هذه الاستراتيجية ببرنامج لتطوير‏132‏ مركز تدريب لتحويل العمال العاديين الي عمال مهرة تحتاجهم سوق العمل ويحصلون علي أحور مرتفعة‏..‏ وانشيء مركز لاعداد متخصصين في تكنولوجيا المعلومات وبرامج الكمبيوتر‏,‏ الي جانب برنامج دعم صغار المنتجين وصغار رجال الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة‏,‏ وان كانت هذه البرامج تحتاج الي انضباط ورقابة دقيقة‏.‏

وللانصاف أيضا فان التركيز علي الاستيعاب الكامل لكل الأطفال في سن التعليم الاساسي والحد من المتسربين من التعليم له مردود كبير في الاعداد لسوق العمل‏,‏ كما أن المشروعات الجادة التي تشرف عليها السيدة سوزان مبارك تحقق انجازات حقيقية يلمسها الجميع سواء في اسكان الشباب‏,‏ أو رعاية الاطفال‏,‏ ولكبار السن‏,‏ والنساء اللاتي يتحملن اعالة الأسرة‏,‏ وسكان العشوائيات‏,‏ واطفال الشوارع‏..‏ كل هذه المشروعات هي التي تمثل شبكات الأمان الاجتماعي‏..‏ وهدفها ليس تقديم مساعدات مباشرة دائمة‏,‏ بل رفع قدرة المستفيدين وتمكينهم من الاستقلال ومساعدة أنفسهم والعيش من عمل أيديهم‏.‏


ومازالت هناك خطوات كثيرة يجب أن نسارع بها لتدارك مشكلة الفقر المتراكمة منذ عشرات السنين‏..‏ مشروعات المساعدات اللتي كانتتقدمها الشئون ااجتماعية انخفضت مشروع معونة الشتاء لم تعد له فاعلية‏..‏ الوعد بزيادة اعانات الضمان الاجتماعي لم يتحقق‏..‏ مشروعات رعاية الفقراء الحكومية والاهلية ليس لها اطار أو هيئة تدير وتنسق وتمنع التكرار القائم في خدمات معينة‏,‏ وعدم وجود خدمات أخري‏,‏ وقد ظهرت ضرورة انشاء جهاز واحد متخصص ومتحرر من القيود الحكومية ولا يخضع لوزارة أو لادارة الموظفين ولوائحهم البيروقراطية‏,‏ ليقوم بالتنسيق بين الجهات الحكومة والأهلية ويحاسبها علي ما تحقق ومالم يتحقق من أهدافها‏..‏ كما ظهرت الحاجة الي زيادة معونات وزارة الشئون الاجتماعية لان هناك‏770‏ ألف أسرة من أفقر الفقراء علي حد تعبير تقرير مجلس الشعب‏,‏ وهؤلاء لا يقل احتياجهم عن‏340‏ مليون جنيه شهريا أي ما يزيد علي أربعة مليارات جنيه سنويا‏,‏ وهنا لابد أن نفكر جديا في تنفيذ مشروع لجمع الزكاة‏,‏ وتنشيط المشاركة الشعبية‏,‏ لان مكافحة الفقر في كل دول العالم تعتمد علي التمويل الحكومي والشعبي بل إن دور الشركات والأفراد والجمعيات في الدول المتقدمة هو الدور الأكبر في هذا المجال‏.‏ لان رعاية الفقراء حماية لهم وحماية للأغنياء أيضا‏,‏ وحماية للمجتمع كله‏.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف