الحرية الدينية فى أمريكا

في مقال نشره الرئيس الأمريكي الاسبق رونالد ريجان في يونيو عام‏1986‏ في مجلة Paraole روي أن والده كان يعمل بائعا متجولا لبيع الأحذية‏,‏ وفي ليلة شتاء ممطرة اضطر للتوقف في فندق في احدي القري‏,‏ واراد صاحب الفندق أن يطمئنه فقال له‏:‏ اننا لا نسمح ليهودي بالاقامة عندنا‏.‏

روي ريجان هذه الواقعة ليقول ان والده رفض نزعة التعصب الديني لدي صاحب الفندق‏,‏ ولكنه في نفس الوقت كشف حقيقة راسخة وعميقة الجذور في المجتمع الأمريكي بحكم تاريخه وتكوينه‏..‏ وهي ظاهرة التعصب و عدم التسامح الديني‏..‏ وتضاف هذه النزعة إلي جانب التعصب ضد الزنوج والملونين عموما‏..‏ وإن كانت هناك محاولات كثيرة لاظهار عكس هذه الحقيقة‏,‏ فهي محاولات مصطنعة لدوافع سياسية‏,‏ ولا تعدو أن تكون واجهة أو غطاء براقا لاخفاء هذه الحقيقة الراسخة‏..‏ وإن كان الانحياز لليهود الآن واضحا سواء في نفوذهم في الكونجرس‏,‏ أو المؤسسات المالية والاعلامية‏,‏ بل وفي البيت الأبيض أيضا‏,‏ فإن لذلك اسبابا ترجع إلي قوة نفوذ اللوبي اليهود في دوائر التأثير علي الرأي العام وعلي دوائر صنع القرار‏,‏ ودور اللوبي اليهودي في انتخابات الرئاسة والكونجرس وحكام ومجالس الولايات‏.‏


أما الذي يظهر بوضوح وبقوة فهو العداء للاسلام والمسلمين‏,‏ والشواهد تفوق الحصر منذ مائة عام وحتي اليوم‏..‏ في الصحافة‏,‏ ودراسات مراكز البحوث‏,‏ وتقارير لجان الكونجرس‏,‏ وقرارات الادارة الأمريكية المتعاقبة من الجمهوريين والديمقراطيين علي السواء‏..‏ كما تظهر هذه الروح بوضوح اكبر في نشاط جماعات الضغط‏.‏

في هذا السياق يمكن ان نفهم روح العداء السائدة في الاعلام الأمريكي التي تبدو لنا غير مبررة لكل الدول العربية والاسلامية دون تفرقة‏..‏ واصطياد أي واقعة لتحويلها إلي دليل يرسخ الفترة السائدة عن تخلف ورجعية وجمود الاسلام والمسلمين‏..‏ ويمكن أن نقرأ ذلك بين السطور في المقالات الغربية التي تهاجم كل ما يقوله وكل ما يفعله المسلمون‏.‏


وفي الأدب والافلام‏,‏ كما في الكتب المدرسية المقررة علي التلاميذ في مادة التاريخ‏,‏ وأيضا في المسلسلات والبرامج الهزلية‏,‏ يظهر المسلمون دائما علي انهم رموز للتخلف الحضاري والعقلي والثقافي‏..‏ بدو‏..‏ يعيشون في خيام في الصحراء‏..‏ يركبون الجمال‏..‏ وليست لهم غاية في الحياة‏..‏ الا الطعام والجنس‏..‏ وفكرهم كله يدور حول المرأة والسيطرة عليها وليس لها عندهم من دور الا ان تكون وسيلة للمتعة‏..‏ وهم في النهاية ليسوا الا موردي نفط‏..‏ وارهابيين بحكم طبيعتهم وعقيدتهم‏..‏ وغوغاء لا يفكرون تفكيرا منطقيا ولا يؤمنون بقيمة العمل والعقل‏..‏ وفيهم غلظة وقسوة‏..‏ ومتعطشين للدماء‏..‏ اما الاكاديميون فانهم يتناولون الاسلام في اطار ايديولوجي متميز ضد كل ما يمت له بصلة‏.‏

والامثلة والشواهد والوقائع علي ذلك كثيرة‏..‏ وهناك عشرات الكتب التي تخصصت في دراسة هذه الحقيقة الأمريكية‏,‏ اشهرها كتاب الدكتور ادوارد سعيد تغطية الاسلام ومن الأمثلة العديدة التي اوردها ما قاله الباحث الأمريكي ف‏.‏ س‏.‏ نيبول في مقابلة صحفية نشرتها مجلة نيوزويك وتحدث فيها عن كتاب له تناول فيه العقيدة الاسلامية فقال‏:‏ إن المبادئ الاساسية للاسلام خالية من المضمون الفكري‏,‏ ولذلك فلابد أن ينهار‏..!‏


ومع المقالات اليومية التي تتحدث عن غياب الحرية الدينية في بلاد المسلمين وتحرض علي فرض العقوبات عليهم لذلك‏,‏ لا تنشر الصحف الأمريكية الا نادرا اشارات إلي التعصب الديني وانعدام الحرية الدينية في إسرائيل‏,‏ وذلك لاسباب سياسية وليس لاسباب عقائدية‏,‏ وإن كانت تتناول بالنقد احيانا تناولا خفيفا جماعة إسرائيلية واحدة هي جماعة جويش ايمونيم المتطرفة دينيا‏,‏ رغم وجود عشرات الجماعات التي لا تقل تطرفا عنها‏..‏ بينما يتكرر الحديث عن إسرائيل معقل الحضارة الغربية في الصحراء الإسلامية‏..‏ حتي ليبدو ان في الولايات المتحدة جهازا كاملا للإعلام وصنع السياسات مهمته نشر المخاوف من الاسلام علي انه التهديد الاساسي للديمقراطية وللحضارة الغربية‏,‏ وباعتباره المصدر الأساسي للاضطرابات والارهاب‏..!‏

وتحليل مضمون المقالات والاخبار التي تنشرها صحيفة مثل نيويورك تايمز أو واشنطن بوست وهما من الصحف القريبة من البيت الأبيض والمخابرات المركزية‏(‏ سي‏.‏ اي‏.‏ ايه‏)‏ يصل بنا الي انها تفسر الاحداث في الدول الاسلامية بالاحالة إلي الاسلام ذاته علي انه يمثل قوة ضاغطة تهدد الغرب‏..‏ ونجد ان هذه المواد الصحفية ـ مثلا ـ تتعمد تلوين الاخبار‏,‏ ولي الوقائع‏,‏ والتلاعب بالألفاظ للتأثير علي مشاعر القارئ‏,.‏ لتصوير الشعب الفلسطيني علي أنه شعب عدواني وارهابي‏..‏ وتصوير القادة الفلسطينيين‏,‏ وهم قادة مقاومة شعبية ضد الاحتلال وتسعي لتحرير الأرض من الاعتداء الواقع عليها‏,‏ وترفض الاعتداء علي المقدسات الدينية‏..‏ تصور ذلك علي انه عداء ديني من المسلمين ضد اليهود‏..‏ بينما هو في حقيقته عداء من الإسرائيليين ضد الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين‏..‏ يفهمه العرب علي أنه صراع سياسي‏..‏ ويفهمه الإسرائيليون علي انه عداء ديني‏..‏ ويريدون ان يحولوا هذا الصراع إلي حرب دينية‏..‏ والإعلام الأمريكي بكل جهده يخفي هذه الحقيقة ويروج الأكاذيب الزائفة‏..‏ ويظن الأمريكيون ـ لفرط ثقتهم في ذكائهم وغباء الآخرين ـ ان العرب والمسلمين لا يعلمون ان المخابرات المركزية الأمريكية تستخدم أعدادا من الصحفيين المنتشرين في مختلف الدول لجمع المعلومات‏..‏ وكتابة تقارير صحفية تروج لأفكار معينة‏,‏ وتستخدم اعدادا من كتاب المقالات والأعمدة للتأثير علي الرأي العام في الداخل‏,‏ وعلي متخذي القرار وقادة الرأي العام‏.‏


ومن الظواهر الملحوظة في المجتمع الأمريكي الآن نتيجه التعصب الخفي ضد الاسلام‏,‏ ان كثيرا من الأسر المسلمة تحتار لابنائها اسماء غير اسلامية‏,‏ لكيلا يتعرضوا للمضايقات في المدارس من زملائهم واساتذتهم‏,‏ ولكيلا يتعرضوا للاضطهاد في المجتمع بعد ذلك‏..‏

والحديث عن غياب الحرية الدينية في أمريكا يطول‏..‏ بالرغم من انها اكثر واقوي دول العالم دفاعا عن الحرية الدينية لاغراض سياسية لم تعد خافية‏.‏

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف