جذور العنصرية الإسرائيلية

أثارت صلوات الحاخام الإسرائيلي عوفاديا يوسف غضب العرب في كل مكان‏..‏ فقد تضمنت صلواته عبارات تدل علي العداء الشديد والكراهية التي لاحدود لها للعرب عموما‏,‏ وللفلسطينيين خصوصا‏..‏ ولأسباب كثيرة لايمكن ان تمر عبارات وفتاوي الحاخام دون وقفة لفهم ابعادها واعماقها ودلالاتها‏.‏

فالحاخام عوفاديا يوسف زعيم روحي كبير في اسرائيل‏..‏ وهو القيادة الروحية لحزب شاس وهو من أكبر الأحزاب شعبية بعد الليكود والعمل ويشارك في الحكومة وله مقاعد في الكنيست مؤثرة في القرار وفي السياسات‏..‏ وهو يكرر في مواعظه بعد الصلوات ان العرب مثل القطط لا يستحقون الرحمة ولا الشفقة وان الله نادم علي أن خلقهم‏..‏ وانه يجب قتلهم‏..‏ وهكذا‏..‏

وكالعادة صدرت بعض تصريحات للاستهلاك المحلي في العالم العربي تقلل من شأن الحاخام الأكبر ومن أقواله‏,‏ ولكن القضية أكبر من ذلك‏,‏ والمتتبع للادب الإسرائيلي‏,‏ ولما تنشره الصحافة الإسرائيلية‏,‏ ومايصدر عن القادة والسياسيين‏,‏ يلمس إلي أي مدي تغلغلت روح العداء للعرب في اسرائيل‏..‏ وكالعادة فانهم يلصقون التهمة بالعرب بادعاء ان العرب يعادون اسرائيل والإسرائيليين‏..‏ ويعادون اليهود واليهودية‏..‏ وان العرب فيهم نزعة للعداء ضد السامية‏..‏ وهذه هي التهم الجاهزة التي يلصقونها بكل من يختلف معهم أو يعارض سياسات وممارسات القمع والاغتصاب ويطالب بحقوق العرب في أوطانهم‏.‏


وتهمة العداء للسامية تكتسب كل يوم معاني جديدة‏..‏ بدأت بمفهوم العداء للجنس السامي من أبناء الجنس الآري‏(‏ الاوروبي‏)‏ ولكن عندما بدأ الصراع الإسرائيلي لاغتصاب الأراضي العربية تغير المفهوم وأصبح وسيلة لتخويف وابتزاز العرب بادعاء أنهم أعداء لليهود لأنهم يهود وأعداء للديانة اليهودية‏..‏ وكل المفكرين اليهود يعلمون علم اليقين ان جوهر الدين الاسلامي قائم علي الاعتراف بالديانات السماوية السابقة عليه‏,‏ وجميع الأنبياء لهم لدي المسلمين منزلة التوقير والتسليم بمكانتهم ورسالتهم‏..‏ ولذلك فإن الاسلام في حقيقته دعوة لنبذ العنصرية والتعصب ودعوة للتسامح والايمان بأن جميع الديانات جاءت من مصدر واحد‏,‏ ولهدف واحد‏,‏ والاختلاف بين الناس لحكمة أرادها الله‏,‏ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة‏.‏

وفي السبعينيات أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا برقم‏3379‏ باعتبار الصهيونية نزعة عنصرية‏,‏ واعتبار اسرائيل دولة عنصرية‏,‏ وان كانت الضغوط الإسرائيلية والأمريكية قد نجحت في الغاء القرار منذ سنوات‏,‏ إلا أن القرار لايزال له تأثيره لأنه يعبر عن الاجماع الدولي تجاه السياسة العنصرية التي تتبعها اسرائيل منذ نشأتها وحتي اليوم‏..‏ بالرغم من عدم صحة النظرية التي تقول إن اليهود كلهم في جميع انحاء العالم عنصر واحد وإنهم عرق واحد‏,‏ لأن اليهود انتشروا في كل انحاء العالم‏,‏ واختلطوا بالشعوب ولهم ثقافات متعددة‏..‏ واليهودي العربي أقرب إلي المسلم العربي منه إلي اليهودي الانجلو سكسوني‏..‏ ومازلت أذكر أني قابلت سيدة يهودية هاجرت مع أسرتها من لبنان لتعيش في إسرائيل وقالت لي إنها حتي الآن تعيش حياة لبنانية‏..‏ وتسمع الأغاني والموسيقي اللبنانية وتطرب لأم كلثوم وعبد الوهاب وتكره موسيقي الجاز والبوب التي جاءت مع يهود الغرب‏..‏ وكانت تشكو من التمييز العنصري الذي يمارسه اليهود الغربيون علي اليهود الشرقيين واعترفت بأنها تشعر بالغربة في اسرائيل وتتمني أن تعود مع أبنائها إلي لبنان وإلي أصدقائها وجيرانها الطيبين هناك‏.‏ فكأن التمييز العنصري في اسرائيل ليس موجها من اليهود ضد غير اليهود‏..‏ ولكنه موجه من اليهود ضد اليهود ايضا‏..‏ وهذا التمييز غير المعلن هو الذي يجعل المجتمع الإسرائيلي لايشعر بالأمان أو بالاستقرار وان كان يوجه الاتهام دائما إلي العرب كوسيلة سيكولوجية لاسقاط المشاعر العدائية علي الآخر والصاقها به لتبرئة النفس‏.‏


ولا نستطيع فهم الممارسات الإسرائيلية الحالية الا بالعودة إلي الجذور‏,‏ فالعقيدة الصهيونية كانت ومازالت وستظل المحرك لكل مافعلته وماتفعله اسرائيل اليوم وغدا فان هرتزل وخلفاءه وضعوا اسس العقيدة الصهيونية علي أربعة مباديء‏:‏

المبدأ الأول‏:‏ ــ لايستطيع اليهود بفطرتهم‏(‏ بحكم العنصر أو الجنس‏)‏ ان يعيشوا في وئام مع غير اليهود لأن المجتمعات غير اليهودية ضد السامية وغير قابلة للتغيير‏.‏

المبدأ الثاني‏:‏ لكي يحافظ اليهود علي أنفسهم لابد ان يعيشوا معا‏.‏


والمبدأ الثالث‏:‏ أن العناصر غير اليهودية يجب ان تستبعد من الدولة اليهودية‏,‏ أو ان تعيش منعزلة بعيدا عن المستوطنين اليهود بحيث تفصل بين الجانبين حواجز قانونية وسيكولوجية‏..‏

المبدأ الرابع‏:‏ ان انشاء الدولة اليهودية يتطلب تعاون عناصر غير يهودية مثل اللاساميين الذين يشجعون هجرة اليهود من بلادهم‏,‏ ومثل الدولة الكبري التي تحمي الدولة اليهودية وتعوض قلة عددهم فيها‏,‏ وهذا مايفسر توجه هرتزل إلي روسيا‏,‏ والمانيا‏,‏ والامبراطورية العثمانية طلبا لأن تتبني واحدة منها المشروع الصهيوني لانشاء دولة‏..‏ واستمرت نظرية هرتزل وانتقل الجهد إلي بريطانيا حين كانت هي الامبراطورية التي لاتغرب عنها الشمس‏..‏ ثم إلي الولايات المتحدة أخيرا حين أصبحت القوة المهيمنة علي اقدار العالم‏.‏


والخلاصة ان عداء كثير من الاسرائيليين للفلسطينيين وللعرب نابع من ايديولوجية وعقيدة قديمة‏..‏ اما الادعاء بأن العرب فيهم عداء للسامية فهذه قمة المغالطة لأن الاسرائيليين يعلمون جيدا ان العرب ساميون ولايمكن ان يكونوا أعداء أنفسهم‏..‏ وان كانت هذه التهمة تصلح لابتزاز الاوروبيين والامريكيين فهو سلاح فاسد لايمكن ان يرهب العرب‏..‏ ولايمكن ان يصدقهم في هذا الادعاء الا من يريد معاداة العرب بالباطل‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف