معادلة شارون المستحيلة

النار والدمار في الأرض الفلسطينة والقتل العشوائي للمدنيين الفلسطينيين ليس الا محاولة من شارون لاثبات قدرته علي النجاح بالقوة فيما فشل فيه غيره بالمفاوضات بالوصول إلي حل للمعادلة المستحيلة التي التزم بها في حملته الانتخابية وهي تحقيق السلام والأمن لإسرائيل والاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال‏,‏ بما في ذلك القدس والضغط علي جميع الأطراف بالاهاب و تصعيد التوتر إلي نقطة الانفجار‏,‏ لكي يستسلم الجميع لكل ما يفرضه من شروط وحلول‏.‏

هذه المعادلة‏:‏ السلام والأمن‏,‏ واستمرار احتلال الأرض‏,‏ وقبول العرب لذلك‏,‏ هي بالفعل معادلة مستحيلة‏,‏ ولم يحدث في تاريخ النزاعات الدولية أن تحقق السلم علي اساسها‏,‏ وشارون فيما يبدو يحلم بهذا السلام المستحيل‏,‏ او يتصور ان الوصول إلي انتصار مؤقت‏,‏ أو تجميد الأوضاع وتأجيل الحل‏,‏ يمكن أن يعطيه فرصة للظهور بمظهر البطل التاريخي لإسرائيل الذي حقق لها السيطرة والسيادة والهيمنة‏,‏ ولا يهمه ان ينكشف بعد ذلك زيف هذا الانتصار‏,‏ وانهيار الحلم‏,‏ وعودة التوتر أكثر خطورة‏,‏ وتفجر الأوضاع نتيجة الرفض والغضب في الشارع العربي‏,‏ وربما يراهن علي أن هذا الانفجار لن يحدث الا بعد رحيله وقد يضيف ذلك اليه هالة جديدة بان يترحم الإسرائيليون علي ايامه‏.!‏


يحاول شارون الاستفادة إلي آخر المدي من وضع الادارة الأمريكية الجديدة التي لم تضع تصوراتها وسياساتها بعد‏,‏ ومعظم العاملين فيها لم تسبق لهم خبرة التعامل أو الاقتراب من أزمة الشرق الأوسط‏,‏ معرفة دقائق وحقائق وتاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي بما فيهم الرئيس الجديد جورج بوش نفسه‏,‏ ولذلك يسعي شارون إلي استباق الادارة الأمريكية بافكاره ومغالطاته من ناحية‏,‏ وبفرض الأمر الواقع علي الأرض من ناحية ثانية‏,‏ وبالضغط علي الادارة الأمريكية عن طريق الجماعات اليهودية والاعلام واعضاء الكونجرس الموالية لإسرائيل من ناحية ثالثة‏.‏

كما يحاول طي صفحة كامب ديفيد التي شارك فيها الرئيس الأمريكي السابق كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق باراك‏,‏ والرئيس الفلسطيني عرفات وفشلت في التوصل إلي الحل النهائي الذي وضعته كهدف لها‏,‏ ولكنها مع ذلك نجحت في تحديد نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف‏,‏ وأنهت بذلك مرحلة طويلة سابقة كان فيها الطرف الإسرائيلي حريصا علي أن تبقي مواقفه غامضة وهلامية ويتهرب كلما وصلت الاطراف إلي مناقشة القضايا الحاسمة في النزاع‏,‏ مثل وضع القدس والسيادة علي المسجد الأقصي ومستقبل المستوطنات وطبيعة الدولة الفلسطينية‏..‏ الخ‏..‏ ويذكر لقمة كامب ديفيد انها فتحت هذه الموضوعات وحددت نقاط الخلاف‏,‏ وكان من الممكن الوصول إلي حلول لها‏,‏ ولكن ذلك كان يحتاج إلي بعض الوقت للبحث والتفكير وطرح افكار وبدائل جديدة‏,‏ ولم يكن هذا الوقت متاحا‏,‏ لانتهاء فترة ولاية كلينتون وباراك معا‏..‏ ولم يكن عرفات هو الذي ضيع الفرصة‏,‏ ولكنه فقط كان يحتاج إلي أن تتقدم المباحثات خطوة أو خطوتين إلي الأمام‏,‏ وكان ذلك في الامكان لو كان هناك متسع‏.‏


شارون لا يفهم‏,‏ ولا يريد أن يفهم هذه الحقيقة‏,‏ ويريد أن يجرب مدخلا آخر لحل النزاع‏,‏ وذلك باستعمال اقصي درجات العنف والوصول بالفلسطينيين إلي حافة الموت بالحصار والحرمان من العمل والعلاج والتنقل والتعليم‏,‏ إلي أن يصل إلي نقطة الاختيار بين الموت أو الاستسلام‏.‏ وهذا الأسلوب الارهابي سبق تجربته علي يد ميلوسيفيتش في يوجوسلافيا‏,‏ وقبل ذلك علي يد النظام العنصري في جنوب افريقيا‏,‏ وفي مناطق أخري‏,‏ وانتهي بالفشل والهزيمة‏.‏ وهذه هي النهاية الحتمية لسياسات حكومة شارون وممارساتها الارهابية‏.‏

الخطأ الثاني الذي يقع فيه شارون أنه تصور ان مصر خرجت أو يمكن أن تخرج من المعادلة‏,‏ ويوما بعد يوم يثبت له ان ذلك غير صحيح‏.‏


والخطأ الثالث انه دخل في مرحلة الانغماس في المغامرة وعدم الادراك لضرورة التراجع‏,‏ تماما كما يحدث للمقامر حين يتورط ويظن أن الاستمرار في اللعب يمكن ان يحقق له المكسب ولو متأخرا‏,‏ ولا يحصل علي مكسب ابدا‏,‏ ومع ذلك لا يعرف متي وكيف يتوقف‏..‏ وسوء حظ الإسرائيليين والعرب معا‏,‏ أن رئيس الوزراء والحكومة في إسرائيل لا تستطيعون تحديد الخط السياسي الواضح والمستقيم والصحيح الذي يوصل للسلام وللأمن لكل الأطراف ويحقق الاستقرار في المنطقة‏..‏ الاستقرار الدائم وليس الاستقرار المؤقت‏..‏ باراك كان ضعيفا ومترددا ويخشي مراجهة الحقيقة وغير قادر علي تنفيذ الاتفاقات وميال للهرب في لحظة الحسم‏.‏ وشارون كما يسمونه بلدوزر اعمي ومصاب بعقدة غرور القوة يضرب ويهدد ويناوش في كل اتجاه‏,‏ وكلما شعر بالفشل ازداد عنفا‏,‏ علي ظن ان تصعيد المواقف يمكن ان يؤدي إلي الحل‏.‏

كل ذلك يجعل الدور الأمريكي هو الأكثر تأثيرا وأهمية‏..‏ ولن يتحقق السلام بترك شارون ليستمر في التخريب والتدمير والقتل وفرض الحصار‏..‏ كما لن يتحقق السلام بترك الذئب والفريسة معا للتوصل إلي حل‏..‏ ولن يتحقق السلام بان يتوقف الفلسطينيون عن رفض الاحتلال والقمع‏,‏ ويستمر الإسرائيليون في قتلهم واغتصاب اراضيهم وحرمانهم من حق الحياة‏.‏


السؤال الآن‏:‏ أين العدالة الأمريكية‏..‏ وهل تكفي التصريحات المطمئنة‏..‏ أم لابد من تحرك امريكي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وايجاد المناخ الملائم للعودة إلي مائدة المفاوضات؟


السؤال‏:‏ هل لدي الادارة الأمريكية تصور لحل الأزمة‏..‏ ام انها متفقة مع شارون علي أن الحل هو عدم الحل‏.‏؟‏!

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف