جدول أعمال القمة العربية مزدحم بعشرات الموضوعات والقضايا الساخنة, معظمها سبق بحثها وإصدار قرارات فيها ولم تنفذ, واصبحت موضوعات مزمنة فقدت الحماس للتصدي لها, وترحل من قمة إلي قمة, أو تؤجل, تصدر بشأنها قرارات سبق صدورها من قبل, وأبرز مثال علي ذلك انشاء السوق العربية المشتركة التي استغرق الحديث عنها اكثر من خمسين عاما ولم تظهر للوجود حتي الآن.
ويبدو أن اسلوب السير في دائرة مغلقة قد تغير منذ القمة الطارئة التي عقدت في القاهرة واتخذت قرارات أخذت طريقها للتنفيذ لأول مرة.. بعضها تم تنفيذه بالكامل.. وبعضها تم تنفيذه جزئيا.. ولكن ما تحقق في عمومه يمكن ان يدعو للتفاؤل إلي أن بيت العرب يمكن أن يضيء مرة أخري. وإن أصحابه الذي هجروه لسنوات وانشغلوا بقضاياهم وهمومهم القطرية المحلية عن الهموم والقضايا القومية يمكن ان يعودوا اليه بنوايا مخلصة.
ومن الجدية الواضحة في اعمال اللجنة الوزارية لمتابعة تنفيذ القمة العربية ظهرت رغبة حقيقية في اصلاح الأوضاع العربية المتردية. كما ظهرت ارادة سياسية عبرت عن نفسها بشكل عملي بالخروج من مرحلة النضال بالكلمات والتصريحات إلي مرحلة النضال بالاعمال وتحمل المسئوليات.
وفي زحام الموضوعات المطروحة علي القمة هناك موضوعان أو محوران اساسيان يكفي ان يتوصل القادة العرب إلي قرارات جادة فيهما. الموضوع الأول هو انقاذ الشعب الفلسطيني من العدوان المستمر يوميا وليل ونهار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.. بعد أن انتقل الصراع العربي الإسرائيلي لوصول شارون للحكم من مرحلة استكمال مسيرة السلام وإنهاء الصراع إلي مرحلة انقاذ الشعب الفلسطيني من اعمال القتل والحصار والتجويع والطرد والاعتقال.
واستراتيجية شارون تتلخص في تحييد الادارة الأمريكية وإبعادها عن الاشتراك كطرف أساسي في عملية السلام, وانفراد آلة الحرب الإسرائيلية بممارسات القمع الوحشية علي المدنيين الفلسطينيين إلي أن يصلوا إلي مرحلة يتنازلون فيها عن الأرض والحق والقدس ويطلبون فقط النجاة من الموت والعذاب. ثم يستسلمون لمطالب شارون بالعودة إلي مفاوضات من نقطة الصفر تستغرق سنوات من المناورات, وتتوصل في النهاية إلي اتفاق مرحلي لعدة سنوات أخري. وبعدها يمكن لمن يعيش أن يشترك في مفاوضات الحل النهائي.
ولا يخفي شارون وحكومته نواياهم العدوانية الشريرة تجاه الدول العربية واحدة واحدة, وتجاه الفلسطينيين بالذات, وهو يعلن كل يوم في واشنطن وفي تل أبيب: لا تقسيم للقدس, ولا تنازل عن المستوطنات, ولا قبول بالدولة الفلسطينية, ولا عودة بقوات الاحتلال التي تحاصر وتحتل المناطق الفلسطينية, وبعد أن كانت المفاوضات قد وصلت إلي انسحاب إسرائيل إلي حدود ما قبل يونيو67 أصبح الحديث الآن عن انسحاب هذه القوات إلي حدود ما قبل اكتوبر الماضي. وهكذا ستظل إسرائيل في خلق أزمة جديدة تشغل بها العرب والعالم عن بحث الأزمة السابقة, وبذلك تحقق هدفها في كسب الوقت لترسيخ أوضاع الاحتلال القائمة وتحويلها إلي احتلال دائم.
سياسة شارون سوف تشعل المنطقة, وهو مصاب بالهوس الذي يجعله يتصور أن إسرائيل أصبحت في وضع يجعلها قادرة علي فرض ما تريد بالقوة, وقادرة علي استخدام كل الأسلحة العسكرية والسياسية التي تمتلكها لإثبات تفوقها وكسر الإرادة العربية.
أمام القمة مسئولية التحرك في مواجهة هذه القوة العمياء التي تساندها تيارات وأحزاب اصابها هوس الارهاب وجنون القوة وتحولت إلي خطر علي من حولها بل وخطر علي نفسها أيضا. وعلينا أن نجمع كل قوانا لحماية الشعب الفلسطيني من الهلاك, والبحث عن وسائل لتوفير الحماية الدولية لهذا الشعب, وإن كانت جهود الدول العربية قد اصطدمت بالموقف الأمريكي, حين تقدمت الدول العربية بطلب تشكيل قوة من المراقبين الدوليين فرفضت أمريكا ذلك رفضا تاما, وكانت الصدمة الأكبر في اقناع بريطانيا وكندا وبولندا والإرجنتين عن التصويت بل وامتناع فرنسا وروسيا أيضا بحجة أن التوقيت غير مناسب لإرسال هذه القوة الدولية بينما قد تتوصل الجهود الراهنة في عملية السلام إلي اتفاق مع إسرائيل علي إرسال قوة المراقبين في اطار تسوية شاملة.. وكان ذلك الموقف جرس إنذار للعرب بأن جهودهم السياسية ـ باعتبارهم كتلة وجبهة سياسية موحدة ـ لم تحقق هدفها.. مع أن لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سجلت في تقريرها الأخير الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الانسان الفلسطيني, كما سجلت أن المستوطنات الإسرائيلية أصبحت قواعد عسكرية للاعتداء علي الشعب الفلسطيني, وحواجز مادية لتقطيع أ
وصال الأرض الفلسطينية وتحويلها إلي مجرد جزر منعزلة يحيطها الإسرائيليون من كل جانب.
وما دام تصعيد العنف والارهاب في إسرائيل قد وصل إلي حد أن أصبح سفاح مشهور رئيسا للوزراء ولا يمكن محو سجله الأسود في المجازر التي قادها لقتل وطرد الفلسطينيين بالجملة ودون تمييز, إلي حد أن كتب أحد المعلقين الأمريكيين يقول إن المفروض أن تأمر الإدارة الأمريكية بالقبض علي شارون كمجرم حرب وتقديمه إلي محكمة جنائية دولية لأن جرائمه لا تقل عن جرائم سفاح الصرب سلوبودان ميلوسفيش.. ما دام شارون قد اصبح رئيسا للوزراء فإن التحدي أمام العرب وصل إلي الذروة.. ولن تجدي محاولات التخدير بادعاء أنه الاقدر علي تحقيق السلام واقناع الإسرائيليين به.
هناك شعور بالتفاؤل يسبق قمة عمان, وانتظار لما ستسفر عنه من استفادة العرب بقوتهم التي تتولد من وحدتهم, وقدرتهم علي الاستفادة بالأوراق التي في ايديهم لفرض السلام العادل, وما لدي العرب من الأوراق ليس قليلا كما يتوهم البعض.
أما الموضوع الثاني وهو بعث الحياة في السوق العربية المشتركة فهو موضوع سوف يطول بحثه.