حملات ضد الإسلام

في العام الماضي انتشرت علي جدران مسجد باريس عبارات معادية للإسلام والمسلمين‏,‏ وذلك بعد أن أدي المصلون صلاة الجنازة علي جثمان شاب مغربي قتل علي يد مجموعة من المتطرفين الذين يتربصون في الظلام لاغتيال الأجانب عموما‏,‏ والمسلمين منهم علي وجه الخصوص‏,‏ وجماعات المراهقين هذه تكاد تكون معروفة لسكان باريس دون استثناء‏.‏

وفي الأسبوع نفسه سجلت الصحف الأمريكية حادث مقتل شاب زنجي في نيويورك عقب إشهار إسلامه‏,‏ وقالت الصحف إن الأرجح أن يكون القاتل من الجماعات المعادية للإسلام في أمريكا‏.‏


وقبل ذلك كانت القناة العامة للتليفزيون الأمريكي‏,‏ وهي الشبكة الحكومية‏,‏ قد عرضت فيلما من إنتاجها بعنوان‏:‏ الجهاد‏..‏ الحرب القادمة‏,‏ يصور المسلمين علي أنهم مجموعات منظمة تتميز بالعصبية وضيق الأفق وكراهية غير المسلمين‏,‏ وأنهم يعدون أنفسهم لقتل الآخرين ونشر التهديد والخوف بالإرهاب‏,‏ كما عرضت القناة نفسها فيلما آخر عن حركة الإنقاذ الإسلامي من إنتاج محطة بي‏.‏بي‏.‏سي الحكومية البريطانية‏,‏ يصور الحياة اليومية لهذه الجماعة علي أنها تدريب يومي مستمر علي القتل والإيذاء‏,‏ وتعميق مشاعر العداء والكراهية للغير‏.‏

في الوقت نفسه تقريبا‏,‏ انشغلت الصحافة الفرنسية بعرض وتحليل كتاب جديد صدر للمؤلف الفرنسي كلود باور‏,‏ وهو قس سابق له مغامرات فكرية واجتماعية منذ الستينيات‏,‏ حين تفرغ للحياة وسط جماعات الشباب الفرنسي الضائع الذي سقط فريسة المخدرات والاغتراب والرفض‏,‏ وعاش معهم علي أطراف باريس‏,‏ ولبس ملابسهم الغريبة‏,‏ ثم أصدر عنهم كتابا عام‏62‏ بعنوان عصابات المراهقين‏,‏ ثم كتابا آخر بعنوان إيمان كافر عام‏67,‏ وكتابا ثالثا بعنوان الصلاة والمخدرات عام‏74,‏ حتي بلغت كتبه عشرين كتابا آخرها بعنوان انسوا القدس‏!‏ هذا الكاتب غريب الأطوار‏,‏ ترك سلك الرهبنة وتزوج‏,‏ وعمل في بعض البلاد العربية منها الجزائر والمغرب‏,‏ ثم عاد إلي فرنسا وعمل مستشارا للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران‏,‏ ثم عين رئيسا لإدارة الهجرة‏,‏ وهو ليس متخصصا في الدراسات الإسلامية‏,‏ أو تاريخ الإسلام‏,‏ وقال عنه الذين عرفوه عن قرب إن ثقافته في هذا المجال تعادل ثقافة مراهق فرنسي اكتفي بشذرات درسها في المدرسة الثانوية‏,‏ وفسروا بذلك الأخطاء التي تمتليء بها كتبه عن الإسلام والمسلمين‏,‏ ومنها الخلط بين الشائعات والأخطاء المنقولة عن أصحاب النيات الخبيثة المعادين للإسلام‏,‏

وذكرها علي أنها حقائق من حقائق الإسلام‏,‏ فقد ذكر علي سبيل المثال أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يحتقر الزراعة والمزارعين‏,‏ وذكر أحاديث نبوية تشير إلي احتقار المحراث وهي أحاديث غريبة وموضوعة لم ترد في أي كتاب من كتب الأحاديث الصحاح‏,‏ وهكذا يمضي في شرح الأدلة علي تخلف المسلمين بسبب الإسلام الذي يعادي التكنولوجيا‏,‏ ويرفض الاعتماد علي قوة العمل‏.‏

وأذكر عندما قام فضيلة الإمام الأكبر د‏.‏ محمد سيد طنطاوي بجولة في الولايات المتحدة التقي فيها بأعداد كبيرة من قادة الجماعات الدينية والاجتماعية‏,‏ ثم التقي في نهايتها بنائب الرئيس الأمريكي وقتها آل جور‏..‏ إن نائب الرئيس قال له‏:‏ أرجو أن تكرر هذه الزيارة التي أوضحت حقائق كانت غائبة‏,‏ لأن الإسلام يتعرض لحملة من التشويه وسوء الفهم في أمريكا‏..‏ كما أذكر عندما زرنا ألمانيا أن الإمام الأكبر سئل عن الأصولية في الإسلام‏,‏ عندما أجابهم بأن الأصولية كما نفهمها هي العمل بمباديء الإسلام كما جاءت في القرآن والسنة‏,‏ وهذه المباديء تلتقي علي تأكيد أن الإسلام هو دين التسامح والسلام‏,‏ وأن الذين يطلقون كلمة الأصولية علي الجماعات السياسية الضالة التي تستحل التطرف والتخريب والقتل‏,‏ هم مخطئون‏,‏ لأن هذه الجماعات ليست أصولية‏,‏ بل هي خارجة علي الأصولية‏,‏ لأن الإرهاب ليس أصلا من أصول الإسلام‏!‏


وان كانت هناك مؤلفات في الغرب ظهرت في السنوات الأخيرة لانصاف الإسلام من الحملات المسمومة ضده‏,‏ إلا أنها مازالت قليلة بالنسبة للجهد الإعلامي والدعائي اليومي المستمر الذي يصل إلي المواطن الغربي العادي الذي لا يقرأ الكتب ولا يبحث بنفسه عن الحقائق من مصادرها الصحيحة‏..‏ وقد أثار المستشرق البريطاني المعروف د‏.‏ فريد هاليداي ضجة بكتابه الإسلام والغرب‏..‏ خرافة المواجهة‏,‏ وهذا المستشرق البريطاني يرفض النظرية التي روج لها كثيرون بأن الإسلام هو العدو الجديد للغرب‏,‏ كما يرفض نظرية صراع الحضارات‏,‏ ويقول ان الصراعات تقوم داخل الحضارة الواحدة كما حدث بين العراق وإيران‏,‏ وهما دولتان مسلمتان‏,‏ وكما حدث في الحربين العالميتين بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا‏,‏ وهي تنتمي إلي حضارة واحدة‏,‏ واليوم هناك تناقض بين اليابان والصين وهما تنتميان إلي حضارة واحدة‏,‏ وفي بريطانيا هناك خوف من خطر الثقافة الأمريكية‏,‏ وفي أوروبا خوف من المهاجرين إليها من العالم الثالث‏,‏ خاصة من البلاد الإسلامية‏,‏ ففرنسا تخشي الهجرة من دول المغرب‏,‏ وبريطانيا تخشي هجرة الأتراك والباكستانيين والهنود‏..‏ وتصاعد الحركات المتطرفة في بعض الدول الإسلامية ليس نابعا من طبيعة الدين الإسلامي‏,‏ ولكنه نابع من أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية تعيشها هذه الدول‏,‏ والحركات المتطرفة تعمل علي الاستفادة من حالة العجز عن حل هذه الأزمات ولكنها لا تستطيع أن تقدم هي الحلول العملية الممكنة‏,‏ ونتيجة تخبط فكر هذه الجماعات فإن الغرب تصل إليه أفكارهم المشوشة التي تعبر عن الانفصام بين الإسلام والديمقراطية والتحديث وحقوق الإنسان‏,‏ ودور المرأة في المجتمع‏..‏ وهذا مفهوم غير صحيح للإسلام‏..‏ وكان المفروض أن يتم النظر إلي الأزمات في العالم الإسلامي في ضوء ظروف كل دولة‏,‏ وليس بإلقاء كل اللوم علي الإسلام‏..‏ فلا يمكن فهم العدوان العراقي بدراسة الإسلام ولكن يمكن فهمه في ضوء طبيعة الحكم وطبيعة المشكلات الاقتصادية في العراق‏.‏


والمهم أن ندرك أن هناك حالة شديدة التعقيد من الإساءة وسوء الفهم للإسلام في الغرب عموما‏..‏ وهذا يقتضي أولا تنظيم رحلات لفضيلة الإمام الأكبر لتكرر زيارة الولايات المتحدة ودول أوروبا للالتقاء بقادة الرأي العام ومواجهة حملات التشكيك‏,‏ كما يقتضي ثانيا التوسع في ترجمة الكتب الأصلية التي تعبر عن مباديء الإسلام علي حقيقته لتكون في متناول الباحثين والجامعات ومراكز البحوث في الغرب‏,‏ ويقتضي ثالثا التوسع في الحوار بين جامعة الأزهر وجامعات الغرب وبين قيادات الإعلام في الغرب‏,‏ لأن توضيح حقيقة الإسلام لن يتم بجولة أو ندوة أو كتاب‏..‏ ولكنه يحتاج إلي جهد دائم ومتصل لسنوات وسنوات‏,‏ ولا ينقطع أبدا لأن حملات أعداء الإسلام لا تتوقف‏..‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف