في بريطانيا يمثل مجلس اللوردات صوت الحكمة, ويمسك بالميزان, ويمثل الضمير الوطني, ويضبط إيقاع العمل الرقابي والتشريعي ويضمن حسن الأداء فيها, إلي جانب مجلس العموم الذي يعمل اعضاؤه بعين علي المصلحة العامة والعين الأخري علي مصالحهم ومصالح أحزابهم, ويوجهون نصف حديثهم علي الأقل إلي الناخبين في دوائرهم, كما يقول البريطانيون.
وهذا هو الحال في الولايات المتحدة, فإن مجلس الشيوخ يقوم بدور صمام الأمان, والمكمل لمجلس النواب, وكذلك في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وكثير من الدول الديمقراطية, فقد اثبتت التجارب أن وجود مجلسين للتشريع والرقابة
علي الحكومة يعطي للحياة السياسية قوة ويحقق مبدأ توسيع قاعدة المشاركة, ويمثل ضمانة لدراسة واسعة ومتأنية للقوانين من جميع الجوانب علي مرحلتين وفي ذلك تهيئة للرأي العام لتفهم وقبول هذه القوانين والمشاركة في إقرارها أو تعديلها إذا لزم الأمر.
ومن خلال سنوات الممارسة في مجلس الشوري أثبت هذا المجلس أنه مؤهل لتحقيق الأمل في أن تتكون السلطة التشريعية من مجلسين ويقوم مجلس الشوري بدور مجلس الشيوخ, وفيه من الخبرات والكفاءات مايجعل قيامه بدراسة جميع التشريعات دون استثناء أمرا يفيد المجتمع دون شك ويضيف إلي الآراء التي يطرحها اعضاء مجلس الشعب آراء تسهم في اثراء الحوار الديمقراطي وتجعل الوقانين تصل الي مرحلة الكمال, ففي مجلس الشوري الحالي39 من رجال التشريع واساتذة القانون والمحامين والمستشارين, و57 من الحاصلين علي درجة الدكتوراه, وفي المجلس6 أحزاب ممثلة تمثيلا جيدا, وفيه15 سيدة مما يعني أنه علي درجة عالية من الكفاءة ويمثل المجتمع المصري تمثيلا كاملا.
ويقال عادة إن تحويل مجلس الشوري إلي مجلس الشيوخ يستلزم تعديل الدستور, واعتقد ان هذا ممكن دون تعديل الدستور اذا توافرت الإرادة السياسية, فليس المهم تغيير اسم المجلس, ومن الأفضل أن يبقي كما هو واسم مجلس الشوري أفضل وأكثر تحضرا ورقيا واتساقا مع الجذور والتراث, والمهم هو الممارسة والعمل والاختصاص.. المهم هو أن يصبح من تقاليد الحياة البرلمانية عندنا إحالة كل مشروع قانون, وكل اتفاقية أو معاهدة, وكل ميزانية, إلي مجلس الشوري قبل إحالتها الي مجلس الشعب, وبذلك يستقر الأمر كمبدأ من مباديء العمل, والعرف الدستوري, والتقاليد الدستورية, لا يقل اثرهما وأهميتهما عن النص الدستوري. وبذلك نحقق غايتنا في تحسين صناعة التشريع وتوسيع دائرة المشاركة والممارسة الديمقراطية دون ان تعوق تقدمنا النصوص والشكليات.
ولقد بدأت هذه الخطوة بالفعل, ولا يحتاج الأمر إلا إلي إقرارها كمبدأ لا نحيد عنه, وكتقليد برلماني وسياسي لا نلزم أنفسنا به ولا نخرج عليه, ولا نستسلم لعبادة النصوص, بينما النصوص الدستورية بالذات مرنة بطبيعتها, وتتسع لاستيعاب التطور, ولتقبل كل مايتفق مع روح الدستور ومع المباديء الدستورية العامة, بل وتقبل كل مايحقق مصلحة عامة ولا يتعارض مع نص صريح في الدستور.
وقد نص الدستور صراحة علي وجوب عرض مشروعات القوانين المكملة للدستور علي مجلس الشوري, ومن الممكن التوسع في مفهوم القوانين المكملة للدستور بدلا من الأخذ بالمفهوم الضيق له مادام ذلك لا يؤدي الي ضرر ويحقق فائدة لاشك فيها, وبالاضافة الي ذلك فقد نص الدستور صراحة علي ان ينظر مجلس الشوري مشروعات القوانين والموضوعات التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية, وفي هذا النص مايكفي لفتح الباب دون حرج بحيث تحال كل مشروعات القوانين وكل الموضوعات التي تمس مصالح الوطن والمواطنين الي المجلس لتجد دراسة اضافية, وتلقي عليها أضواء جديدة. ويكون مجلس الشوري إضافة الي مجلس الشعب علي قدم المساواة, ولا يمكن أبدا ان يكون بديلا أو منافسا له, وهذا هو الحال في كل الدول الديمقراطية ونحن نستحق أن نكون مثل هذه الدول في ممارسة الديمقراطية البرلمانية علي مرحلتين.
ولقد أحال الرئيس الي مجلس الشوري بالفعل مشروعات قوانين مهمة, كما أحال إليه الميزانية لأول مرة وتمت مناقشتها باستفاضة وعمق قبل إحالتها الي مجلس الشعب, وتأكدت أهمية وفائدة التوسع في هذا الدور لمجلس الشوري وإقراره وتحويله الي مبدأ نلزم به أنفسنا وإن لم يلزمنا به الدستور ولكن هذا الالزام يتفق مع روح ومباديء الدستور دون شك.
ومجلس الشوري في هذه الحالة سيكون عينا ساهرة علي أداء الحكومة يراقب أعمالها بالجدية الواجبة ويتعاون معها للمصلحة العامة. وستكون هذه العين الساهرة مبصرة لأوجه الخطأ والقصور والانحراف للتصحيح والمحاسبة, ولحماية سيادة القانون.. وستكون هذه العين الساهرة مكملة للعين الساهرة في مجلس الشعب والرؤية بالعينين أفضل بالتأكيد من الرؤية بعين واحدة.