أوباما و الإسلام 1
يوما بعد يوم يتأكد أن فكرا جديدا يحكم أمريكا الآن، وأن عهد بوش.. عهد (الكابوس الأمريكى) الذى كان يجثم على أنفاس العالم قد انتهى، وأن باراك أوباما الذى يحكم أمريكا الآن.. يمكن أن يثق فيه العالم، وأن يثق فيه العالم العربى والإسلامى أكثر، لأنه – كما دلت قراراته وتوجهاته – رئيس عاقل، ومثقف، ويعرف كيف يكسب الأصدقاء لأمريكا بعد أن كان سلفه (بوش) يجيد كسب العداء لبلاده!
أوباما أثبت أنه صادق وينفذ وعوده بدون مماطلة و مراوغة.. وعد بالتغيير وها هو قد بدأ فعلا فى تغيير أمريكا وتغيير العالم.. وبعد أن كان بوش يتحدث عن الإرهاب الإسلامى، وعن الإسلاميين الفاشيين، وعن شن حرب صليبية على بلاد المسلمين، فإن أوباما – على العكس من ذلك – بدأ أول يوم لولايته بالقول بأنه يمد يده للعالم الاسلامى لإقامة العلاقات مع أمريكا على أساس الندية والاحترام المتبادل.
وأكد هذا الكلام بعد ذلك مرة أخرى فى حديثه على قناة العربية. وهذا كلام جديد لم يقل به أحد فى إدارة بوش، وفى حديث أخير لأوباما قال إن العرب يجب أن يتعاطفوا مع قضاياهم العادلة قبل أن يطلبوا من الآخرين أن يتعاطفوا معهم، وهذه لفتة – أو نصيحة – للدول العربية لكى تنهى ما بينها من خلافات تجعل من الصعب على الآخرين مساعدتهم، وكانت إدارة بوش تشعل الخلافات العربية وتعمل على تنفيذ سياستها التى أطلقت عليها الفوضى الخلاقة فى العالم العربى وكانت تهدف إلى إعادة خرائط المنطقة العربية وإقامة نظام عربى جديد بمواصفات أمريكية!
والدليل على مصداقية أوباما أنه أول رئيس يحرص فى الشهور الأولى لحكمه على توجيه رسالة خاصة إلى العالم الاسلامى تعبر عن حرصه على فتح صفحة جديدة تعكس الاحترام للدين الإسلامى، وللشعوب الإسلامية وللمسلمين فى الولايات المتحدة وهم ليسوا أقلية، فقد زاد عددهم على ستة ملايين يحملون الجنسية الأمريكية، واختيار أوباما مصر ليوجه منها هذه الرسالة هى فى ذاتها رسالة ذات معنى كبير.. رسالة اعتراف من الإدارة الأمريكية الجديدة بأن مصر هى قلب العالم العربى والاسلامى، وهى صاحبة الدور الفاعل والمؤثر فى عالمها، وإن قيادتها لديها من القدرة والبصيرة ما يجعل أمريكا تثق فى صداقتها وفى جهودها لتحقيق الاستقرار والسلام فى هذه المنطقة الحساسة التى جعلتها إدارة بوش بؤرة للتوتر، أوباما أعلن أنه يريد إعادة بناء العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربى والإسلامى، وفى هذا الإطار جاءت دعوته للرئيس مبارك لزيارة واشنطن بعد أن توقفت زيارات مبارك السنوية منذ عام 2004 نتيجة لسياسات بوش وإدارته.. ويأتى قراره بزيارة القاهرة، كما تأتى هذه اللفتة المهمة باختياره سيدة مسلمة من أصول مصرية – السيدة داليا مجاهد – ابنة حى السيدة زينب المحجبة لتكون مستشارا خاصا له ضمن المجلس الاستشارى للأديان الذى أنشأه بهدف تحسين العلاقات الأمريكية مع المسلمين فى داخل أمريكا وفى أنحاء العالم..
***
أوباما أثبت عمليا أنه صاحب فكر جديد.. ورؤية جديدة.. وأنه لا يسير خلف حكومة إسرائيل كما كان يفعل سابقوه.. فهو أول رئيس أمريكى يعارض حكومة إسرائيل.. حكومة إسرائيل جاءت ببرنامج قائم على أساس رفض إقامة دولة فلسطينية.. وأوباما مصمم على حل القضية الفلسطينية على أساس إقامة دولة فلسطينية.. إسرائيل تملك أكثر من مفاعل نووى ولديها قنابل ذرية وترفض التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووى وترفض تفتيش هيئة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة عليها، والإدارة الأمريكية كلها لم تحاول الاقتراب من الملف النووى الاسرائيلى.. أوباما هو أول رئيس أمريكى يطلب صراحة من إسرائيل الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووى، وهذا الطلب يمثل تحولا بالغ الأهمية للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط يشير إلى بدء انتهاء سياسة الكيل بمكيالين التى كانت تنتهجها إدارة بوش وكانت تهدد إيران بالحرب وتفرض عليها الحصار الاقتصادى والعزلة السياسية للضغط عليها لكى تتوقف عن تنفيذ برنامجها النووى الذى لم يصل إلى مرحلة إنتاج قنبلة ذرية ولن يصل إلى ذلك إلا بعد سنوات وقد لا يصل إلى ذلك أبدا، بينما تلتزم الصمت بل التأييد لإسرائيل التى تمتلك اليورانيوم عالى التخصيب، وتملك قنابل ذرية وسبق أن اعترف شيمون بيريز وغيره بامتلاكها لهذه الترسانة النووية.. ولم يعد أمرها خافيا على أحد..وترفض الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار وترفض تفتيش هيئة الطاقة الذرية عليها!
***
أوباما خلال مائة يوم فقط من حكمه حقق قدرا غير قليل من التغيير فى الاستراتيجية والسياسة الأمريكية. اصدر الأمر إلى الجيش الأمريكى بالانسحاب من العراق تنفيذا لوعده فى برنامجه الانتخابى، وأنشأ صندوقا لحماية الأمريكيين المتعثرين فى سداد القروض للبنوك مقابل حصولهم على مساكن، وخصص لهذا الصندوق 75 مليار دولار. وقام بتعيين عدد من الحزب الجمهورى المعارض كوزراء ومستشارين وفى مناصب كبيرة فى البيت الأبيض وهذا ما لم يحدث من قبل فقد كان كل رئيس حريصا على أن تكون كل المناصب لرجال من حزبه، حتى أن بوش قام بتعيين رئيس المحكمة العليا من الجمهوريين المتشددين.
أوباما أصدر الأمر بإغلاق معتقل جوانتانامو الذى يمثل وصمة فى التاريخ الأمريكى.. وأكثر من ذلك أصدر أمرا بإغلاق السجون الأمريكية السرية التى كان يجرى فيها تعذيب المعتقلين بعيدا عن القانون والقضاء والرأى العام.. وأصدر قرارا بمنع التعذيب بعد أن كانت إدارة بوش قد أباحت استخدامه على أوسع نطاق وأبشع صورة، ليس فى جوانتانامو وسجن أبو غريب فقط بل فى 22 مركزا من مراكز الاعتقال السرية.. أنشأها بوش بعيدا عن أمريكا وبعيدا عن عيون وعن ضمير العالم.. أوباما قرر خفض الترسانة النووية الأمريكية – وهذا قرار استراتيجى خطير - وقرر إلغاء التخفيضات الضريبية للأغنياء التى قررها بوش وأنهى بذلك سياسة الانحياز للأغنياء على حساب الشعب الأمريكى.. وقرر إقامة مراكز ثقافية أمريكية فى البلاد الإسلامية كمبادرة للتقارب بين أمريكا والشعوب الإسلامية.
***
أوباما بتغييره الاستراتيجيات الأمريكية بدأ بفتح باب للحوار مع إيران وسوريا بعد أن كانت إدارة بوش ترفض مبدأ الحوار وتؤمن بسياسة استخدام القوة والتهديد وتضييق الخناق عليها اقتصاديا وسياسيا وتهديدها بالحرب وتتهمها بأنها ضمن ما أسماه بوش محور الشر مع كوريا الشمالية.. أوباما بفكره الجديد استطاع خلال مائة يوم فقط أن ينزع فتيل التوتر من البؤر الساخنة التى كانت إدارة بوش قد وصلت بها إلى درجة الانفجار مما كان يهدد العالم بأكمله، ويهدد أمريكا فى مصالحها المنتشرة فى جميع أنحاء الكرة الأرضية، ويهدد مكانتها ونفوذها واحترام العالم لها.
***
هذا الفكر الجديد الذى يحكم به أوباما جعل كثيرا من المحللين يقولون إنه يعمل على تحقيق تحول تاريخى فى السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.. تحول يقدم من خلاله (أمريكا جديدة).. أمريكا تحترم الحريات للشعب الأمريكى ولشعوب العالم أيضا.. وتحترم القانون والعدل والسلام فى العلاقات الدولية.. أمريكا القوية المتواضعة التى لا تتعالى على الدول الأخرى – وبخاصة على أصدقائها.. أمريكا العاقلة القادرة على إدارة الحوار مع جميع الأطراف وإدارة الخلافات بلا تهديدات ولا ضغوط. ولذلك فإن – روبرت جيتس- وزير الدفاع الأمريكى فى إدارة أوباما هو نفسه وزير الدفاع مع بوش وصف أسلوب أوباما فى الحكم بأنه ينطوى على رؤية تحليلية أكبر من أى رئيس قبله، وبأنه أكثر تفهما وانفتاحا على المواقف الأخرى.. أى أنه واسع الأفق.. غير متشدد ولا متعصب ولا صاحب رؤية أحادية لا يسمع لغيرها كما كان بوش.
نتيجة لهذا النهج الجديد فى إدارة الدولة العظمى التى مازالت تتولى قيادة النظام العالمى إلى الآن، فإن نتائج استطلاعات الرأى التى أجريت فى داخل الولايات المتحدة أكدت ارتفاع نسبة الأمريكيين الذين يشعرون بالارتياح لطريقة تحسن الأوضاع فى بلادهم بعد أن أصبح أوباما رئيسهم.. وعلى الجانب الآخر بدأ الهجوم على أوباما لأن سياسته الجديدة تكشف الجرائم التى ارتكبتها إدارة بوش قبله.. المحافظون الجدد يحاولون عرقلة تنفيذ سياسات أوباما.. كما يحاولون تشويه صورته.. ويحاولون عرقلة مسيرة التغيير ويساندهم التأييد من قوى الضغط الصهيونى وأصدقاء الحكومة الإسرائيلية فى الكونجرس وفى الإعلام.. وفى نفس الوقت فإن أوباما يواجه أزيقود الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» عملية تحول تاريخية كبرى فى علاقة الولايات المتحدة بالإسلام، وبالمسلمين، وبالدول الإسلامية. يواجه مشاكل وصعوبات لتحقيق ذلك من التيارات والجماعات الأمريكية المتشددة فى بعض المواقع المؤثرة فى القرار، ولكنه مع ذلك يخطو خطوات متتالية تؤكد اقتناعه واقتناع إدارته وغالبية أعضاء الكونجرس ووسائل الإعلام المؤثرة فى الرأى العام بأن سياسة الرئيس السابق جورج دبليو بوش قد أساءت إلى علاقة أمريكا بالعالم الإسلامى إساءات بالغة، وأن الولايات المتحدة نتيجة لذلك خسرت كثيراً، ومن الضرورى أن تعمل فوراً وبقوة على تحسين هذه العلاقات ووقف تدهور العلاقات حفاظاً على مصالحها، وحماية لأمنها وللأمن والسلام فى العالم.
بعد 11 سبتمبر صدرت من الرئيس السابق بوش عبارات فهم منها المسلمون فى أنحاء العالم أنه يحمل مشاعر عدائية للإسلام والمسلمين. قال مرة إنه سيعلن «الحرب الصليبية»، وهى عبارة لها مدلول خاص محملة تاريخيا بمشاعر الاعتداء على المسلمين، وقال مرة أخرى «هؤلاء المسلمون الفاشيون»، وأحاط نفسه بشخصيات مشهورة بالتعصب الدينى ومعاداة الإسلام والمسلمين، من قادة تيار اليمين الدينى فى أمريكا، وكثير من المحللين الأمريكيين قالوا إن بوش نفسه ينتمى إلى هذا اليمين الدينى المتعصب، وإنه يؤمن بأفكار صديقه القس «فرانكلين جراهام» المتطرف والذى يلقى مواعظ نارية مليئة بالهجوم والإهانة للإسلام والمسلمين، وهو ابن القس الشهير «بيلى جراهام» صاحب قناة تليفزيونية مشهورة كان يردد فى أحاديثه «إن الإسلام دين شرير وكريه جداً».. ومن أقرب المقربين إلى بوش داعية التبشير المسيحى المشهور «بات روبنسون» الذى يلقى أحاديث منتظمة على التليفزيون وفى الكنائس، ويردد «إن التفكير فى أن الإسلام دين سلمى تفكير مخادع.. وأن النبى محمد صلى الله عليه وسلم متعصب راديكالى.. سارق.. ولص.. وقاتل» استغفر الله.. ومع هؤلاء القس الشهير «جيرى فالويل» الذى كان يطلق على الرسول صلى الله عليه وسلم لقب «الإرهابى» استغفر الله.. هؤلاء وأمثالهم كانوا أقرب الناس إلى بوش حتى أن صحيفة «هيرالدتريبيون» نشرت افتتاحيتها يوم 8 أكتوبر 2002 بعنوان (بوش والذين يكرهون الإسلام) قالت فيها إن هذه العبارات التى يستخدمها بوش فى أحاديثه عن المسلمين ليست فقط عبارات متطرفين، ولكنها تعبر عن موقف قادة حركة اليمين الدينى من الدين الإسلامى، وهى حركة قريبة من رئيس يتحدث لغتهم، ويتبادلون معه الأفكار، وهذا ما يجعل المسلمين لا يصدقون ما قاله بعد ذلك عن الإسلام هو السلام، وإدانته للإرهابيين المسلمين على أنهم خانوا عقيدتهم، ولا يشعرون بصدق النية فى زيارته التى قام بها للمركز الإسلامى بواشنطن.. ولو كان صادقا فى ذلك لما ظل صامتا على الهجوم على الإسلام والمسلمين من تيار اليمين الدينى المتعصب المتحالف مع التيار الصهيونى، ولقام بإعلان صريح بأنه لا يوافق على ما يقوله وما يفعله هؤلاء الكارهون للإسلام، ثم أصبحت قراراته وسياساته متفقة مع هذا التوجه.
***
وظلت الصحافة الأمريكية تحذر بوش من استمرار التعبير على لسانه ومن أصدقائه عن كراهية الإسلام والمسلمين، ومن ذلك المقال الذى نشرته صحيفة نيويورك تايمز فى عدد 24 يوليو 2004 بقلم الكاتب الأمريكى «ديفيد سانجر» بعنوان «على أمريكا إعادة النظر فى استراتيجيتها تجاه المسلمين» أشار فيه إلى تقرير اللجنة العليا المشكلة لدراسة أحداث 11 سبتمبر الذى انتهى إلى دعوة الإدارة الأمريكية لإعادة النظر فى سياساتها الخارجية تجاه العالمين العربى والإسلامى، وعدم التركيز على الحلول العسكرية والضغوط السياسية والاقتصادية فى التعامل مع البلاد الإسلامية، وبدلاً من الحروب على أمريكا المساعدة على تنمية الدول التى يجد فيها الإرهابيون ملاذا آمنا مثل باكستان، وأفغانستان، وغرب أفريقيا، ودول جنوب شرق آسيا، والفلبين، وأندونسيا.. وبالتنمية لن تكون هذه الدول أرضاً صالحة لظهور الإرهابيين، وجاءت التوصية فى فصل كامل من تقرير هذه اللجنة يدعو الرئيس بوش إلى تطبيق استراتيجية أمريكية عالمية لاقتلاع جذور الإرهاب، وفى هذا التقرير عبارات صريحة تقول إن جهود إدارة بوش غير مناسبة للتعامل مع الإرهاب ومع المسلمين، وأن على إدارة بوش أن تضرب مثالاً للقيادة الأخلاقية فى العالم، وأن بوش يدعى أن سياسته سياسة أخلاقية، ولكن أفعاله عكس ذلك.. وقد أساء بوش إلى العالم الإسلامى بغزوه للعراق وإدعائه أن العراق جبهة القتال المركزية فى الحرب على الإرهاب، وكانت النتيجة أن صار العراق مهدداً بأن يصبح دولة فاشلة، وملاذا للإرهابيين من خارجه، وساحة للهجوم على الأمريكيين، ومنصة انطلاق لتهديد المصالح الأمريكية!
***
وعلى الجانب الآخر كانت مشاعر الغضب تجتاح البلاد الإسلامية، وكانت المظاهرات الرافضة لسياسات إدارة بوش تجاه المسلمين تسير فى 57 دولة إسلامية، وفى دول أوروبا، وفى المدن الأمريكية أيضاً، وكانت مشاعر الإحباط لدى الشعوب الإسلامية مناخاً صالحاً لإعطاء المبرر للمتطرفين فى العالم الإسلامى.. ولم يستطع الرئيس بوش أن ينكر أن الشعور بالعداء لأمريكا منتشر فى العالم الإسلامى، وكان اعترافه بهذه الحقيقة بأنه طلب من مراكز التفكير وصناعة الرأى العام بحث «لماذا يكرهوننا؟» و«ماذا نعمل لنستعيد الثقة»، ولكنه لم يفعل شيئاً لتخفيف حدة العداء، خاصة بعد أن قدمت إليه توصيات بألا يستمر فى تأييد إسرائيل فى اعتداءاتها على الفلسطينيين وحصارها لهم وحرمانهم من ضرورات الحياة، وإقامتها جدران حولت مناطق إقامتهم إلى سجون، ورفضها التوصل إلى سلام مع العرب.. وقدمت لنا النصيحة مراراً بألا يتجاهل الرأى العام المعادى لأمريكا فى البلاد الإسلامية من المغرب إلى أندونسيا، وتجاهل بوش للرأى العام، وتعامله مع العالم الإسلامى بالغطرسة، ولغة القوة هو ما أدى إلى تقوية التنظيمات الإرهابية وانتشار فكر الإرهابيين على أنه الطريق الوحيد لمقاومة الامبريالية الأمريكية.
***
الرافضون لسياسة بوش تجاه الإسلام والمسلمين كانوا هم الأغلبية فى أمريكا ذاتها وفى أوروبا، وطبعاً فى العالم الإسلامى، وعبر عن ذلك صراحة الكاتب البريطانى «باتريك سيل» بمقال اختار له هذا العنوان المباشر (هل أعلنت إدارة بوش الحرب على الإسلام؟)، قال فيه إن بوش وجماعة المحافظين الجدد الذين يرسمون السياسة الأمريكية يتصورون أن معركتهم عبارة عن حرب بين الديمقراطية الأمريكية وأعداء الحرية المسلمين.. بين الحضارة الغربية والهمجية فى العالم الإسلامى.. بين الغرب والإسلام، ويبدو أنهم ابتلعوا نظرية «هنتجتون» المريبة عن صراع الحضارات وجعلوا منها الأساس العقائدى لسياسة أمريكا الخارجية، مما يدعو إلى التساؤل: هل هذه الحروب الأمريكية فى بلاد المسلمين، ومطاردة الإرهابيين حول العالم بأسره ما هى إلا مناوشات أولية لحرب طويلة بين الامبراطورية الأكبر والديانة الأكثر نموا فى العالم؟ وقال باتريك سيل إن ما يؤيد ذلك إشارة بوش نفسه بأن الحرب قد تستمر لأجيال شأنها شأن الحروب الدينية التى هزت العالم فى القرون الماضية.. وبوش هو الذى قال بنفسه «إن النصر قد يأتى بعد يوم أو شهر أو سنة أو عشر سنوات» وجاء الصدى على لسان تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الذى كان يؤيد بوش تأييداً أعمى بأنه سوف يكمل المهمة مهما طال الزمن.. وكان التعبير عن سياسة بوش يتجلى فى ميزانيات القوات المسلحة الأمريكية فى عهده والتى وصلت إلى 400 مليار دولار فى سنة واحدة تفوق الميزانيات العسكرية لجميع الدول الكبرى، وكشف «بول ولفوتيز» نائب وزير الدفاع الأمريكى فى ذلك الوقت نوايا بوش الحقيقية بقوله إن القدرة الحربية الأمريكية ستحول كل الامبراطوريات التاريخية السابقة إلى أقزام بما فى ذلك الامبراطورية البريطانية فى أوج عظمتها! وعلق على ذلك باتريك سيل بقوله «فى كل مسارح النزاع تبدو السياسة الأمريكية غارقة فى الخطأ، ومؤكدة لاعتقاد معظم المسلمين بأن بوش يشن حربا ضد الإسلام، وعلى الإدارة الأمريكية أن تحذر.. هذه حرب لا يمكن كسبها بسهولة كما يتصور بوش والمحافظون الجدد.
أخيراً بعد ما حدث من خراب وخسائر فى العالم الإسلامى وفى أمريكا أيضاً، بل وفى كثير من دول العالم.. أخيراً ذهب بوش غير مأسوف مشيعا، وانطوت صفحته السوداء فى تاريخ أمريكا والعالم.. وجاء رئيس آخر.. مختلف.. باراك أوباما.. يريد إصلاح ما أفسدته إدارة بوش، ويستعيد مكانة أمريكا فى العالم الإسلامى واحترام المسلمين لها.
وهذا حديث آخر.ات لم يسبق لها مثيل ولم تكن متوقعة بهذا الحجم.. ابتداء من الأزمة الاقتصادية وانتهاء بأزمة أنفلونزا الخنازير، بالإضافة إلى مأزق الحرب فى أفغانستان وحالة الفوضى التى أصبحت عليها باكستان وعودة طالبان للسيطرة على مناطق فيها، والأزمة النووية مع كوريا الشمالية وإيران، ومساعى نيتانياهو لسد الطريق أمام أية محاولة للوصول إلى السلام، وأزمة القرصنة فى الصومال التى تهدد الأمن فى القرن الأفريقى وتهدد التجارة الدولية واستعادة القاعدة لقوتها ونشاطها فى أفغانستان.. أزمات ومعارك ومشاكل بحجم أقوى دولة فى العالم.. ولا سبيل للتعامل معها إلا بالفكر الجديد الذى جاء به أوباما الذى يقود حركة تصحيح كبرى.. ولكنها ليست سهل