نحن و الشرطة

في الاحتفال بعيد الشرطة كل عام‏,‏ تأتي لحظة تفيض فيها قلوبنا بالألم‏,‏ عندما تتقدم أرامل شهداء الشرطة الي الرئيس مبارك لتسلم أوسمة التكريم لأسماء أزواجهن‏,‏ الذين ضحوا بأرواحهم من أجلنا‏,‏ فتشعر بأن كلمات المواساة لا تكفي وإن الخسارة لا تعوض‏.‏

ورجال الشرطة لا يبخلون بجهدهم وراحتهم‏,‏ بل وبأرواحهم من أجل أمن واستقرار الوطن والمواطنين‏,‏ ولذلك أشعر كلما جاء يوم عيد الشرطة‏,‏ بأنه أصبح عيدا شعبيا‏,‏ يسود فيه شعور الامتنان‏,‏ ويود كل مواطن أن يشد علي يد رجل شرطة يقابله ليقول له شكرا‏.‏


ولكن التعبير عن الشكر لا يكفي‏,‏ ولابد أن تصاحبه وقفة مع النفس‏,‏ ليسأل كل مواطن نفسه‏:‏ ماذا يريد من الشرطة‏,‏ وماذا تريد الشرطة منه‏,‏ لكي يتحقق التعاون بينهما‏,‏ وبهذا التعاون يساعد المواطن نفسه‏,‏ ويساعد رجل الشرطة علي أداء واجبه كاملا‏,‏ وهذا الواجب هو في النهاية خدمة المواطن وحماية حياته وممتلكاته وحقوقه‏,‏ ووقايته هو وأبنائه من شرور المجرمين‏,‏ والخارجين علي القانون‏,‏ ولصوص المال العام‏,‏ ومروجي السموم‏,‏ ودعاة الفوضي والعنف‏,‏ والمتآمرين علي استقرار الوطن‏,‏ والعملاء‏..‏ واذا لم يساعد كل مواطن رجل الشرطة بالالتزام باحترام القانون‏,‏ وبشهادة الحق وبالارشاد عن كل مصدر للخطر أو الفساد‏,‏ فكيف يستطيع رجل الشرطة أن يخدم المواطن‏..‏؟ وفي الدول المتقدمة يدهشنا التزام المواطن بالواجب وباحترام النظام‏,‏ وبتطبيق القانون بدقة واتباع تعليمات رجل الشرطة‏,‏ دون مناقشة لأنه ممثل القانون‏,‏ ولأنه قبل ذلك هو المسئول عن حماية كل مواطن وحماية المجتمع ككل‏,‏ ويدهشنا ـ مثلا ـ أن نري سائقي السيارات يتوقفون أمام الإشارة الحمراء علي الرغم من عدم وجود شرطي للمرور‏,‏ وينفذون تعليمات رجل الشرطة عن رضي وطيب خاطر‏,‏ ونستغرب حين نري رجل الشرطة يؤدي عمله بسهولة وهو يبتسم ويتعامل برقة مع المواطنين وكأنه صديق‏,‏ لأنه لايجد منهم إلا الابتسامة والتعاون‏..‏ وحينئذ ندرك أن مقياس الحضارة ليس في المباني الشاهقة ولكن في السلوك المتحضر‏,‏ والسلوك المتحضر هو الذي يلتزم دائما وفي كل لحظة بالنظام وبالقانون وباحترام حقوق الآخرين‏.‏


وهذا كل ماتريده الشرطة من المواطنين‏..‏ فهؤلاء الرجال يقدمون التضحيات دون أن يشعروا بأنهم يضحون‏,‏ ومستعدون للعمل دون راحة‏,‏ ويواجهون المجرمين الخطيرين دون تردد‏,‏ ويتعقبون الفساد والمفسدين‏,‏ ويقفون علي أقدامهم ساعات طويلة تحت لفح شمس الصيف وفي لسعة برد الشتاء‏,‏ ولا ينتظرون منا جزاء ولا شكورا‏..‏ فقط ينتظرون أن نساعدهم لكي يتمكنوا من مساعدتنا‏.‏

علي الجانب الآخر‏,‏ فإن المواطن يطلب من رجل الشرطة المعاملة الطيبة في حدود القانون‏,‏ دون تجاوز في استخدام السلطة‏,‏ ودون انسياق للانفعال أو التشدد في المعاملة‏..‏ ولا يطلب المواطن أكثر من ذلك‏.‏


ولكن هناك قضايا خطيرة تمس أمن الوطن والمواطن‏,‏ وتستلزم تعاون المواطنين مع رجال الشرطة لمصلحة كل مصري ولمصلحة أبنائه‏..‏ هذه القضايا يجب أن يكون المواطن علي وعي بأبعادها وجذورها ومصادرها الخارجية والداخلية‏,‏ وأولها الإرهاب‏,‏ الذي يبدأ بالفكر المتشدد‏,‏ ثم بالفكر المنحرف‏,‏ ثم بالعدوان والعنف والسلوك الإجرامي‏,‏ واذا لم يتم تحصين كل شاب ضد فكر الارهاب‏,‏ كما يتم التحصين ضد الأمراض الخطيرة والمعدية‏,‏ فإن مهمة رجل الشرطة سوف تكون صعبة‏,‏ واذا لم يكن كل مواطن علي ادراك بحقيقة الخطر الذي يمثله الإرهاب الذي يتخفي وراء أقنعة زائفة ودعاوي الحق التي يراد بها باطل‏,‏ واذا لم يقتنع كل مواطن بأن عزل فكر الإرهاب والانحراف‏,‏ ورفض الجريمة بكل صورها‏,‏ وعدم التستر علي جريمة أو مجرم‏..‏ اذا لم يدرك كل مواطن أهمية دوره في مساعدة رجل الشرطة في مثل هذه الحالات‏,‏ فكيف نطلب من رجل الشرطة أن يقوم بواجبه لحمايتنا‏..‏؟

واذا لم يسهم الإعلام‏,‏ ومؤسسات الثقافة والتربية والتعليم‏,‏ في تكوين الوعي وغرس السلوك الملتزم باحترام القانون والنظام‏,‏ والتعاون مع رجل القانون‏,‏ فلا نلوم إلا أنفسنا بعد ذلك‏..‏ لأن اليد الواحدة لاتصفق‏..‏ ورجل الشرطة وحده ـ مهما عمل وضحي وبذل الجهد ـ لايمكن أن يحافظ علي القانون بينما لا نحترم نحن القانون‏,‏ أو أن يطارد الجريمة والمجرمين بينما نقف نحن موقفا سلبيا منها‏,‏ أو أن يصل في أدائه لواجبه الي درجة الكمال كما نطلب ونرجو‏..‏ فكل ذلك رهن بما نقدمه نحن‏..‏ نحن المسئولين أولا عن احترام القانون‏,‏ ونحن أولا المسئولون عن تربية أبنائنا وحمايتهم من خطر الوقوع في الجريمة‏,‏ أو في شراك مروجي السموم‏.‏


ومن الضروري أن نعترف لرجال الشرطة بالجميل‏,‏ وأن نشكر لهم اخلاصهم واستبسالهم وتضحياتهم‏,‏ وأن نذكر شهدائهم ـ وهم أبناؤنا وإخوتنا ـ ونضع ابناءهم في عيوننا ونوفر لهم رعاية دائمة نخفف عنهم آلام وأحزان فقدانهم للأب الذي لا يمكن أن يعوضهم عنه أحد‏,‏ ولابد من وقفة مع النفس لنسأل أنفسنا‏..‏ هل أعطينا ـ نحن المواطنين ـ هؤلاء الرجال من التقدير مايستحقونه‏..‏ والتقدير الذي أقصده هو الفهم لدور رجل الشرطة‏,‏ والتعاون معه لأداء هذا الدور كاملا‏..‏ وهذا هو ما ينتظره رجل الشرطة ولا يطلب منا ما هو أكثر من ذلك‏.‏


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف