قررت الادارة الامريكية انشاء قناة تليفزيونية ناطقة باللغة العربية موجهة إلي الشعوب العربية, وخصصت لها خمسين مليون دولار مبدئيا, وسوف تستخدم احدث وسائل واساليب الاعلام التكنولوجية لماذا تتخذ الولايات المتحدة هذه الخطوة في هذا الوقت بالذات.. هل لتحقيق الهدف التقليدي الذي تكرره في كل مناسبة وهو رسالة أمريكا في تنمية الوعي والممارسة الديمقراطية في العالم, ولم يعد خافيا أن التليفزيون أقوي وسائل التأثير علي الشعوب وأكثرها قدرة علي توجيه الرأي العام خاصة في البلاد التي تنتشر فيها الأمية, ويلتف فيها الناس حول التليفزيون علي أنه معلم وموجه, ويصل مباشرة إلي كل مواطن في بيته متخطيا كل الحواجز والحدود.
ومنذ أيام نشرت صحيفة هيرالد تريبيون الدولية مقالا للكاتب الامريكي انتوني.ج.بلينكي بعنوان ماتحتاج إليه أمريكا في الوقت الحالي هو الانتصار في الحرب العالمية للافكار ومن هذا المقال يمكن فهم خلفية ودوافع القرار بإنشاء هذه القناة التليفزيونية, فهو يقول إن النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في حربها ضد افغانستان سوف يفقد قيمته إذا خسرت حرب الأفكار الدائرة في الساحة العالمية, نتيجة لوجود فجوة بين رؤية العالم لأمريكا, ورؤية أمريكا لنفسها, واستمرار هذه الفجوة سيقضي علي النفوذ وقوة التأثير الذي تتمتع به أمريكا, وربما تؤدي هذه الفجوة إلي انسحاب شركائها من العمل معها وهي تحتاج اليهم لتحقيق مصالحها, وسوف يستفيد اعداؤها من هذه الفجوة لتجنب العقوبات التي تفرضها امريكا عليهم, أو للقيام بأعمال عدائية تجاه أمريكا بينما الأغلبية الصامتة لاتحرك ساكنا من أجل أمريكا.
ويقول المقال إن حرب الافكار التي يجب أن تخوضها امريكا بكل قوتها تتراجع فيها الحقائق, ويجب علي أمريكا أن تواجه الواقع وهو أن كثيرا من المسلمين ينظرون إلي الولايات المتحدة علي أنها معادية للاسلام وللمصالح العربية, ولايذكرون أن أمريكا انقذت أرواح عشرات الآلاف من المسلمين في الخليج, والصومال, والبوسنة, وكوسوفو, وأن القوات الأمريكية منتشرة في البلاد الاسلامية التي طلبت حكوماتها حمايتها, والأمم المتحدة هي التي تفرض العقوبات علي العراق وليست الولايات المتحدة(!) وقوات طالبان قتلت من الافغان عن طريق العمد اضعاف الاعداد التي قتلتها القاذفات الامريكية عن طريق الخطأ, ولايدرك الكثيرون أن موت هؤلاء الضحايا كان لانقاذ ارواح المسلمين!
ويقول المقال أيضا إن الأوروبيين يتزايد تذمرهم وشكواهم من التفاوت في القيم بينهم وبين الامريكيين, ويرون أن الولايات المتحدة دولة تسرف في فرض العقوبات والموت, ويسيطر علي تفكيرها العنف واستخدام القوة العسكرية وتحكمها رأسمالية غير منضبطة. ويضيف المقال أن مثل هذه المفاهيم الخاطئة تستلزم أن تقوم الولايات المتحدة بإعادة بناء قدرتها علي الاقناع, وقد كانت الدبلوماسية الشعبية ومخاطبة الجماهير مباشرة من فوق اكتاف حكامها سلاحا له تأثير كبير في الحرب الباردة, وبعد تحقيق الولايات المتحدة الفوز الكبير في الحرب الباردة, والحرب الايديولوجية عليها في هذه المرحلة أن تكرس جهدها ومواردها لاعادة تشكيل صورتها في العالم, وفي العالم العربي والاسلامي بوجه خاص, بعد أن تدهورت مصداقيتها وشوهت صورتها, وأصبح نجاح سياستها الخارجية الجديدة يتوقف علي قدرتها في فهم طبيعة الجماهير في كل منطقة من العالم وامتلاك زمام المبادرة والقدرة علي التأثير عليها, وهذه الحرب تحتاج إلي حشد, وينبغي علي الرئيس جورج بوش أن يأمر بتنفيذ برنامج عاجل لتصنيع اسلحة مؤثرة في الاتصال الخارجي, وهذا البرنامج يحتاج إلي خبرة كوادر الدبلوماسية الجماهيرية في أمريكا لوضع السياسة ومناقشة أنسب الوسائل للتأثير علي الرأي العام في كل منطقة من العالم, ودعم الأبحاث الجارية لاتجاهات الرأي العام حتي تكون واشنطن علي علم بما يفكر فيه الآخرون وتستطيع المواجهة والرد سريعا علي الاتهامات الموجهة ضد السياسات الامريكية. وهذا البرنامج يجب أن يعتمد علي خبراء في الاعلام يملأون ساحات الاعلام الخارجي بآراء وأصوات الامريكيين إلي جانب السيطرة علي الاذاعات وبرامج الانترنت. وتكون لهم مصداقية أكبر من مصداقية الرسميين ورؤساء الحكومات..كما يعتمد هذا البرنامج علي شخصيات بارزة امريكية وعربية واسلامية وقادة الرأي لمساندة قضايا الولايات المتحدة ودعم الحملات والرسائل التي تجتهد في توصيلها إلي العالم هوليوود والسي.إن.إن والاذاعات الموجهة, وصناعة الاعلان, والمنظمات الاهلية.
هل فهمنا لماذا جاء قرار انشاء هذه القناة التليفزيونية الجديدة بالعربية في هذا الوقت بالذات؟ وهل لدينا تصور لما ينبغي علينا القيام به؟
هذا ـ طبعا ـ حديث آخر.