معادلات صعبة أمام التصدير

جاء إنشاء وزارة متخصصة لقضايا التجارة الخارجية‏,‏ منطقيا مع ضرورات هذه المرحلة التي توشك فيها أبواب المنافسة العالمية ان تفتح مع بدء تطبيق الشراكة المصرية الأوروبية‏,‏ ومع دخول مصر حلبة السباق الصعب في منظمة التجارة العالمية‏.‏ وليس أمام مصر إلا ان تعمل بفكر جديد‏,‏ وبقوة دفع غير عادية لتطوير وتحديث الصناعة‏,‏ وجذب التكنولوجيا المتقدمة‏,‏ وتحجيم الاستيراد‏,‏ وزيادة الصادرات‏,‏ وهذه الأهداف ليس من السهل تحقيقها بدليل أن السنوات العشر الأخيرة شهدت إجراءات وتشريعات وقرارات لجان وزارية متعددة‏,‏ ولكن كل ذلك لم يحقق سوي القليل‏,‏ ومازال الفارق كبيرا بين ما يجب أن يتحقق وما تم تحقيقه بالفعل‏.‏

ومهما قلنا إن قضية التصدير هي مسألة حياة أو موت‏..‏ ومهما علقنا من آمال علي وزارة التجارة الخارجية الجديدة‏..‏ فلن تزيد الصادرات إلا بتغيير كبير وحقيقي في السياسات والمؤسسات المؤثرة في التصدير‏,‏ ولا يدخل ذلك في سلطة الوزارة الجديدة‏,‏ ولكنه يتداخل مع سلطات عدد كبير من الوزارات‏,‏ مما يعني أن قضية التصدير هي مسئولية مجلس الوزراء أساسا‏,‏ وتأتي مسئولية وزارة التجارة الخارجية في تنفيذ الاستراتيجية والسياسات التي يضعها مجلس الوزراء‏,‏ ويشترك في تنفيذها جميع الوزراء‏.‏


وفي دراسة شاملة للدكتور أحمد جلال المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية والدكتورة سميحة فوزي نائبة المدير التنفيذي للمركز أن المنتجين يفضلون بيع منتجاتهم في السوق المحلية بدلا من التصدير لان الوضع الحالي للتكاليف والاسعار يجعل أرباحهم من البيع في السوق المحلية أكبر مما لو قاموا بتصدير منتجاتهم للخارج‏.‏ وقبل أن نناشد القطاع الخاص والقطاع العام بالتركيز علي الانتاج للتصدير يجب أن نوجد الحافز لذلك أولا‏.‏

وأمامنا حقيقة ان ما تم تصديره في فترة التسعينات انخفض من‏14%‏ من الناتج المحلي الاجمالي الي‏7%‏ واذا استبعدنا الصادرات البترولية تنخفض هذه النسبة الي‏4,7%,‏ وكشفت دراسة للبنك الدولي ان‏32%‏ من صادرات مصر تزايدت لسلع اتجه الاستهلاك العالمي فيها الي التناقص‏,‏ وان‏17%‏ من الصادرات المصرية انخفضت بينما كان الاستهلاك العالمي من تلك السلع آخذا في الارتفاع‏,‏ ومعني ذلك أن عملية التصدير تتم دون تخطيط ودراسة‏,‏ وتسير في عكس اتجاه الطلب في السوق العالمية‏.‏ ونتيجة لذلك انخفض نصيب الصادرات المصرية بالنسبة للصادرات العالمية في فترة التسعينات‏.‏


وبمقارنة الحوافر في مصر مع منافسيها في‏27‏ دولة نامية تبين أن هناك‏4‏ فوارق رئيسية‏:‏ أولها‏:‏ ان الرسوم الجمركية والرسوم الأخري وضريبة المبيعات علي السلع الوسيطة وعلي الآلات والمعدات مرتفعة في مصر عن مثيلاتها في الدول الأخري‏,‏ وثانيها‏:‏ ان اسعار الفائدة علي القروض بالعملة المحلية أيضا مرتفعة‏,‏ وثالثها‏:‏ ان معدلات الضريبة علي الارباح أعلي من الدول الأخري‏,‏ ورابعا‏:‏ ان قيمة الجنيه المصري ليست القيمة الحقيقية له‏..‏ ويضاف الي ذلك ارتفاع تكلفة الادارة الجمركية‏,‏ والغرامات‏,‏ وخدمات المواني‏,‏ والتخزين‏,‏ والنقل الداخلي‏..‏ والتي تستحق ان توضع في الاعتبار‏.‏

واذا كان المنتجون في مصر يتحملون تكاليف أكبر من نظرائهم في الدول النامية‏,‏ ويحققون ارباحا أكبر اذا باعوا منتجاتهم في السوق المحلية‏,‏ فكيف نطلب منهم ان يعملوا علي زيادة الصادرات دون ان نقدم لهم ما تقدمه الدول الأخري التي حققت طفرات واسعة في غزو الأسواق الخارجية‏.‏


ومن النتائج المفيدة لهذه الدراسة ان تحرير التجارة عن طريق الاتفاقيات الثنائية ليس بالضرورة أفضل الوسائل لتحقيق الزيادة في الصادرات‏..‏ ولا تكفي الاجراءات الجزئية مثل تطوير نظام السماح المؤقت ونظام الاسترداد الجمركي‏,‏ وان التطوير يجب أن يكون شاملا وفي كل الاتجاهات واهمها تخفيض الضريبة علي ارباح الشركات التي توجه منتجاتها للتصدير‏,‏ وتغيير أساليب العمل في المواني والبنوك وفي مصلحتي الجمارك والضرائب وهما يعملان حتي الآن بعقلية عدائية للمنتجين وبنظم بيروقراطية بالغة التعقيد تجعل التعامل معها مستحيلا دون الاستعانة بخبراء في معرفة دهاليز الظاهرة والدهاليز الخفية فيهما‏.‏

ويضاف الي هذه الدراسة ان الانجاز في مجال اعداد وتدريب العمال الفنيين مازال قاصرا ولهذا تأثير علي مستوي الجودة والاتقان‏..‏ ومراكز التدريب القائمة حاليا لا تخرج العامل الفني الماهر الذي يقترب من مثيله في دول نامية أخري‏..‏ والقوانين الحالية التي تجعل العامل المهمل أو الذي يتسبب في خسائر لصاحب العمل في مركز أقوي من الحساب والعقاب‏..‏ بينما يجد المنتجون أنفسهم أمام معادلة صعبة وهي كيف يحققون ارتفاعا وتميزا في الجودة‏,‏ مع تقليل التكلفة في نفس الوقت لكي يتمكنوا من البيع في الخارج بأسعار منافسة لمنتجات دول نامية اكتسبت شهرة في الاسواق بانها تقدم منتجات أكثر جودة وأقل سعرا‏..‏

واذا كنا قد تحدثنا عن ضرورة تطوير أساليب التغليف وطرق التسويق الخارجي فان ما تحقق من ذلك أقل من القليل‏.‏

وهكذا نجد أنفسنا أمام الحقيقة‏:‏ إذا أردنا زيادة التصدير فلابد أن تقوم وزارات المالية والصناعة والتخطيط والبنك المركزي والجامعات ومراكز البحوث بما يجب عليها القيام به أولا‏..‏ لكي تفتح الطريق أمام المنتجين وأمام وزارة التجارة الخارجية لكي تحقق ما هو مطلوب منها‏.‏ أما تعليق المسئولية علي هذه الوزارة وحدها فلن يصل بنا الي الهدف وستكون هذه الوزارة هي كبش الفداء لتقصير الجميع‏.‏

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف