صوت الإسلام فى فورمنتور

في المنتدي العالمي الكبير الذي حضره الرئيس مبارك في فورمنتور باسبانيا وكان فيه ضيف الشرف والمتحدث الرئيسي‏,‏ حرص الرئيس علي ان يشير اشارة واضحة الي الرؤية الخاطئة للإسلام السائدة الآن في الاعلام وبين كثير من المثقفين في الغرب‏,‏ كما اشار الي الاحساس الزائف بتفوق حضارة علي سائر الحضارات وضرورة تصحيح ذلك‏.‏

وكانت الكلمة التي القاها الرئيس لها اثر كبيرفي توجيه الحوار الذي شارك فيه الصفوة من السياسيين والمفكرين والاقتصاديين في دول الاتحاد الاوروبي‏,‏ وبعض الدول العربية وكان حديثه موضع اهتمام خاص عندما توقف لشرح السياسات العدوانية الاسرائيلية‏,‏ وموقف مصر من محاربة الارهاب وتأييد كل عمل للقضاء علي بؤر ومناخ الارهاب في كل انحاء العالم‏,‏ وعن آفاق التعاون بين دول الاتحاد الاوروبي ودول البحر المتوسط ودور مصر في ذلك‏..‏ وساد الصمت في القاعة الكبري التي ضمت هذا الحشد من الشخصيات ذات الثقل الدولي عندما تحدث الرئيس عن ضرورة احترام الخصوصيات الثقافية والانسانية والقيم والتقاليد المتوراثة لكل شعب من الشعوب وحين اعلن زيف المزاعم الخاصة بصراع الحضارات التي تنطلق من احساس زائف بتفوق حضارة علي سائر الحضارات او تفوق جنس معين علي غيره من الاجناس‏,‏ وهي مفاهيم تعود بالعالم الي عصر الظلام‏.‏


كانت الرؤية التي طرحها الرئيس مبارك علي مفكري‏,‏ وقادة اوروبا في مواجهة نظرية صراع الحضارات رؤية متكاملة تبدأ من مقدمة منطقية وتاريخية بأن الحضارة الانسانية هي في حقيقتها حضارة واحدة تتعدد روافدها ومكوناتها‏,‏ وكل تقدم يتحقق في منطقة من العالم او في مرحلة من مراحل التاريخ يضيف الي الرصيد الانساني‏,‏ ويبدو ان هذا الحشد من الصفوة الاوروبية كان محتاجا الي أن يستمع الي تصور حضاري وعقلاني للعلاقة بين الاسلام والحضارة‏,‏ وبين الاسلام والغرب‏,‏ وبين الاسلام والارهاب‏,‏ وكان في غاية الاهمية ان يركز الرئيس علي نقاط كانت اساسا للمناقشات الجانبية في اروقة المنتدي بعد ذلك‏.‏ واهمها‏:‏

‏*‏ ان الدين الاسلامي يعتبر الايمان بالديانات السماوية السابقة عليه شرطا من شروط صحة الاسلام‏,‏ وهذا المبدأ الحاكم مقرر بقول الله تعالي‏:‏ آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله‏,‏ وملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ ولا نفرق بين احد من رسله‏.‏

والدين الاسلامي يرفض الصدام بين الاديان‏.‏


ويوكد علي مبدأ حرية الاعتقاد والحرية الدينية‏,‏ وهذا المبدأ الحاكم مقرر بقوله تعالي‏:‏ لا اكراه في الدين‏...‏

‏*‏ والدين الاسلامي قائم علي مبدأ الحوار كأساس للعلاقة بين الشعوب والحضارات‏,‏ وليس فيه اي اشارة تدعو الي الصراع بين الشعوب والحضارات‏,‏ وذلك في قوله تعالي‏:..‏ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‏....‏


والذين الاسلامي يرفض تماما العداء لمن يخالفه‏,‏ أو الكراهية لاصحاب الديانات الاخري‏,‏ او العنف في التعامل معهم بالقول او الفعل وهذا الامر مقرر بقوله تعالي‏:‏ ولا تجادلوا اهل الكتاب إلا بالتي هي احسن‏....‏

‏*‏ وعالمية الاسلام لا تعني انفراد الحضارة الإسلامية بالعالم أوتفوقها علي الحضارات الأخري‏,‏ بل إنها تعني التفاعل مع الحضارات والتسليم بالتعددية الحضارية والتنوع الثقافي‏.‏


‏*‏ والوقف الرسلامي الصحيح هو التفاعل مع الحضارات الاخري ورفض العزلة او التبعية‏,‏ والدليل علي ذلك ان الحضارة الاسلامية لم تهدم الحضارات السابقة عليها وتفاعلت علي الفكر الفلسفي اليوناني‏,‏ ونقلت الحضارة الاسلامية والتراث اليوناني الي اوروبا في العصور الوسطي فكانت اساسا للنهضة الاوروبية‏,‏ واضافت الحضارة الاسلامية للغرب انجازات مهمة في العلوم الرياضية والكيمياء والطبيعة والطب وغيرها من العلوم‏.‏

‏*‏ والحضارة الاسلامية لم تستبعد اسهامات غير المسلمين فيها‏,‏ بل فتحت المجال لاسهامات مهمة قدمها المسيحيون واليهود الذين عاشوا في ظل هذه الحضارة‏.‏ وفي نفس الوقت فإن المسلمين علي وعي بما في الحضارة الاوروبية الآن من مقومات التقدم ويسعون الي عبور الفجوة الكبيرة بينهم وبينها‏.‏


كانت هذه الحقائق تبدو مثيرة للحاضرين رغم انهم من كبار المثقفين في اوروبا‏,‏ مما يؤكد ان المبادئ والحقائق عن الاسلام التي نتصور نحن انها من البدهيات‏,‏ ولاتحتاج الي شرح او تأكيد او تكرار‏,‏ هي في الحقيقة غائبة‏,‏ وغامضة‏,‏ في الغرب عموما‏,‏ وان ذلك يرجع الي تشويه صورة الاسلام والمسلمين باستغلال حالة التخلف في العالم الاسلامي‏,‏ وحركات الارهاب التي ظهرت وتمسحت في الاسلام ورفعت راياته لتبرير جرائمها واغواء العامة والسذج وتضليل الرأي العام في الخارج‏,‏ وان كان هذا التشويه لصورة الاسلام عن جهل بحقائق الاسلام او سوء فهم او تفسير خاطئ لبعض آيات القرآن الكريم‏,‏ فإن هناك ـ مع ذلك ـ جهات تخطط وتعمل للإساءة إلي الإسلام والمسلمين بسوء قصد‏.‏ وفي الوقت نفسه فإن الذين يسيئون الي الاسلام بحسن نية ليسوا اقل خطرا عليه من الآخرين‏,‏ وصديق جاهل اشد خطرا من عدو عاقل كما يقال‏.‏

وما شاهدته في المنتدي العالمي الاخير في فورمنتور بعد كلمة الرئيس مبارك يدعوني إلي القول بإن المؤسسات الاسلامية إذا لم تتحرك في اوروبا وامريكا بسرعة وبقوة لشرح حقائق الاسلام ومتابعة واستكمال السير علي الطريق الذي بدأه الرئيس مبارك‏,‏ فإن هذه المؤسسات ستكون مقصرة‏,‏ بل ستكون مذنبة في حق الاسلام والمسلمين‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف