الإسلام و الإرهاب
في حوار التليفزيون البريطاني( بي. بي. سي) حولل الاسلام والارهاب عقب احداث نيويورك وواشنطن.. بدأ بسؤال: هل الاسلام هو عقيدة الشيطان؟..
هل هو دين يحرض انصاره علي الاعتداء علي من يخالفونه في العقيدة..؟
هل العنف جزء من مباديء الاسلام وروحه..؟
وهل الجهاد في الاسلام معناه اباحة قتل الآخر واكراه الناس ليكونوا مسلمين..؟
مثل هذه الاسئلة تبدو غريبة بالنسبة لنا, ولكنها مطروحة في كل دول اوروبا وفي الولايات المتحدة, في الصحافة والتليفزيون ومراكز البحوث كتابات المفكرين, وفي الرأي العام علي السنة الناس العاديين.. ولاننا نحن هنا نعرف ان الاسلام دين تسامح وسلام وتعايش مع الآخر فاننا نظن ان هذه الحقيقة بديهية ويجب ان تكون معلومة للعالم كله, ولكن الواقع غير ذلك, وقد سبق ان نبه عدد من الكتاب الي خطورة السكوت علي الحملات التي تشنها المنظمات الصهيونية والجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا وامريكا, علي العرب والاسلام والمسلمين, كما فعل الدكتور ميخائيل سليمان في دراسته عن صورة العرب في عقول الامريكيين, باستطلاع آراء مجموعات كبيرة وتحليل عدد كبير من المقالات والكتب, وانتهي الي أن صورة العرب في عقول الامريكيين انهم: اغبياء, متخلفون, غير متحضرين, ملابسهم غريبة, يسيئون معاملة المرأة, مولعون بالحروب, متعطشون للدماء, يتميزون بالكذب, والغدر, والمكر, والقسوة.. وفي كل ازمة او حادث فإن عقول الامريكيين تستدعي هذه القوالب الذهنية الجاهزة.
كذلك نبه الدكتور ادوارد سعيد في كتابه المشهور تغطية الاسلام.. وقال ان الاسلام لاينتمي الي أوروبا ولا إلي مجموعة الدول الصناعية الكبري, وانه يمثل علي الدوام ازعاجا خطيرا للغرب, وهناك احاديث ومقالات ودراسات تكرر الحديث عن الهمجية الاسلامية.
وفي الاسبوع الماضي فقط قال رئيس الوزراء الايطالي برلسكوني علنا يجب ان نكون علي وعي بتفوق حضارتنا التي تقوم علي نظام من القيم يوفر الرخاء لشعوبنا, ويضمن احترام حقوق الانسان واحترام الاديان, وهذا بالتأكيد غير موجود في الدول الاسلامية,,
وبمناسبة احداث11 سبتمبر في واشنطن ونيويورك وارتباطها بجماعة بن لادن وتنظيم طالبان في افغانستان تجدد الحديث وتصاعد في الغرب عن صراع الحضارات وحتمية المواجهة بين الغرب والعالم الاسلامي, وتجد هذا التيار من يغذيه وينفخ في ناره. كما نجد هذه الأفكار الغامضة والمضللة عن الاسلام والمسلمين قبولا لدي قطاعات واسعة من المثقفين والعامة في الغرب, يساعد علي ذلك احداث الارهاب التي تقع في الدول العربية والاسلامية, ويضاف اليها ـــ كما نبه الدكتور ادوارد سعيد في مقال له في صحيفة الاوبزرفر في فبراير98 ـــ ان حركة اليمين المسيحي في امريكا التي يقودها جيري فولويل وبات روبرتسون تؤيد التوسع الاسرائيلي بقوة, وان التحالف بين هذا التيار وبين المنظمات الصهيونية في امريكا وصفته هيلاري كلينتون( في بدايات عهدها) علي شاشات التليفزيون بانه مؤامرة. ونبه الدكتور ادوارد سعيد ايضا الي ان الدين يلعب دورا متزايدا في امريكا اكثر مما يتصور الاجانب,وان تأثير الدين في امريكا يفرز متطرفين اكثر تطرفا من المتطرفين الاسلاميين, حتي ان الاصولية الاسلامية حتي الآن تعتبر معتدلة بالقياس اليه, واليمين الديني الامريكي ضد الاجانب, وضد
الاجهاض, وضد المرأة, وضد مشروعات الرعاية الاجتماعية للفقراء, ولان العقل الامريكي عموما يميل الي التبسيط فانه لذلك يسهل التلاعب به, فالحرية علي سبيل المثال هي مفتاح اليمين الامريكي.. وهي عندهم تشمل حرية امتلاك السلاح, وحرية استخدامه, وحرية السوق حرية مطلقة ولو ادي ذلك الي تدمير البيئة والصحة العامة, والحرية عندهم بلا حدود حتي لو ادت الي خدش الحياء, كما ان مفهوم الحرية لديهم يعني ايضا حرية امريكا في ان تحكم العالم.
ولحسن الحظ هناك كتاب ومفكرون في الغرب يحاولون تصحيح هذه الصورة الظالمة, واظهار المفهوم الحقيقي الاسلامي,
كما فعل مثلا المستشرق البريطاني فريد هاليداي في كتابه الاسلام والغرب:خرافة المواجهة وقال فيه ان مفهوم الخطر الاسلامي اكذوبة, وان الحديث عن صراع تاريخي دائم بين العالم الاسلامي والعالم الغربي لغو, وظهور الحركات الاسلامية كان وليد أسباب ومشكلات اجتماعية وسياسية وليست وليدة الدين الاسلامي ذاته وهي تختلف في ايران عن الجزائر او افغانستان باختلاف ظروف نشأة كل منها, ومن الخطأ الخلط بينها ووضعها جميعا في سلة واحدة.
من حسن الحظ ايضا ان القلق الذي يسود الرأي العام في اوروبا وامريكا تجاه الخطر الاسلامي يجد من يتصدي له بعقلانية علي المستوي الرسمي, كما فعل الرئيس الامريكي بوش بزيارته للمركز الاسلامي بواشنطن, وحديثه مرتين عن براءة الاسلام مما يوجه اليه من اتهامات وادانته لمشاعر الكراهية والاضطهاد للمسلمين من بعض الامريكيين.. وكما فعل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني في الجلسة الطارئة لمجلس العموم التي تحدث فيها عن خطأ ما يقال عن ادانة الاسلام ووصمه بانه دين الارهاب, ووقف بعده عدد من اعضاء مجلس العموم لاعلان رفضهم لما يوجه للاسلام من اتهامات, وكذب ما يقال من ان كل المسلمين إرهابيون.. وكما فعل ايضا ولي العهد الامير تشارلز في لقاء للتليفزيون البريطاني قال فيه ان الاسلام دين يدعو للاخاء والتعاون بين البشر, وقائم علي مباديء روحية واخلاقية سامية, ويرفض العدوان والارهاب.. وهذه الجهود الرسمية المشكورة في ذاتها دليل علي وجود المشكلة, وقد تكرر هذا الكلام ايضا علي لسان الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
والموضوع له جذور تاريخية, وهناك مراكز ومؤسسات تعمل بمنتهي الجدية علي تعميق مشاعر العداء للاسلام في اوروبا وامريكا.. ويستطيع اي انسان ان يلمس آثار هذه الجهود الآن في الرأي العام الاوروبي والامريكي بعد احداث نيويورك وواشنطن..
ولن يفيدنا ان نغمض العين عن هذه الحقيقة, او ان نكتفي بما يقال علي ألسنة القادة السياسيين في المناسبات الرسمية, ولابد ان نبدأ بعمل جاد ومستمر لتوضيح حقيقة الاسلام باللغة التي يفهمها كل شعب, وبالاسلوب الذي يتناسب مع عقليته وثقافته, ولن يجدي ان نقنع انفسنا باللغة العربية بما في الاسلام من مباديء احترام الحرية الدينية والفكرية واحترام حقوق الانسان ورفض العنف واحترام حق الحياة والمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس جميعا دون نظر الي عقائدهم ودياناتهم.
وباختصار لابد ان نخاطب العالم الآن ــ ودون تردد او تأجيل ــ ولانترك الساحة خالية في الغرب للدعاية المضادة للاسلام والمسلمين.. والا فسندفع الثمن غاليا.