سلبيات القطاع الخاص

في حديث لرئيس الوزراء قال إننا حملنا القطاع الخاص بأكثر مما يحتمل‏,‏ ووضعنا عليه آمالا لم يستطع تحقيقها‏..‏ ولم يكن في هذا التصدير جديد سوي الاعتراف بالحقيقة بصراحة وبهدف الإصلاح والبحث عن طريق للتصحيح‏.‏

ولقد تعودنا أن نلقي علي القطاع العام المسئولية عن التخلف‏,‏ ونري أن الحل الوحيد للخلاص هو تصفية القطاع العام‏,‏ وترك الاقتصاد للمبادرات الفردية وقانون السوق‏,‏ وتقليص دور الدولة‏..‏ وبدأنا فعلا في تصفية القطاع العام وإعطاء القطاع الخاص من الامتيازات والفرص الكثير في حرية العمل في الصرافة وملكية البنوك‏,‏ والاستيراد والتصدير‏,‏ وفي الصناعة والتجارة‏,‏ وفي إنشاء المطارات والموانيء والطرق والمدارس‏..‏ إلخ‏,‏ ووصلت بنا الثقة في القطاع الخاص إلي حد الاعتماد عليه في تنفيذ‏70%‏ من خطة التنمية‏.‏


ولأن النتيجة الطبيعية للخصخصة أن تقل الأنشطة التابعة للدولة‏,‏ وبالتالي يقل احتياجها إلي الموظفين والعمال‏,‏ وتقل مواردها‏,‏ فإن دور القطاع الخاص يزداد في قيادة التنمية‏,‏ وزيادة فرص العمل‏,‏ وقبول المخاطرة بالدخول في مجالات جديدة‏,‏ ونقل التكنولوجيا الحديثة وتمويل وتشجيع البحث العلمي لتطوير الصناعات القائمة‏..‏ وعليه أن يكون أكثر مرونة وقدرة علي تطوير الإدارة وتكوين الكوادر ووضع نظم للعمل والجودة بالمستويات العالمية‏..‏ لكن الذي حدث حتي الآن غير ما كنا نتوقع‏..‏ ولم يحقق القطاع الخاص التطوير الهائل الذي كنا ننتظره‏..‏ بل إنه في مجمله أصبح صورة مكررة من القطاع العام‏,‏ بأخطائه وسلبياته‏..‏ ولم ينشئ القطاع الخاص مدرسة إدارية وكوادر تتميز بالمرونة والابتكار والإنجاز علي خلاف ما كان في القطاع العام‏..‏ ولم ينقل من الدول المتقدمة أساليب التسويق الحديثة‏,‏ حتي تعامل البائع في المحل والسوبر ماركت هو ما كنا نشكو منه في القطاع العام‏..‏ وتقارير جمعيات رجال الأعمال والغرف التجارية تشير إلي معاناة القطاع الخاص من كل المشكلات التي كان يعاني منها القطاع العام مثل تراكم المخزون السلعي‏,‏ وزيادة السحب علي المكشوف من البنوك‏,‏ والتعثر في السداد‏,‏ وعدم تطوير المنتجات‏,‏ وبالتالي عدم القدرة علي منافسة السلع المستوردة من دول ليست من الدول الكبري‏..‏ وعدم تطوير سياسات التسويق‏.‏ ونظم الإدارة‏,‏ والعجز عن زيادة الصادرات‏.‏ أو زيادة المبيعات في الداخل‏..‏ فضلا عن الشكوي من التهريب والسلع المغشوشة والفاسدة‏.‏


وبعض التقارير ترجع أسباب تكرار سلبيات القطاع العام إلي طبيعة نشأة القطاع الخاص‏,‏ فقد تكون في رحم القطاع العام‏,‏ وجانب كبير من رجال الأعمال هم أصلا من الذين نشأوا وتربوا في القطاع العام‏,‏ ولذلك مازالوا يرون أن دور الدولة أن تتحمل كل المسئوليات والمخاطر والخسائر‏,‏ وتترك لهم فقط فرص الربح‏,‏ ويلجأون إلي الحكومة لتقوم بالنيابة عنهم في حل مشكلاتهم‏,‏ وتوفير التمويل وفتح الأسواق لهم‏..‏ ويقال أيضا إن بعض من دخلوا الميدان ليسوا رجال أعمال بالمواصفات المعروفة لرجال الأعمال‏,‏ ولكنهم مجرد مغامرين وباحثين عن أكبر قدر من الربح بأسرع وأقصرالطرق المشروعة أو غير المشروعة‏..‏ ومن هؤلاء تجار العملة‏,‏ وسماسرة الأراضي‏,‏ وصناع أزمة الإسكان‏..‏ وبعض هؤلاء من أحفاد أثرياء مرحلة ما قبل التأميم الذين كان آباؤهم وأجدادهم السبب في الضغط علي الدولة ولجوئها إلي التأميم عندما وصلوا إلي مرحلة الاحتكار والتحكم في السوق وسلب حقوق العمال واستنزاف ثروات البلاد وتهريبها إلي الخارج والسعي إلي السيطرة علي الحكم بالسيطرة علي الصحافة ومنابر الرأي العام والسلطة التشريعية والأحزاب واستخدام كل ذلك لمصلحتهم وليس لمصلحة البلد‏..‏

علي الجانب الآخر هناك من يري أن القطاع الخاص حقق الكثير والسلبيات المحسوبة عليه هي من صنع الأجهزة الحكومية وبقايا العهد السابق‏..‏ والحل عندهم مزيد من الإعفاءات الضريبية والدعم المباشر وغير المباشر من الدولة ومزيد من القروض والتسهيلات دون التشدد في مسألة الضمانات‏..‏ وهؤلاء لا يرون إلا دور ومسئوليات الدولة‏,‏ ولا يرون الدور والمسئوليات التي يجب عليهم القيام بها للنهوض بالاقتصاد وتنمية وتطوير الصناعات‏.‏


ولاشك أن القطاع الخاص مازال في مراحل التكوين‏,‏ وفي هذه المرحلة يمكن أن يختلط فيها الشرفاء والجادون بالمغامرين وغير الأكفاء‏..‏ ونجد في المحاكم والسجون رموزا ونماذج لهذا الطراز الأخير‏,‏ وتتركز عليهم الأضواء كما هي العادة‏,‏ لأن أخبار الجريمة والشذوذ تطغي عادة علي أخبار النجاح والاستقامة‏..‏ والقضية الآن أن القطاع الخاص في هذه المرحلة يحتاج إلي رعاية‏,‏ بعد التفرقة بين الجاد والمنتج‏,‏ وبين المغامر والنصاب‏..‏ ولا يجوز معاملة الفريقين علي قدم المساواة‏..‏ وهذا القطاع الجاد يجب أن تقف الدولة إلي جانبه وتدعمه بإنشاء مراكز لنقل التكنولوجيا‏..‏ وتقديم الاستشارات‏..‏ وتدريب العمالة الفنية الماهرة‏..‏

ولابد أن يتضح في عقولنا الفارق بين الهدف والوسيلة‏..‏ القطاع الخاص ليس هدفا أو غاية في ذاته‏..‏ الهدف هو تنمية وتحديث الاقتصاد والصناعة‏..‏ ونحن نقف مع القطاع الخاص بالقدر الذي يحقق به هذا الهدف‏.‏ نحن مع القطاع الخاص الجاد والمنتج‏..‏ أما المغامرون والنصابون فيجب أن يسري عليهم قانون البقاء للأصلح‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف