وصايــا الدكتــورة زينـب رضـــوان (2 - 2 )

تركت الدكتورة زينب رضوان فى العديد من دراساتها ومؤلفاتها كثيرًا من الآراء والتوصيات لتصحيح وضع المرأة بما يتفق مع الفهم السليم للكتاب والسنة، وبعد رحيلها فإن هذه التوصيات أصبحت وصايا تنتظر من يتبناها ويواصل جهودها لتنفيذ هذه الوصايا. ولأفكار الدكتورة زينب رضوان قيمة كبيرة بحكم تخصصها العلمى من ناحية وبحكم المواقع التى شغلتها فقد كانت أول سيدة تشغل منصب عميد كلية دار العلوم وهى الكلية ذات التاريخ العريق، وكانت عضوًا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، وعضوًا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وحصلت على جوائز من العديد من الهيئات العلمية والإسلامية فى مصر والخارج.
وكانت وصيتها الأولى أن تبدأ الهيئات والمؤسسات الإسلامية فى مراجعة كتب الفقه والتفسير والحديث وهى مهمة صعبة تحتاج إلى إرادة وعزيمة ومثابرة لأنها سوف تستغرق سنوات لكنها سوف تسدى للإسلام خدمة عظيمة لأن هناك معتقدات تنتمى إلى عصور ومجتمعات ما قبل الإسلام تسربت إلى الشعور واللاشعور الجمعى العربى والإسلامى والشرقى بصفة عامة وكانت النتيجة إلحاق كل نقيصة بالمرأة، فإذا ولدت إناثًا حمّلها الزوج والناس مسئولية عدم إنجاب الذكور على الرغم من أن الله أعلمنا أن الإنجاب «هبة» منه سبحانه لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ «سورة الشورى» والعلم يقرر بالقطع أن الزوج هو المسئول عن إنجاب الذكور أو الإناث وإذا بدأنا فى مشروع علمى لتنقية التراث -كما فى وصيتها- فسوف نكتشف رواسب من عقائد الفارسيين واليونانيين والهنود والترك مما كان سائدًا فيهم عصورًا طويلة قبل الإسلام ومستقرًا فى اللاشعور الجمعى، وهؤلاء أسلموا وأثرت عقائدهم على تحويل الآراء الفقهية والنظرة الدينية عن نقاء الإسلام، والمؤرخون المسلمون القدامى تحدثوا كثيرًا عن أثر اصحاب الحضارات القديمة على الثقافة الإسلامية وأثر الإسرائيليات والأساطير التى ملأت كتب التفسير من فكر هؤلاء «الموالى» وتم ذلك بحسن نية وأحيانًا بسوء القصد. والمؤرخون المسلمون القدامى يذكرون أن هناك من دس من التفسيرات ما يتناقض مع الإسلام من أمثال كعب الأحبار وهب بن منبه، وابن جريج، وابن سبأ، وقد دسوا أحاديث كاذبة نسبوها للرسول وقدموا تفسيرات مليئة بالأكاذيب.
وصية الدكتورة زينب رضوان أننا فى حاجة ماسة إلى فقه جديد يمثل الإسلام مستندًا إلى الفهم الصحيح للقرآن ويتطابق مع عمل وقول الرسول y ومتفقًا مع مقاصد الشريعة التى جاءت لخير الإنسان والمجتمع، ومراجعة الفتاوى التى لم تعتمد على نص فى القرآن أو السنة والمستمدة من العرف الذى كان سائدًا فى أزمان سابقة وأن حكم هذه الفتاوى أنها «رأى» والرأى يخطىء ويصيب. وأشارت الدكتورة زينب رضوان إلى كتاب مهم بعنوان «كتاب الشذرة فى الأحاديث المشتهرة» لمحمد بن طولون الصالحى وجمع فيه ألفًا ومائتى حديث كانت شائعة بين المسلمين فى القرن العاشر الهجرى، وكتاب آخر عنوانه «كشف الخفاء ومزيل الإلتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس» للشيخ إسماعيل محمد العجلونى الجراحى وجمع فيه أكثر من ثلاثة آلاف ومائتى حديث كانت شائعة فى القرن الثانى عشر. وقد تفرغ أستاذ كبير لدراسة الكتابين هو الدكتور محمد بلتاجى رئيس قسم الشريعة وعميد كلية دار العلوم وتبين له أن القليل من هذه الأحاديث أحاديث صحيحة بالمعايير العلمية وفقًا لمنهج علم الحديث وأكثرها لا أصل له فى الحديث النبوى الشريف ومعارض معارضة صريحة للقرآن والسنة وبعض هذه الأحاديث لا تزال على الألسنة والأقلام إلى اليوم. ولم يلتقت البعض إلى ما قاله الإمام أبو حامد الغزالى عن وجوب الحذر من الأخذ بكل ما يرثه الأبناء عن الآباء والأجداد ويعتبرون كل ما قالوه عنوان الحقيقة، واستند فى ذلك إلى أمر الله لنا بأن نراجع ما قاله وما فعله السلف حتى لا نفعل كما فعل الكفار: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ وفى كتاب الله أكثر من آية تحذر من اتباع السلف بدون مراجعة وتحقيق.
ووصية الدكتورة زينب رضوان للمفسرين أن يراجعوا كتب التفسير القديمة ولها أمثلة أكتفى باشارتها إلى الأية الكريمة الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ «النساء -34» فتقول إن القوامة تعنى تكليف الرجال بالقيام برعاية النساء ومبرر هذا التكليف كما جاء فى الآية أن «بعض» الرجال أفضل من «بعض» النساء، والتفضيل هنا لا يشمل «جميع» الرجال ولا جميع النساء ولا علاقة له بالقيمة الإنسانية للرجل والمرأة على قدم المساواة ولكن التفضيل ينسحب على أمور أخرى مثل الذكاء والتقوى والمال والمكانة الاجتماعية..إلخ وفى مثل هذه الصفات لا يتساوى كل الرجال ولا كل النساء.
وفى وصيتها بأن يكون الفقه الجديد قائمًا على نص صريح وعلى ظروف الزمان والمكان ومما يؤيد ذلك موقف عمر بن الخطاب عندما أوقف العمل بحد السرقة فى عام المجاعة، وعندما منع إعطاء سهم من الزكاة للمؤلفة قلوبهم حسب ما تنص عليه الآية إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «سورة النساء» واعتبر إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة أمرا وقتيًا على الرغم من أن الآية لم تنسخ وتنص على أن هذه الأنصبة «فريضة من الله» ولذلك يعتبر ما فعله عمر بمقاييس الفقه وآراء الشراح فخرًا للإسلام ودليلًا على أهمية الاجتهاد، وأيضًا منع عمر زواج المتعة وهو زواج مؤقت ليس له أحكام الزواج وآثاره، مع أن هذا الزواج مازال قائمًا إلى اليوم عند الشيعة يستندون فيه إلى الآية (فما استمتعتم به منهم فآتوهن أجورهن) واعتبر عمر أن هذا الحكم وقتى زالت الحاجة إليه بعد استقرار الدولة وتنظيم العلاقات فيها. كذلك أحكام الرق فى القرآن أعتبرت أحكامًا وقتية والقول بغير ذلك يعنى أن الرق من صميم الإسلام كما يردد أعداء الإسلام. ولذلك ألغى المشرع المصرى الرق فى 4/8/1877 والغاه الباب العالى فى تركيا بعد ذلك فى 21/1/1896.
وفى مؤلفات الدكتورة زينب رضوان وصايا تتكرر بأن يراجع المتشددون أنفسهم فى ضوء الفهم الصحيح للقرآن والسنة فى قضايا النساء فإن الله كرم بنى آدم وبنو آدم هم الرجال والنساء أى أن الله كرّم الجنس البشرى كله دون أن يستثنى نوعًا منهم، ووضع المرأة فى منزلة أقل من الرجل ليست من الإسلام ولكنها من فكر ساد فى عصور الطغاه. ففى اليونان كانت هناك تفرقة بين فصيلتين من الناس السادة والعبيد، والسادة هم اليونانيين، والعبيد هم غير اليونانيون، وهذا الفكر هو ما عبر عنه أرسطو أعظم فلاسفة اليونان وتسرب فكره إلى أفكار بعض أهل الفكر الإسلامى واعتبروه المعلم الأول. وبالقياس ميزوا بين الرجل والمرأة الرجل فى مرتبة عالية والمرأة فى مرتبة متدنية أقرب إلى العبيد بالمفهوم اليونانى القديم. والإسلام جاء ليصحح مفاهيم الاستبداد والطغيان فذكر أن الله خلق الناس «من نفس واحدة» أى أن المرأة والرجل من أصل واحد وهما شطران من نفس واحدة، وعندما أقسم الله بخلقه أقسم بالذكر والأنثى معًا وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى وفى التكاليف الشرعية لم يفرق الله بين الذكر والأنثى خَاضُوا ٹ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة: 71.
فالذين ينكرون حق المرأة فى التعليم أو العمل أو فى المناصب المختلفة أو فى المشاركة السياسية والمجتمعية عليهم أن يعودوا إلى النصوص ويتأملوا دلالاتها.
ومن وصايا الدكتورة زينب رضوان استعادة حق المرأة فى «المهر» الذى قرره الله كنوع من التأمين للزوجة، ولكن الناس يتجاهلون الحكمة الإلهية ويجعلون «المهر» ضمن تكلفة تأثيث بيت الزوجية والإسلام أوجب على الزوج أن يعد للزوجة مسكنًا لائقًا بمستواها الاجتماعى.. وإذا كانت ظروف المجتمع الاقتصادية تجعل من الصعب أن يتحمل الشاب تكلفة إعداد بيت الزوجية ودفع «المهر» فإن الحل الذى كانت تقترحه لتنفيذ شرع الله مع مراعاة ظروف الشباب بان يحدد «المهر» ويعتبر هذا المهر مع ما تساهم به الزوجة فى إعداد بيت الزوجية دينًا مؤجلًا على الزوج يؤدى فى حالة الطلاق أو الوفاة لأن المهر حق لا يجب إسقاطه تحت أى تأثير. أما من يتمكن من أن يؤدى المهر عند عقد الزواج ويتولى تأسيس بيت الزوجية فعليه أن ينفذ مقصد الشرع وجزاؤه من الله (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً.)
وصية الدكتورة زينب رضوان للرجال عدم إرغام الزوجة على استمرار العلاقة الزوجية وهى كارهة لأن فى ذلك مخالفة لأمر الله وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً) وفى حالة رغبة الزوج فى الزواج بأخرى فإن قبول الزوجة الاولى شرط لإقامة الشرع والشرط الثانى هو إثبات المقدرة على النفقة على أكثر من زوجة بصورة تكفل مستوى معيشة مناسب للزوجات والأبناء.
وصايا الدكتورة زينب رضوان من صميم الشرع الإسلامى يؤيدها فى ذلك المفكر الإسلامى الكبير والإمام محمد الغزالى وهما من أكبر القامات فى الساحة الإسلامية، الدكتور كمال أبو المجد يقول إن الإسلام يرفض النظرة المختلفة للمرأة باعتبارها مجرد متاع للرجل أو باعتبارها مخلوقًا دونه فى القيمة والمنزلة الاجتماعية والأصل فى الأحكام الشرعية المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة فى كل ما يتصل بالكرامة الإنسانية وفى القرآن يؤكد الله تعالى أنه كرّم بنى آدم جميعًا.
ولنا عودة مع الدكتور أبو المجد والشيخ الغزالى وغيرهما من مصابيح الفكر والفقه والشريعة.

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف