معوقات الإستثمار
يبدو ان البيروقراطية مازالت اقوي من الجهد الذي يبذل لتشجيع الاستثمار, ويبدو ايضا ان الكلام اكثر من العمل عن ازالة معوقات الاستثمار, والمؤكد ان القضية الاولي امام الحكومة الحالية هي: قليل من الكلام, وكثير من العمل, خاصة في مجالات الاستثمار والصناعة والتحديث, لاننا لم يعد امامنا وقت يمكن ان نضيعه في الكلام.
ظهرت هذه الحقيقة عندما عقد رئيس الوزراء اجتماعا منذ ايام مع الجهات المشتركة في التعامل مع المستثمرين, وتبين ان التعقيدات والمشاكل مازالت كما هي رغم اعلان الحكومة السابقة ان كل مشاكل المستثمرين قد انتهت وان المراحل والاجراءات والجهات التي يتعامل معها المستثمر في كل مرحلة من مراحل المشروع لابد ان تصيبه بالاحباط والندم.
والحقيقة ان منظومة الاجراءات لانشاء مشروع صناعي وضعت بغاية الاتقان بقصد تطفيش الاستثمار والمستثمرين.. ويكفي ان نتابع الخطوات الاساسية التي يجب علي صاحب المشروع الصناعي ان يسير فيها. ففي مرحلة تأسيس المشروع يلزم صاحبه بالتعامل مع هيئة الاستثمار, وهيئة التصنيع, ومصلحة الشركات, وسوق المال, والسجل التجاري, ونقابة التجاريين, ونقابة المحامين, والشهر العقاري, وكل جهة لها مطالب وشروط ورسوم وتحتاج الي شهور.
ولكي يحصل المشروع علي الموافقة فانه ملزم بالتعامل مع هيئة التصنيع, وهيئة المجتمعات العمرانية او المحليات, وجهاز شئون البيئة وعندما يتعاقد للتنفيذ عليه التعامل مع المكاتب الاستشارية, ومركز بحوث البناء وجهاز التعمير او الادارات الفنية بالمحليات للحصول علي الرخصة ومع هيئة التأمينات,
وضرائب المبيعات, ونقابة المهندسين للاشراف علي المباني والانشاءات, وفي مرحلة استيراد المعدات للمشروع يتعامل مع هيئة الاستثمار, وهيئة التصنيع, ومصلحة الجمارك, وهيئة الرقابة علي الصادرات والواردات, والبنوك, وشركة الحاويات, وهيئة الميناء بما فيها من حكايات وتعقيدات معروفة.. ومصلحة الجمارك واجراءاتها لا تحتاج الي شرح..
وعندما يجتاز صاحب المشروع كل هذه العقبات يجد امامه اكبر مشكلة, وهي الحصول علي رخصة التشغيل, وعليه ان يتردد علي مكاتب وزارة الصحة, وجهاز الامن الصناعي في وزارة العمل, والادارات الهندسية في المحليات, ووحدة الدفاع المدني ووزارة البيئة.. ولكل جهة اشتراطات وطلبات ورسوم وخلافه..!
واذا طال العمر بالمستثمر وتغلب علي كل هذه العقبات فامامه مشاكل اذا اراد استيراد مستلزمات الانتاج, ومشاكل اذا قام بتصديرها بنظام دروباك او تاكس ريبيت فلا يسترد الاموال التي سددها للجمارك الا بعد سنتين علي الاقل وعليه ان يجد وسيلة للتفاهم مع تعقيدات الحجر الصحي, والحجر البيطري, والمعامل المركزية, والمسئولين عن الفحص الظاهري..
ويحتاج المستثمر الي قدرات وموهبته خاصة للتعامل مع التشابك اختصاصات الاجهزة التي تصل الي حد الصراع فيما بينها, وتعمل علي عرقلة الجهات الاخري, والخلاصة ان المستثمر يضيع ثلاث او اربع سنوات في الجري هنا وهناك, ويتحمل اعباء مالية كثيرة, ويخضع لشروط اذعان من كل جهة بما تفرضه من شروط لا لزوم لها ورسوم ليست مقررة بقانون, وكان المستثمر جاء ليلقي امواله هنا وهنا بغير حساب..
وحسنا فعل رئيس الوزراء بعد اجتماعه مع المسئولين عن كل هذه الجهات, وتكليف لوزارة الصناعة باعداد خطة للتيسير علي اصحاب المشروعات, وفي حدود علمي فان وزارة الصناعة اعدت فعلا برنامجا للتيسير يبدأ بتجميع الجهات التي يتعامل معها المستثمر في مكان واحد, واختصار بعض المراحل, ومنع تكرار تحصيل الرسوم علي الخدمة الواحدة لصالح كل جهة, ومنع تحصيل رسوم غير مقررة بالقانون لمجرد الرغبة في زيادة موارد كل جهة.
ولكن تبقي مشكلة الارض.. فالارض مجانا للمشروعات التي تقام في الصعيد, ولكن في المدن الجديدة تعمل الوزارة المختصة بزيادة سعر الارض فيها دون تفرقة بين سعر الارض للمباني وسعرها للمشروعات الصناعية حتي اصبح سعر التي يزيد علي250 جنيها من اشتراط البناء علي نصف المساحة فقط فيصبح سعرالمتر اكثر من500 جنيه تضاف اليها الرسوم المتعددة بينما سعر متر الارض للمشروعات الصناعية في تونس مثلا خمسة دولارات اي اقل من عشرين جنيها.
وامام الحكومة جهد كبير لابد ان تبذله للقضاء علي تعقيدات البيروقراطية, وحيل صغار الموظفين وهؤلاء هم الذين ينتهي عندهم مصير الاستثمار والمستثمرين.. وبيدهم نجاح او فشل الاستراتيجية الجديدة للاستثمار وتحديث الصناعة.