قانون لابد منه
مام مجلس الشعب مشروع قانون بفرض زيادة طفيفة علي أسعار السجائر تخصص حصيلتها للتأمين الصحي علي الأطفال, ويعتبر هذا المشروع أداة تشريعية لتحقيق أكثر من هدف اجتماعي نبيل.
الهدف الأول لهذا المشروع هو توفير تمويل إضافي لمشروع التأمين الصحي علي الأطفال, وهذا المشروع يقدم خدمات واسعة لوقاية الأطفال من الأمراض وعلاج المرضي منهم بالمجان. ولكنه مقصور علي توفير ضمانات الرعاية للأطفال فوق سن السادسة, ولا تكفي موارده للتوسع ومد مظلة الرعاية الصحية للأطفال تحت سن السادسة, خاصة أن مواده محدودة لا تكفي توفير المستوي الجيد لجميع الأطفال واستكمال النقص في الأجهزة الطبية والادوية المرتفعة الثمن الخاصة بالأمراض المزمنة. وما أكثر من يتطوعون بنقد هذا القصور, والمطالبة باستكمال كل ما هو لازم للوصول به إلي المستوي الذي نتمناه, ولكن لا أحد يفكر في كيفية زيادة الموارد لمواجهة ارتفاع أسعار الاجهزة والادوات والأدوية.. ولهذا يعتبر هذا المشروع طوق النجاة لمشروع التأمين الصحي علي الأطفال. وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانا اشادت فيه بهذا المشروع وبمجلس الشعب المصري. واعتبرت هذا القانون علامة مهمة في سياسات العناية بصحة الأطفال في إطار المشروعات العديدة التي كان لمصر فيها الريادة بفضل الرعاية الخاصة التي توليها السيدة سوزان مبارك للطفولة, والأمومة, والاسرة, وقالت منظمة الصحة العالمية إن هذا القانون ـ بعد صدوره ـ سوف يكون قدوة ونموذجا تحتذيه بقية الدول لزيادة أوجه الرعاية والحماية للأطفال بإسهام المدخنين.
ومن حسن الحظ أن اعضاء مجلس الشعب متحمسون لهذا المشروع ومدركون لأهميته, وأن الدكتور فتحي سرور رئيس المجلس مهتم به اهتماما خاصا, ووزير المالية متحمس له مع وزارة الصحة, وإن كان البعض يري أن أي زيادة لأسعار السجائر سوف تمثل عبئا علي المدخنين, وربما يقلل مبيعات السجائر, ويقلل بالتالي الضرائب والجمارك التي تحصل عليها الدولة من الدخان. وهذا المنطق يغفل الجانب الأهم من الموضوع. وهو أن التدخين أصبح الآن موضوع هجوم في الولايات المتحدة بالذات وهي أكبر منتج للسجائر في العالم, بعد أن ثبت يقينا أن التدخين يسبب السرطان, كما يسبب مجموعة أمراض أخري تبدأ من حساسية الصدر والربو وتنتهي بتصلب شرايين المخ والقلب, ولذلك أصبح التدخين ممنوعا في جميع الأماكن المغلقة.. في المستشفيات والمدارس والشركات والمحال والمواصلات.. إلخ.. كما أصبحت النظرة الاجتماعية للمدخن علي انه إنسان غير محترم, ومحظور علي رجال الحكم والسياسة والقادة في مختلف المواقع أن يظهروا أمام الناس وبيدهم سيجارة.. ومن المناظر التي تلفت النظر وأنت تسير في واشنطن أو نيويورك أو غيرهما أن تجد علي الرصيف أمام بنك أو شركة في وقت الراحة والغداء واحدا أو اثنين من الموظفين يدخن سيجارة, ثم يعود الي عمله بعد أن ينتهي منها, وكأنه يرتكب جريمة أو عورة لا يجوز أن يظهرها أمام زملائه في داخل مكان العمل.
كما أن أعدادا من المدخنين الذين أصيبوا بأمراض خطيرة قاتلة لجأوا الي القضاء بطلب تعويض وحكمت لهم المحاكم الأمريكية بتعويضات بلغت مليارات الدولارات, حتي قيل إن هذه الأحكام تهدد شركات السجائر الكبري بالإفلاس, وستؤدي إلي زيادة حجم البطالة نظرا لكثرة عدد العاملين فيها, كما أنها ستؤثر في الاقتصاد الأمريكي لأن تصدير السجائر الأمريكية يمثل موردا من أهم الموارد يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد تجارة السلاح وقبل تجارة الأدوية والإليكترونيات, ونتيجة تراجع مبيعات السجائر في أمريكا وأحكام التعويضات الباهظة بدأت شركات السجائر الأمريكية تنفيذ خطة للتوجه إلي الدول النامية, والتأثير في الشباب بالذات لإغرائه بإدمان التدخين, ووضعت هدفا أن تصل إلي الشباب أقل من18 سنة في الدول النامية برغم أن بيع السجائر والخمور ممنوع في أمريكا لأقل من18 سنة.
لذلك جاءت حملة السيدة سوزان مبارك لمحاربة التدخين في وقتها لإنقاذ شبابنا من هذا المخطط الذي بدأت شركات السجائر العالمية تنفيذه. وجاء قرار وزير الإعلام بمنع إعلانات السجائر في التليفزيون وقرارات وزير الصحة بمنع التدخين في المستشفيات ووزير التعليم بمنع التدخين في المدارس.. كل هذه خطوات يمكن أن توفر قدرا معقولا من الحماية للشباب, وإيجاد شعور عام لدي المواطنين بخطورة التدخين, والمفروض أن تشارك جميع الأحزاب, والجمعيات, والجامعات, ومراكز الثقافة والشباب في هذه الحملة مشاركة جادة وحقيقية, خصوصا أن تكاليف العلاج لما ينتج عن التدخين من أمراض تفوق أضعاف ما تحصل عليه الدولة من ضرائب ورسوم علي الدخان.. وإذا كانت الدول الكبري تعمل علي حماية شعوبها من هذه السموم وهي الدول المنتجة والمصدرة لها, فإن الدول المستوردة لهذه السموم هي الأولي باتخاذ سياسات أشد للحماية من هذا الخطر.
ويأتي مشروع القانون بفرض رسم محدود علي السجائر لمصلحة علاج ملايين الأطفال ليضرب عصفورين بحجر واحد, فإذا أدي إلي نقص مبيعات السجائر فهذا خير, لأنه يعني تناقص الأمراض الناتجة عن التدخين, وتكاليف علاجها, وكلها تعتمد علي الاستيراد وتمثل ضغطا علي العملات الأجنبية, وإذا لم يؤد إلي نقص المبيعات واستمر المدخنون في استسلامهم لإدمان هذا الخطر فليسهموا بثمن سيجارة واحدة من كل علبة لعلاج طفل يعاني المرض.
وأتمني أن يناقش مجلس الشعب هذا المشروع في دورته الحالية ولا يؤجله الي الدورة المقبلة.. فخير البر عاجله.