أحلام المرأة المصرية
ماتحقق للمرأة المصرية في سنة واحدة يفوق ما حصلت عليه في خمسين عاما, والفضل في ذلك دون شك للمجلس القومي للمرأة الذي استطاع أن يجعل قضايا حقوق المرأة علي أولويات قضايا الرأي العام, وبفضل الارادة السياسية التي تدفع وتحفز التطور الاجتماعي والحضاري في كل المجالات, تغير الواقع تغيرا يدعو للتفاؤل.
بفضل المؤتمرات واللقاءات الفكرية التي نظمها المجلس القومي للمرأة اتضح للمجتمع ما كان يجهله أو يتجاهله من أحوال المرأة ومدي الظلم الواقع عليها.. سواء في التمييز ضد المرأة في بعض المجالات( مثل التأمينات والمعاشات) أو الصور المهينة للمرأة في التليفزيون والسينما وتقديم نماذج للمرأة التي تتلقي وتتقبل وتتعايش مع الاهانة والشعور بالدونية وتعاني من عدوان الرجل الي حد الضرب بشكل لا يتفق مع الكرامة الانسانية, وبفضل هذا المجلس اتضح بشكل جيد أن قضية المرأة ليست قضية تحرر أو مساواة بين الجنسين فقط, ولكنها قبل ذلك قضية تنمية ونهضة شاملة لا تتحقق إلا بالرجل والمرأة معا, ولا تتحقق إلا برفع مستوي الكفاءة التربوية والدور الاجتماعي والاخلاقي للتربية في البيت, ودور المرأة الأم في ذلك لا يمكن انكاره, كما لا يمكن انكار أهمية دور المرأة في العمل العام, لان المجتمع الذي يتحرك بالرجل وحده يتحرك ببطء, لانه يتحرك علي ساق واحدة, أو يصفق بيد واحدة, واليد الواحدة لا تصفق, وليس من مصلحة أي مجتمع أن يعمل بنصف قوته ويعطل نصف قوته الأخري, وأيضا ليس من الانصاف الادعاء بان القدرات العقلية والقدرة علي القيادة وتحمل المسئولية مقصورا علي الرجال وحدهم, لان الله سبحانه وتعالي قسم المواهب والقدرات علي البشر بالعدل دون تحيز أو انحياز أو تفضيل لجنس علي جنس أو نوع علي نوع من البشر.
تغيرت لغة الخطاب عن المرأة.. فلم يعد أحد يستطيع أن يرفع الصوت بالادعاء بان المرأة سلبية والرجل ايجابي, أو أن المرأة تقف عاجزة أمام المشاكل, بينما يقتحم الرجل المشاكل ويجتهد في مواجهتها والتغلب عليها, أو أن المرأة دائما محتاجة الي من يعولها ويقودها ويسبغ عليها حمايته: أب أو زوج أو ابن.. أو أن دور المرأة في المجتمع محصورة شئون البيت أمام الصور الجديدة التي ابرزها المجلس القومي للمرأة.. صورة المرأة المصرية المتعلمة, المثقفة, الناضجة علما وخلقا, ذات الشخصية القيادية الناجحة في مجالات كثيرة.. المستقلة اقتصاديا.. الناجحة في تحقيق التوازن بين مسئوليتها في البيت كزوجة وأم وربة بيت وبين عملها في الخارج.
وتكاد تختفي صورة المرأة التي لا تخرج للعمل إلا مضطرة تحت ضغط ظروف حرمتها من العيش الكريم في كنف رجل قادر علي أن يكفلها, وازداد ظهور صورة المرأة التي تعمل اقتناعا بقيمتها كانسان وعضو في مجتمع, واقتناعا بقيمة العمل في ذاته, بالاضافة ــ طبعا ــ الي تحقيق عائد اقتصادي.. ولم يعد غريبا أن تنتشر في مصر ظاهرة سيدات الأعمال في كل المجالات وتتكون جمعيات تدافع عن حقوق هذه الفئة الجديدة التي تقتحم ميدانا كان الصراع فيه للرجال وحدهم, وهو ميدان يحتاج الي قدرات خاصة والي استعداد للمخاطرة وتحمل نتائج كل خطوة أو قرار أو صفقة.
واذا كان البعض يتساءل: هل التغيير الذي حدث في صور المرأة هو تغيير حقيقي في الواقع أو هو تغيير في الصورة مع بقاء الأصل علي ما كان عليه.. والسؤال ينطوي علي رغبة في التشكيك فيما تحقق ربما لان البعض لا يستطيع أن يستوعب سرعة وعمق التغير الاجتماعي بالنسبة للمرأة, ولا يصدق أن كل هذا حدث في عام واحد.. والصورة أمامنا ليس إلا انعكاسا للواقع الذي تغير تغييرا ليس قليلا, والصورة علي أي حال تنطوي علي سلبيات ليست قليلة بقدر ما فيها من ايجابيات كثيرة, ولا أحد يحاول اخفاء السلبيات, بل إن المجلس القومي ذاته هو الذي يكشف السلبيات, وأهمها ان الوضع الاجتماعي للمرأة في عمومه لا يزال أدني من الرجل في الريف والمدن علي السواء, ومازالت نسبة الأمية بين النساء أكبر, وتسرب البنات من التعليم أكثر من تسرب الصبية, بل هناك من يشير الي حقيقة لم يتحدث عنها أحد من قبل من الباحثين في الأحوال الاجتماعية داخل الأسرة, وهو أن توزيع الطعام داخل الأسرة ليس توزيعا عادلا, وقد كشف بحث للمركز القومي للبحوث الاجتماعية أن الأب والأبناء الذكور يحصلون علي نصيب من الغذاء أكبر من مما تحصل عليه الزوجة والبنات, ويشير البحث الي اختلال العدالة في توزيع الغذاء وتفضيل الذكور علي الاناث, وهذه ليست إلا صورة من صور التحيز القبلي الموروث مع الذكور وضد الاناث.
وهذه الدراسات تشير الي أن العلاقات داخل الأسرة تكرس سيطرة الأب أو الأخ علي الأم والبنات, وان هذه السيطرة لا تعتمد علي الاقتناع ولكن تعتمد علي القسر وأحيانا علي العنف, ولذلك تنتج الأسرة أجيالا تؤمن بالمفهوم الأبوي للسلطة وكأنها ارادة الهية وظاهرة طبيعية, وهذا المفهوم يعمق ممارسات السلطة والتسلط وينقلها من البيت الي المجتمع ويقلل من فرص نمو العلاقات والممارسات الديمقراطية ويقلل أيضا لدي المرأة الرغبة والقدرة علي المشاركة في التفكير أو اتخاذ القرار, فضلا عن المشاركة في الحياة العامة.
ويضيف تقرير المجلس القومي للمرأة لهذا العام ان ما تحتويه المقررات الدراسية في مصر من قيم لا يساعد بعضها علي تبلور ثقافة اجتماعية وسياسية تساعد علي التربية الديمقراطية والايمان بجدوي المشاركة والعمل الايجابي, وقد بينت بعض الدراسات أن المعلمين الذين يتولون تنشئة التلاميذ لا يؤمن بعضهم بالمساواة بين الرجل والمرأة في حقوق وواجبات المواطنة وتزيد الأساليب التربوية القائمة علي التلقين من فعالية هذا الاثر السلبي.
أما الاعلام فيسجل التقرير أنه يكاد يحصرها في نمط واحد في الطبقة الوسطي وفي أدوارها التقليدية: كيف ترضي الزوج, وكيف تعد مائدة شهية, واحتوت وسائل الاعلام علي اتجاهين: أحدهما يسعي لتسطيح أوضاع المرأة ومخاطبة شكلها, وينمي القيم الاستهلاكية لديها, والثاني يدفع بالمرأة الي الانعزال واثارة مخاوفها الاخلاقية والاجتماعية, مما يجعلها تفضل الابتعاد عن ممارسة أي نشاط خارج اسرتها, وفي نفس الوقت فان الاعلام يستخدم المرأة في الاعلانات بصورة فيها انتهاك لخصوصيات المرأة ولدورها في الحياة وفي المجتمع.
ايجابيات وسلبيات.. خطوات الي الأمام تحققت.. ومازالت هناك خطوات أخري أكثر.. لان الطريق طويل لتحقيق الاحلام كاملة..